الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب
وفقًا للأدبيات والمرجعيات، يعتبر الشهيد القائد عبدالرقيب عبدالوهاب أحمد قاسم، رئيس هيئة الأركان العامة في مقدمة أبطال فك حصار السبعين يومًا عن صنعاء في الفترة من 27 نوفمبر 1967م إلى 8 فبراير 1968م، إلى جانب دور المناضل حسن
العمري، القائد العام للقوات المسلحة، كما لا ننسى أيضًا الدور المشرف لأبطال آخرين في مقدمتهم الشيخ أحمد عبد ربه العواضي وجماعته، في إنهاء حصار الحديدة -صنعاء، والعميد القائد غالب الشرعي، قائد المقاومة الشعبية، الذي شكل وقاد فرقًا من الشباب في صنعاء من جميع المناطق اليمنية، كانت مهمتهم الأولى الحفاظ على الأمن والأمان في صنعاء وما حولها، والمناضل القائد يحيى الكحلاني من أبطال حملات فك حصار السبعين يومًا عن صنعاء، ونظرًا لأنه كان زميلًا للقائد عبدالرقيب عبدالوهاب، أدلى بشهادته عنه قائلًا إنه كان الثالث في دفعتهما، ولم يكن ينام حتى
المناضل حسن العمري
ليلتين في مكان واحد، خشية من استهدافه من الملكيين الذين كانوا يرصدون كل صغيرة وكبيرة داخل صنعاء. مؤكدًا أن القائد عبدالرقيب كان أنموذجًا للضابط النزيه، غير متطلع للغنائم حتى بعد ترقيته إلى رتبة مقدم من قبل القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري، قبيل مغادرته مؤقتًا إلى الحديدة لدواعٍ أمنية.
وأتذكر بعض القادة مثل المناضل القائد حسين الدفعي، نائب القائد العام للقوات المسلحة في عام 1967، والمشارك في الدفاع عن صنعاء خلال حصار السبعين يومًا، وكذا المناضل القائد عبداللطيف ضيف الله، كان أحد المشاركين الفاعلين في حملات فك حصار السبعين يومًا عن صنعاء، ورئيسًا للأركان العامة في أحداث أغسطس 1968م، ونائبًا للقائد العام للشؤون المالية والإدارية (1967-1968م).
الشيخ احمد عبدربه العواضي
وفي السياق نفسه، لا ننسى الدور البطولي للقائد منصور عبدالجليل عبدالرب، في معارك الحصار دفاعًا عن العاصمة صنعاء، في مواقع عديدة: عيبان، والجبل الطويل، وسواد حزيز، وأخيرًا تم تعيينه قائدًا لموقع "قزان" الاستراتيجي، ونائبه البطل المناضل عبده الجرادي، لصد محاولات الملكيين لاختراق الجبهةالجنوبية من جديد، بعد إعلان انتهاء حصار صنعاء في 8 فبراير 1968م، فبقوا مرابطين في الموقع في ملاحم بطولية استخدتم فيها جميع أنواع الأسلحة، بما فيها السلاح الأبيض، واستمرت المعارك حتى اندحار الملكيين في نهاية أغسطس 1968م، من المنطقة، وإعلان فتح طريق صنعاء -تعز.
ويحضرني أيضًا في هذه العجالة المناضل القائد عبدالله عبالعالم، أحد أبطال كسر حصار السبعين يومًا عن صنعاء، متنقلًا في قمم وسفوح الجبال.
ولا ننسى أن نقرأ الفاتحة على أرواح شهداء الواجب الوطني، عرفانًا منا بالجميل لجميع القادة في مقدمة الصفوف، والمناضلين من ضباط وصف ضباط وجنود ومقاومة شعبية في جميع الميادين، وكذا أهالي صنعاء الصامدين من الحصار المطبق على الطوق، فالمعركة معركة الجميع، والانتصار لصالح الجميع، والهزيمة إن وقعت تعتبر كارثة على الجميع.. تغمدهم الله جميعًا بواسع رحمته، وأمد الله من تبقى بطول العمر والصحة والعافية.
المناضل غالب الشرعي
وعلى صعيد آخر، تشير مرجعيات إلى أن القائد عبدالرقيب عبدالوهاب قُتل في منزل زميله الضابط علي سيف الخولاني، من قبل عسكر القيادة الذين اقتحموا المنزل بناء على التوجيهات، وكما يقال فإن الخولاني كان لا يفارق الفريق حسن العمري، قائد القوات المسلحة، ورئيس مجلس الوزراء، ويكثر التوسل إليه بتدبير منصب يليق به، بل كان يمثل عائقًا على عمل رئيس هيئة الأركان العامة عبدالرقيب عبدالوهاب في بناء جيش وطني قوي، كما كان يرى أن رئاسة الأركان قد اغتصبت منه.
في واقع الأمر، كان الضابط سيف الخولاني يقف حجر عثرة لكل من القائد عبدالرقيب عبدالوهاب ورفيقه القائد عبدالرقيب الحربي، وحاول جاهدًا عدم تمكينهما من تسليح الفرق المقاتلة (الصاعقة، والمدفعية، والمظلات)، ومن الاستفادة أيضًا من الأسلحة التي وصلت إلى ميناء الحديدة، ومطار صنعاء، لكنه أخفق في مسعاه، حيث قام القائد عبدالرقيب عبدالوهاب في ميناء الحديدة، بحكم عمله رئيسًا لهيئة الأركان العامة، والمسؤول الميداني للفرق العسكرية، بتوزيع الأسلحة وفقًا لاحتياجات تلك الفرق، كما قام بتسليم فرقة المدفعية "الأسلحة المخصصة لها" بوجود قائدها البطل علي مثنى جبران.
القاضي عبدالرحمن الإرياني
ولسوء الطالع، وصل الفريق حسن العمري، القائد العام، رئيس الوزراء، على حين غرة، قادمًا من صنعاء، إلى ميناء الحديدة، وبصحبته الضابط علي سيف الخولاني، إثر وشاية هذا الأخير... وما قام به كل من العمري والخولاني في الميناء من تلاسن مع كل من عبدالرقيب، وجبران، لكنه لم يتغير في المشهد شيء ،حيث استمر القائد عبدالرقيب في توزيع الأسلحة رغم المشادة الكلامية بين الجانبين. وقد توجه في ما بعد إلى صنعاء لتقديم استقالته لكل من رئيس المجلس الجمهوري عبدالرحمن الإرياني، والفريق حسن العمري، قائد القوات المسلحة ورئيس الوزراء، لكن استقالته لم تُقبل.
يقينًا، انتهت المعارك، وانتهى الحصار، وعاد الضباط الهاربون من معركة حصار صنعاء، أدراجهم، حيث دخلت البلاد في أتون فوضى بين رفاق السلاح، ومن انضم لكلا الفريقين، واندلع فصل ثانٍ من القتال هذه المرة في صفوف الجمهوريين، تحديدًا في 23-24 أغسطس 1968م، انتهت المعركة بصدور قرار جمهوري بنفي 22 ضابطًا من الفريقين المتحاربين إلى "الجزائر"، 11 من كل جانب، في مقدمتهم عبدالرقيب، وجبران، من الفريق الأول، والضابط سيف الخولاني وعشرة آخرين من الفريق الآخر.
من الملاحظ أنهم لم يستمروا في "الجزائر" إلا أشهرًا معدودة، وعاد المقدم عبدالرقيب عبدالوهاب عن طريق "عدن" إلى "صنعاء"، فألقي به في سجن القلعة، وعندما حاولوا قتله خرج وسط أزيز الرصاص مستجيرًا برفيق السلاح علي سيف الخولاني الذي استضافه في منزله، وفي نفس الوقت وشى به عند الفريق العمري الذي أرسل مجموعة عسكرية، أدى الأمر إلى استشهاده في إحدى غرف منزل الخولاني، ثم تم جر الجثة إلى الشارع، وسحبها وصلبها في الشوارع عبثًا، "وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها".
وقد استفز هذا المشهد الدرامي -حسب شهود عيان- عدوه الذي قاتله في حصار السبعين يومًا، الضابط قاسم منصر، وهو قائد الجانب الملكي السابق، بعد أن انضم إلى الجمهورية، فقال كلمته المشهورة "حمي عليكم تعبثون بجثة بطل حمى أعراضكم"، وجاء أيضًا "حمي عليكم تعبثون بجثة بطل حرب شعوب".
المناضل منصور عبدالجليل عبدالرب
وقد وقف أيضًا الشيخ الشجاع الشهم شيخ بني مطر أحمد المطري، أمام الرعاع، وقام بكسر جهازه (غمد الجنبية)، وناشدهم باسم القبيلة بإكرام جثة البطل عبدالرقيب بالدفن، وتم دفنه في مقبرة خزيمة، وقال آخرون إن أهالي منطقته تسللوا، ونقلوا جثته إلى قبر غير معروف.
وفي مرحلة لاحقة تمت تصفية الشيخ البطل عبد ربه العواضي، أحد أبطال السبعين يومًا، وقائد فك حصار طريق الحديدة -صنعاء. للأسف الشديد صمد وهو يقاوم فرقة من الحرس من على شرفة حجزه حتى نفدت منه الذخيرة، وانتهى به الأمر شهيدًا، لا نعرف بالتمام حيثيات وملابسات القبض على الشيخ العواضي، وإيداعه في الحجز خدعة، دونما تواجد جماعته هناك في مسرح الحدث للدفاع عنه، ولم نسمع دلائل إدانة أو حكم محكمة.
ومن الملاحظ، أن الفريق حسن العمري كقائد، ومعه الضابط علي سيف الخولاني -رحمهما الله- لعبا دورًا لا يسر العدو قبل الصديق، في التعامل مع رفيق الكفاح، وبطل فك الحصار، وبضلوعهما أيضًا في قتله، وتعزيره -طيب الله ثراه- ورحمة الله على جميع شهداء فك الحصار.
وبتصوري، إنه مهما كانت مبررات النزاع بين الإخوة رفقاء النضال سواء سياسية أو طائفية أو مذهبية، فالكل يتحمل المسؤولية، فهم سواسية في الحقوق، والواجبات، والعدالة، والبادئ أظلم.
وتنص القاعدة المتعارف عليها دوليًا وأخلاق الحروب، على أنه لا سياسة، ولا طائفية، ولا مذهبية في الجيش، والشرطة، والأمن، فهم حماة الوطن، والذائدون عن حياضه. وشعارهم الدائم: "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي". وهم أيضًا ليسوا عصابات بدون إدارة وتوجيهات.
وبناء عليه، فإن الكل يتحمل المسؤولية الوطنية، بمن فيهم القيادتان العليا: السياسية والعسكرية، حول انفلات الأوضاع في البلاد، وتبعات ما حدث ويحدث من تسيب وفوضى منذ نوفمبر 1967م حتى أغسطس 1968م، وما قبله من أحداث وما بعده من صراعات.
المناضل عبدالله علدالعالم
وعلى الصعيد نفسه، تمر الأيام حبلى بالمشاكل، وإذا بالفرصة السانحة التي كان يتأملها رئيس مجلس الرئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني بإعفاء الفريق العمري من منصبه، قد جاءته منقادة تجر أذيالها بعد أن أقدم الفريق على قتل "الحرازي" المسؤول في الهيئة العامة للاتصالات، جهارًا نهارًا، جراء تلاسن بينهما. وما كان من رئيس مجلس الرئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني، سوى أنه نصحه بمغادرة البلاد تجنبًا للثأر والمشاكل وخطورة الوضع.
من ناحية أخرى، تزامنت مواجهة الملكيين في حصار صنعاء، وأحداث أغسطس 1968م الدامية بين رفقاء النضال في الشق الجمهوري، مع تدخلات الجانب السعودي في الشأن اليمني، التي بدأت بالأساس بعد عودة القوات المصرية إثر ضغوط مصرية داخلية، بعد نكسة حزيران 1967م.
حقيقة، إن المملكة العربية السعودية، لم يهدأ لها بال إلا في حال إقحام نفسها في الشؤون اليمنية الداخلية والخارجية من وجهة جيوسياسية، مقابل رفد الميزانية وتقديم مساعدات، وبخاصة رواتب شهرية وإعانات لمسؤولين وعساكر ومشايخ، رغم أن خير الله في اليمن كنوز.
إن جئتم للحق، إن السعودية تخدم مصالحها متى ما وجدت فرصة سانحة لها، ولا تتحمل اللوم عما تفعله، بقدر ما يتحمله الجانب اليمني الذي يرقى فعله إلى مستوى الخيانة العظمى.
أؤكد من جديد، أن التدخل السعودي في الشؤون الداخلية لليمن ترسخ تمامًا بعد مؤتمر الصلح بين الجمهوريين والملكيين، الذي رعته السعودية عام 1970م، بحكم الجيرة واعترافها بالجمهورية العربية اليمنية، بعد تفاهمات سابقة بين الرئيس جمال عبدالناصر حسين المري، والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمهما الله- أثناء زيارة الرئيس جمال عبدالناصر إلى جدة، في 22 أغسطس 1965م، ومؤتمر القمة العربية في الخرطوم في الفترة من 29 أغسطس إلى 1 سبتمبر 1967م، نظرًا للأوضاع الصعبة التي كانت تمر بها المنطقة. وكانت اللقاءات التي جمعت بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، لحلحلة الوضع اليمني، ودية.
الشهيد إبراهيم الحمدي
ومنذ عام 1970م، كان للسعودية تواجد كبير في الشأن اليمني، ماعدا في حالة استثنائية عند قيام الشهيد المقدم إبراهيم الحمدي وزملائه، بالثورة التصحيحة (13 يونيو 1974م-11 اكتوبر 1977م)، وانتهاجه سياسة مستقلة، وهو ما لم يعجب الجيران ولا الفاسدين في الداخل، وعلى الله عاقبة الأمور.
وفي نفس الصدد، يجدر التنويه إلى أن كلًا من الرئيس عبدالله السلال والرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، لم يتنازلا عن شبر من الأراضي اليمنية، ثم أتى من يتنازل عنها على حساب مصالح الشعب اليمني المغلوب على أمره، ولا ندري ما سيحصل غدًا في حال استمرار الوضع السياسي الراهن.
فهل من لفتة وطنية كريمة تجمع أبناء اليمن باختلاف مشاربهم السياسية والاجتماعية، على ميثاق شرف حفاظًا على أطلس اليمن المتبقي من "ميدي" إلى "حصوين"، ومن "حيدان" إلى "قشن"، يقررون من خلاله أمر البلاد ومصيرها قبل الانهيار العظيم؟
الذكرى السادسة والخمسون لفك حصار صنعاء 8 فبراير 1968م
2024-02-09