كنت في سنوات ما بعد فبراير 2014، أستغرب تمامًا أن حكومة "الشرعية" تحرص على أن يضم تشكيلها وزارة "كاريكاتورية" باسم "الحوار الوطني"، فالبلد تذوق هذه المخرجات الفعلية، في 21 سبتمبر 2014، قبل أن يتجرعها سمًا زعافًا في 26 مارس 2015!
كان الرئيس الصموت هادي، من منفاه في الرياض، إذا نطق، فللتذكير بما يعده منجزه التاريخي المتمثل بمخرجات الحوار الوطني الافتراضية التي صارت محض نصوص رومانسية تضمنها ملف يحمل اسم "وثيقة الحوار الوطني"، مكون من 400 صفحة!
واصلت الحرب طحن اليمنيين داخل اليمن، فيما وزارة الحوار الوطني تعمل من العاصمة السعودية الرياض، ومن عواصم قارات العالم القديم (وربما الجديد، وإن كنت لم أسمع بأن الوزارة نظمت لقاءات وندوات في ماكرونيزيا وجزر سليمان!)، ويعقد وزيرها لقاءات وجلسات عمل لا أحد يكترث لها، باستثناء وزارة المالية ومديري البنوك اليمنية والسعودية!
ليت هذا فحسب!
الثابت أن "مخرجات الحوار" تواصل مفاعيلها خارج وزارتها!
في 2020، فاجأني مصدر يقيم في صنعاء، بمعلومات محدثة عن هيئات مؤتمر الحوار الوطني التي يواصل بعضها "بلع" عشرات آلاف الدولارات، وأن أمين عام مؤتمر الحوار ومساعديه خلال مؤتمر الحوار (مارس 2013 -فبراير 2014) يتسلمون مخصصات باسم "الحوار الوطني" حتى اللحظة!
"الحوار الوطني" اختتم في فبراير 2014، في جلسة شهيرة قام فيها المشاركون الـ550 بالتصويت وقوفًا تلبية لطلب الرئيس المؤقت هادي.
كيف؟
الأمين العام لمؤتمر الحوار وطاقمه استمروا في استلام مخصصات شهرية بعشرات آلاف الدولارات.
لم أصدق ما يقول!
رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك (سبأ)
كان أمين عام مؤتمر الحوار انتقل، في وقت لاحق على فبراير 2014، إلى العمل مديرًا لمكتب الرئيس "المؤقت"، ثم في 2015 عين سفيرًا لليمن في واشنطن، فوزير خارجية في 2022، قبل أن يصير رئيس حكومة في 2024.
لا يمكن القطع بأن أمين عام مؤتمر الحوار ومساعديه كفوا عن قبض الأموال باسم مؤتمر انعقد قبل 11 عامًا. لكن المؤكد أن بعض الهيئات واللجان المتصلة بـ"مهرجانات" حوار 2013، استمرت في القبض سنوات أخرى لاحقة.
***
ماذا بقي من 2013 و2014 غير وثيقة الحوار الوطني وبعض الطفيليين في جسم بيروقراطي في الحكومة؟
(الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ المخرجات)
نعرف أن الهيئة فعليًا توقفت عن عملها في سبتمبر 2014، ونظريًا في يناير 2015 عندما استكمل الحوثيون (أحد أطراف الحوار) انقلابهم بتحديد إقامة الرئيس المؤقت.
كم يبلغ قوامها؟
الأمر يتعلق بفضيحة فساد يصعب تغليفها بـ"المصلحة الوطنية العليا".
لنتذكر أن مخصصات أعضاء مؤتمر الحوار في 2013 كانت خيالية أصلًا في بلد يقبع أغلبية سكانه -في 2013- تحت خط الفقر.
لقد كان رأيي أن المخرجات ليست تلك الافتراضية الي تضمنتها وثائق مؤتمر موفنبيك، بل تلك التي ظهرت في المدن اليمنية قبل اختتام المؤتمر، واستمرت بعده وصولًا إلى الحرب الكبرى في مارس 2015، ثم استمرت مفاعيلها في سلوك رئاسة المؤتمر وأمينه العام وسكرتارية المؤتمر... ومحظوظين آخرين!
في فبراير 2024 -أي بعد 10 سنوات بالتمام على انتهاء مؤتمر الحوار- بدأ يتردد حديث عن أن الذين استمروا في استلام مخصصات بالدولار باسم الحوار الوطني، هم أوسع من دائرة الأمين العام وصحبه.
والحاصل أن الرئيس المؤقت هادي شكل بقرار منه لجنة جديدة بعد فبراير 2014، سماها "الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني"، تضم 83 عضوًا، بينهم رئاسة المؤتمر وأشخاص من مكونات المؤتمر المختلفة. في يناير 2015 اقتحم الحوثيون منزل الرئيس السابق هادئ، وتعطل تمامًا المسار الانتقالي حتى اللحظة.
الأمر لغرائبيته يبعث على الضحك، إذ إن الأكيد أن كثيرين شاركوا في مؤتمر الحوار، ليسوا على صلة بالهيئات التي تشكلت بعده، بل إن عددًا من أعضاء تلكم الهيئات لم يعرف مصيرها بعد "عاصفة الحزم" الغشوم في 26 مارس 2015!
لكن الأمر يحتاج بيانًا تفصيليًا من رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك، الذي يعد اليمنيين منذ تعيينه قبل 3 شهور، بالشفافية، وسيكون جميلًا إن بدأ بنفسه!