أقولها بمرارة، إنه قد مرت على أمتنا 1444 عامًا، استيقظت خلالها زمنًا، ونامت أزمانًا.
حقًا إننا كأمة، لم يقسُ علينا الزمن، بل قسونا على أنفسنا، واستسلمنا لطلاسمنا، أهملنا الممكنات، فرجعت لنا كالمستحيلات.
عشنا مراحل ذهبية في بغداد، والأندلس، وكنا بناة حضارة شامخة الأركان، لكننا لم نحافظ عليها لعامل الفرقة والانقسام.
أخذ الغرب منا كل شيء جميل في مجال العلوم، والرياضيات، والآداب، والثقافة، والفنون، وشادوا حضارتهم، وبقينا نبكي على الأطلال. اجتاحنا التتار لضعف حكامنا في بغداد، وانقسام إمبراطوريتنا إلى ولايات يحكمها من غير أهلها، وبالمثل تهاوت الدولة الأندلسية إمارة بعد إمارة، حتى توديع إمارة "غرناطة"، آخر معاقلنا في الأندلس، 892 هجرية، الموافق 2 يناير 1492م، بسبب تآمر حكام الإمارات مع الفرنجة. جاء بنو عثمان فحكمونا، ثم خضعنا للاستعمار البريطاني والفرنسي والأميركي، ولم ننهض من جديد، حتى يومنا هذا.
يقينًا، إننا فقدنا مجدًا زاهيًا بفعل تآمرنا على أنفسنا حتى خسرنا ملكًا مترامي الأطراف في كل من الأندلس وبغداد، وما أشبه اليوم بالبارحة.
أخذت أمم أخرى بأسباب النهضة، فسمت، وفي المقابل زرعنا الإحن، وحصدنا المحن، فهبطنا.
ديننا علم، ونظافة، وتسامح، وعمل وحضارة، لكننا قلبناه إلى صراعات ودسائس في ما بيننا، وتدمير كل شيء جميل فينا. إن العيب ليس في الدين، وإنما العيب فينا..
فواحسرتاه! سلمنا أنفسنا إلى الأجنبي، وحدنا عن جادة الحق، والخير، والجمال، أسس قيمنا.
ماذا أقول بعد، ونحن في هذه الصورة الدنيا من الخنوع حتى بلغنا مرحلة من الخيبة، والاستسلام لإملاءات أعدائنا؟
ديننا روح ومادة، لكننا خضعنا للمادة، وفقدنا الروح، فهوينا إلى الحضيض.
ديننا كان رمز معالينا، ومشعل هدايتنا، ومصدر إلهامنا أينما توجهت بوصلتنا كأمة، ولم تخب مساعينا، لكننا سيّسناه بفعل استعماري، فكثرت فرقنا ومللنا ونحلنا، وبقينا في مفهوم الآخرين وتصنيفاتهم لنا إرهابيين، ولسنا بإرهابيين، وإنما إرهاب غرسوه في عقر دارهم، ثم صدروه إلى بلداننا بغية القضاء على ديننا الحنيف، مصدر جزعهم وقلقهم، وعامل ظفرنا ونهضتنا.
تعاقدنا مع المستعمر الحاقد، وبددنا ثرواتنا، للتآمر على بلداننا وقضايانا المحقة، حفاظًا على عروشنا وملاهينا، وتنكيس هاماتنا، وقتل كل جميل فينا، فخرنا أمام أمم الأرض صاغرين.
فهل من مخرج يرفع من مقامنا بين الأمم، لنعانق سهيلًا والسماكين مجدًا؟
جوهر قولنا، إن عوامل القوة متوفرة بأيدينا، في بحرنا، وبرنا، وسهولنا، وجبالنا، وصحارانا، تلك هي آمالنا وأمانينا، أما آن الأوان أن نفيق من غفلتنا؟!
وأخيرًا لا آخرًا، أدعو الله العلي القدير أن يسدد خطانا، ويقيل عثراتنا.. والله المستعان.