أحدهم تمنى الزواج بصحفية.. وإكراميتهم 2000 ريال فقط!.. للمعاقين أيضاً عيدهم
يتزاحمون بعرباتهم الخاصة وعكاكيزهم على أبواب ونوافذ الصندوق الإجتماعي لرعاية وتأهيل المعاقين حركياً.
بالمئات. صمٌ وبكم ومعاقون حركياً. ينتظرون استلام إكرامية الصندوق (العيدية) من نافذته الخارجية المطلة من علو مترين تقريباً على الحوش. رحلة مضنية يقطعونها للحصول على (2000) ريال لا غير.
«استلمناها بعد شق الأنفس... المزاحمة وحدها ب(20.000) ريال»، قال لـ«النداء» وليد القادمي، الذي أصيبت رجلاه بضمور أدى إلى إعاقته. وهو لم يفوِّت فرصة لقاء صحفي للتعبير عن أمنيته الوحيدة: «أن يكون مدير الصندوق من المعاقين»!
إنها مسألة نفسية، فهذه الأمنية تتسع مساحة حضورها لدى المعاقين حركياً في فترات المعاملات طوال العام، وعند إستلام عيدياتهم، كما في هذه الأيام. أحدهم كان قد قبض عيديته، ومن على الباص الذي سيقله، رفقة آخرين إلى عمران، أطلق أمنيته الخاصة، كمن يحملني مسؤولية إيصالها إلى المعنيين: «الله لو أحصل على سيارة وأتزوج بصحفية!!».
- علي الضبيبي
منتزهات العيد وشبابيك الصندوق
معاقون بالآلاف يعولون أسراً. وآخر يقود سيارة موديل (2000) ويجيد الألمانية والانجليزية بطلاقة، كما عمنا الحاج زيد علي الحريبي الذي حمل بشدة على مبنى الصندوق، حيث أقعدته سلالمه في الحوش على عربته الخاصة منعته كعشرات غيره من الوصول إلى الدور الأول، فضلاً عن غرفة المدير التي تطل عليهم من الدور الثاني.
«إدارة الصندوق أتعبت المعاقين والمعاقات وتكلفهم تصوير المعاملات خارج مبنى الصندوق» قالها الحريبي، الذي يتأبط حزمة كبيرة من الأوراق والمعاملات له ولزملائه. لكن عليه أن ينتظر في فناء الصندوق كيما يخرج المدير -آخر الدوام- وينزل إليه في طريقه «بدلاً من أن أصعد إليه أنا». كما قال.
الحريبي -ذو الجسم الممتلئ واليدين المتينتين- رجلاه مشلولتان منذ سنة ونصف إذ اصيب بشلل نصفي، يجيد بالإضافة إلى اللغتين استخدام الكمبيوتر (برمجة وصيانة..) بجداره «أنا عندي دبلومات عدة في الكمبيوتر ولكن...!!»، سكت متحسراً وكأن شيئاً أفقده مؤهلاته. ماذا؟! سألناه، فرد مبتسماً: «رغم كل هذه الشهادات رفض الصندوق إعطائي كمبيوتر». لماذا؟ -«بحجة أن ما عنديش جامعة مع أن معي شهادات وخبرة أتحدى بها خريجي الجامعات ومدرسيهم». الحريبي الذي يشارف عمره على الخمسين كان يعمل في مكتب رئاسة الجمهورية، ولكن لسبب الدور الثاني إعتذر؛ ما عنديش من يأخذني كل يوم» والآن: «أشتغل في مركز السلام التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية متطوع»..
وعن العيد الضيف القادم بُعيد أيام وكيف يقضيه، أجاب: «نقضيه مع بعض ثم نعاود على الأهل، ونخرج منتزهات، ونتغدى في اليوم الأول عند اكبر شخص في العائلة». وعن بقية الأيام سألناه أين يقضيها، فأجاب: «نخرج تمشية عائلية خارج صنعاء بسيارة» يقودها هو بالطبع؛ إذ قال أنها مجهزة بجهاز يجعلها تقاد بتحكم اليدين بدلاً من الرجلين.
وينسجم شعورياً معه احمد سعيد نعمان، حيث يعول مثله (5) اطفال ويقترب عمره من الخمسين أيضاً، قال: «نقضي العيد كما يقضيه الآخرون، زيارات الأهل والأصدقاء». وفيما إذا كانت مصروفات العيد تشكل له إزعاجاً قال نعمان: «هذه الايام يزعجوني العيال بطلباتهم الخاصة، ومنهم اربعة يزعجوني طوال العام بمصروفات الدراسة» لكنه اعتبر أن عيد الفطر أحسن من عيد الأضحى، ثم وجه رسالته إلى الجمعيات الخيرية التي قال أنها لاتذكر المعاقين «إلا بعضها» بالقليل من الحب في رمضان: «لابد أن تذكرنا»، بالطبع هذا المعاق بدأ عمر إعاقته وهو في ال15من العمر، حيث فاجأه مرض تدريجي حتى أقعده، ووضعه المعيشي صعب إذ يدفع إيجار البيت شهرياً 15 ألف ريال من دون الكهرباء والماء. و المصاريف؟! سألناه، وقال: «على الحي القيوم من فاعل خير وتجار ومساعدات المحسنين».
تفحيطة في الدور الثاني واستراحة آخر في منتصف الدرج
المعاقين الذين وجدناهم على ضفتي الشارع المقابل لواجهة مبنى الصندوق في شارع هائل حيث يتعرضون لمضايقات اصحاب باصات الحصبة/هائل، وفي الداخل يواجهون السلالم وتعقيدات الموظفين، والمعاملات من خارج الشبابيك. منهم من استطاع عبر عربته وبمساعدة آخرين تسلق الدرج والوصول إلى مكتب المدير بعد جهد جهيد «سنمشي على شفرات السيوف ونأتي المنية من بابها» قالها مضيفاً تفحيطة معبِّرة بصوته «وفففففف» بعد أن تمكن من الوصول.
أحذية خشبية ومازال في منتصف الدرج يأخذ استراحة، «رد النسم ولا تربخ الدم» كما قال الحاج (رفض ذكر إسمه). أما أصحاب العكاكيز فبعضهم يصعد رغم الزحمة لكن مشكلة الدرج «أنه أصلع» حسب أحدهم الذي وصفه إذ سبب له ذات مرة «زحلقة».
بالطبع اصحاب الداخل ليسو احسن حالاً من أصحاب الخارج و«شباك المعاملات والصرف»، فزحمة شديدة وضجيج في أروقة وإدارات الصندوق، يشكلها معاق عجز عن تنظيم نفسه وموظفون معاقون عن تنظيمهم ايضاً.
فرحة ناجيين من لغم
كثير منهم يشكون من المبنى وتعقيدات المعاملة، يطالبون بموظفين معاقين. «هناك صعوبات نواجهها اثناء المعاملة منها عدم تفهم بعض الموظفين لوضع المعاقين كما ترى» وأشار صلاح النجار بيده الصناعية إلى زحمة الشباك معتبراً السبب أن الموظف سليم ولا يعرف معنى الإعاقة ولا حجمها «لذا فهو يستحق على الجهات المختصة أن توكل الإدارة إلى المعاقين أنفسهم ليقدروا ظروف الآخرين» كما قال. لكن ذلك الكلام من وجهة نظر مدير العلاقات بالصندوق أ/ عبدالعزيز الصبري غير منطقي خاصة إذا ما تولى المعاق إدارة دفة أمور الصندوق، لكنه قال: «لدينا موظفين من مختلف الإعاقات يفوقون ال5٪_ وهي النسبة التي حددها القانون».
النجار الذي كان ضحية لغم انفجر بين يديه فبتر يمناه، وفقأ مقلته، «كنت أحسبه لعبة وعمري آنذاك 9 سنوات تقريباً» قال ذلك ضاحكاً على لعبة صبي كادت تقضي عليه، هو الآن المسؤول المالي لجمعية الناجين من الألغام التي قال ان مهمتها تأهيل ورعاية ضحايا الألغام ودمجهم في المجتمع اجتماعياً واقتصادياً، حيث يتراوح عددهم ما بين 4500 و 5000 ضحية وبإعاقات متنوعة «بعضهم مبتورة يده وبعضهم يدين والبعض رجلين...الخ» قال ذلك بموجب آخر عملية حصرية لهم.
وتزامله كأمين عام للجمعية سبأ الجرادي -وكلاهما من الضالع- التي قالت أن الجمعية تأسست في 1/9/2004 نتيجة لارتفاع عدد الضحايا وحجم الاعاقات بسبب الألغام الفاشية في شريط المناطق الوسطى من أيام الجبهة بداية الثمانينيات. سبأ ذات الرجلين الصناعيتين، إذ فقدتهما أثناء «ما كنت عام 99 أجمع حطب حيث انفجر اللغم وبتر رجليَّ في اللحظة»، قالت ذلك وأضافت: «أنا اليوم أدرس في أول ثانوي واسكن في صنعاء عند خالي» وأضافت: «أبي طبعاً متوفي، ولكن هذه أمي» اشارت إليها حيث ترافقها، وإذ تتأبط ملف المعاملات، لكن سبأ تملك طموحاً انسانياً ذا خصوصية يميزها عن سواها من المعاقين. «أطمح إلى جمعية خاصة بالناجيات من الألغام» كما قالت بتفاؤل. ومع أنها تنحاز بشعورها نحو أبناء جنسها إلا أنها تتفق مع صلاح في أمنية العيد والتعبير عن الفرحة بقدومه.
«إذا كان المجتمع واعي ويقدر ظروف المعاق ولا يشعره بحجم الإعاقة، ويعامله كسليم فإن المعاق يشعر بالإرتياح ويفرح وإذا كان العكس يكون الأثر أيضاً عكسي».
تلك سبأ، أما عبدالرحمن الدبعي الطالب الجامعي في المستوى الثاني/ تجارة تعز -فإن العيد لديه يبدأ من ثالث أيام العيد حين يتجه إلى الجامعة ويبدأ اليوم إذ:«أقضي العيد داخل البيت ولا أخرج». قال ذلك وأضاف أن لديه 5 أشقاء معاقين أيضاً، حيث لا يرعاهم سوى ابيهم الذي يعمل حلاقاً في احد صوالين مدينة تعز، «ونحن نسكن في الراهدة».
عبدالرحمن الذي وجدناه يتكئ بجسمه النحيل جداً على عكازين ويحاول دخول صندوق الرعاية بعد انتهاء الدوام فور وصوله من تعز بحثاً عن «الشاحن الخاص بالعربية الكهربائية، حيث تعطل وأريد واحد بداله» كما يقول.
طموحان وتوضيح
«نفسي أتزوج في العيد ولكن ما اقدرش» قال عامر. لماذا؟ سألناه، فأجاب: «خاصة بالسليمين ومحرمة على المعاق الذي لا يستطيع لصعوبتها»، هكذا يعبر عامر أحمد النجري ذو العشرين عاماً والمصاب بشلل نصفي والذي جاء من عمران بصحبة عبدالإله قراصي حيث شعور آخر ونزهة له ولكن إلى «الزملاء والزميلات وزيارة الخطيبة» قالها عبدالإله بافتخار على عامر الذي لا خطيبة له ولا منتزه، بالإضافة إلى كونه خريج ثانوية والثاني ما زال في بدايتها. غير أن عامر يسبقه بطموح أكبر إذ يتجه صوب «أن أكون عالم كيمياء».
وأمام كل تلك الشكاوى يرد الصندوق من ناحيته وفيما يتعلق بالمبنى من خلال مدير العلاقات العامة في الصندوق عبد العزيز الصبري، بقوله: « لا يوجد في اليمن مبنى خاص للإيجار تستطيع أن تقول أنه للمعاقين» غير أنه استدرك بقوله: «نحن في صدد البحث عن مبنى جديد يلائم وضعية المعاق».
وبالنسبة للخدمات والرعاية قال الصبري: «إن عدد المعاقين في تزايد مستمر إذ يصل عددهم ما بين 100 إلى 200 حالة جديدة وعدد المعاقين بشكل عام وفقاً لإحصائية الأمم المتحدة بلغ 10٪_ بالنسبة لعدد السكان» كما يقول.
ورداً على شكاوى المعاقين من الزحام داخل المبنى قال: «ذلك طبيعي وفقاً لعدد المكلفين منهم للرعاية، حيث يصل عددهم إلى أكثر من100 ألف معاق من مختلف المحافظات. هذا العدد الهائل يؤدي إلى الزحام بالطبع».
وأضاف: «نحن نصرف مساعدة مالية رمضانية منذ بداية الشهر ومن الصعب إدخال اكثر من 100 شخص يومياً إلى داخل أروقة المقر». واعتبر مدير العلاقات أن الوقوف بغرض المعاملة من الشباك أمر طبيعي مثلهم مثل غيرهم.
وعن العيد القادم بعد أيام قال أن الصندوق يقوم بصرف مساعدات مالية لكل معاق يمتلك بطاقة الصندوق أو الجمعية من 2000 إلى 3000 ريال.
مشيراً إلى أنه «بالنسبة لمنتسبي الجمعيات بالذات أو الطلاب سيتم توزيع كسوة العيد للبعض».
هناك معاقون كثر ومن ضمنهم طلاب يشكون من سوء المعاملة، وتدني اللياقة لدى الموظف، وما من شأنه تمكين المعاق من الوصول إلى مراده دونما مضايقة أو نكد. لكن المعاق إنسان مرهف من شأن أي مسلك فظ حياله أو نظرة غير متعاطفة أو متفهمة، أن تولد لديه مشاعر الاضطهاد والغربة عن مجتمعه، على حد تعبير أحدهم.
أحدهم تمنى الزواج بصحفية.. وإكراميتهم 2000 ريال فقط!.. للمعاقين أيضاً عيدهم
2006-10-19