قصة قصيرة.. عشية الانتخابات - عبدالعزيز عباس
إهداء ومناشدة:
إلى الإخوة جنود وضباط وصف ضباط: عليكم أن تدافعوا عن كلمتكم، مبادئكم، خياراتكم، مستقبلكم.. لأن ذلك يعني دفاعاً عن أنفسكم وشعبكم والوطن الذي ننتمي جميعنا إليه... مع فائق تقديري ومحبتي...
اعتلى القائد -بهيبة ووقار- المنصة المنصوبة في مقدمة ساحة المعسكر، ووقف أمام جنود الكتيبة وضباطها وهم في استعداد عسكري.. الأضواء مسلطة عليهم من كل الجهات... تنحنح القائد وهو يجوس بعينيه العابستين أوجه الجنود كأنما يبحث عن شيءٍ ما، قال بصوت له رنين معدني:
- غداً سيكون يوم الفصل.. دعونا نريهم أن الديمقراطية التي يمضغونها كاللبان ليل نهار لا تساوي قيمة اللبان الذي بين أسنانهم، وأن ديمقراطيتنا التي نبتلعها كالعصيدة هي الفعل الناجع والصحيح، هي الدرس الذي توارثناه ونتوارثه، وسوف يتوارثه أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا، إنما هو تاريخنا ولن نقبل بغيره بديلا.. في مثل هذه اللحظة.. وهذا الوقت الآن.. يقف كل جنود البلاد بألويتها وأسلحتها وأقسامها وتخصصاتها، من الصواريخ إلى المدفعية إلى الدروع إلى المشاة... إلخ، كما تفعلون أنتم.. لنقم بتجربة حية استعدادا لمعركة صباح الغد المصيرية!!
حكّ خلف رأسه وهو ينظر إلى ساعته، ثم أشار إلى يمينه على المنصة، حيث ينتصب صندوقان أحدهما بلون أحمر وعليه رموز عديدة والآخر بلون أصفر وعليه صورة حيوان جامح، قائلاً مستطرداً:
- هذان الصندوقان هما المحك.. (ثم مبتسماً بسخرية) دعونا نتسلى.. ها.. ما رأيكم ؟
صاح الجميع بصوت واحد وهم يضربون أحذيتهم على الأرض:
- أفندم !!
فرك بيديه وفي عينيه تلمع تلك السخرية بوضوح مواصلاً:
- من يريد الاقتراع في الصندوق الأحمر فليقف إلى اليسار!
لم يتحرك أحد... أطلق ضحكة ساخرة طويلة قائلاً:
- أعرف ذلك.. الكل في مستوى التحدي... أفهم رعاكم الله يا جنود هذا الوطن المعطاء، أعرف أنكم ستتجهون إلى حيث هي مصالحكم ومصالحنا ومصالح الوطن الأبي...
فرك بيديه من جديد ثم صرخ بأعلى صوته مرعداً وقد ارتسم على وجهه الوقار والجدية وابتسامة ثقة واعتداد:
- ومن يريد الاقتراع في الصندوق الأصفر، صندوق الأمن... والأمان (كأنما يبحث عن الكلمات) والاستقرار.. والرفاهية.. والاستقرار.. وال.. وكل هذه الأشياء... فليقف إلى اليمين.
لم يتحرك أحد منهم.. ثوانٍ مضت.. شعر القائد برجفة خفيفة.. اختفت ابتسامته الواثقة والمعتدة وتلاشت عن وجهه أمارات الوقار والجدية وبرز سؤال حائر وجل وخائف:
- ما بالكم ؟ ليس هناك صندوق ثالث!
وفجأة اعتلاه الذعر والارتباك وصرخ بصوت هستيري مهدداً متوعداً:
- إياكم أن تفكروا كما يفكر الحمقى... إياكم أن تكسروا الأوامر! إياكم أن…!
تحرك الجميع، ضباطاً وجنوداً بهدوء كل إلى مكانه وقد تركوه وحيداً يرغي ويزبد ولم يجد أمامه سوى الصندوق الأحمر الذي صب عليه كل غضبه وثورته تهديماً وتكسيراً... ثم احتضن الصندوق الآخر وأجهش يبكي بحرقة ومرارة..
قصة قصيرة.. عشية الانتخابات - عبدالعزيز عباس
2006-08-30