شقيقته: أخي يموت كل يوم، والأدوية التي يستخدمها لا تحسن من حالته
الجماعي، الذي أُحرق في قسم الأحمر، يمر بوضع حرج فيما ترفض النيابة إرسال طبيب جنائي والأدلة الجنائية لم تكشف عن نوع المادة إلى الآن
يمر المحتجز فيصل الجماعي، 39 عاماً، بوضع صحي محرج، حيث يمضي شهره الثاني في قسم الجروح بالمستشفى الجمهوري صنعاء، منذ تعرض 50% من جسده للحريق داخل غرفة الاحتجاز في قسم شرطة الشهيد الأحمر. فيما ينتاب أسرته فزع شديد من "احتمال انتهائه القريب جراء الإهمال وانعدام العناية به من قبل الأطباء"، وفقاً لشقيقته التي تعمل محامية تحت التدريب.
في التاسعة مساء 5 يونيو المنصرم، استدعي الجماعي إلى قسم شرطة الشهيد الأحمر لاستكمال التحقيق معه في قضية انتهت بالصلح في 13 أبريل الماضي، بواسطة تحكيم القاضي علي الشوكاني، ووقع الطرفان على التنازل عن جميع الدعاوى والأروش.
وفي ال12 ليلاً، بعد 3 ساعات من استدعائه، أبلغت الأسرة بمكالمة هاتفية من قسم الشهيد الأحمر "أن فيصل الجماعي أحرق نفسه وقد تم نقله إلى المستشفى الجمهوري"، طبقاً لشقيقته. لم يثر البلاغ فضول الأسرة، فقد شككت في صحة البلاغ لمعرفتها اليقينية أن ابنها "غادر البيت برفقة أحد عناصر الأمن العاملين في قسم الأحمر"، ما يجعله في "مكان آمن لا يخشى عليه".
لم يكن البلاغ كاذباً، فقد أكده في اليوم التالي أحد أصدقاء الأسرة عندما نقل الخبر إلى مهدي الجماعي، شقيق فيصل. صعقت الأسرة بالخبر واتجهت صوب المستشفى الجمهوري قسم الحروق. لم تجده فهو يرقد في قسم المجارحة لمبرر عدم وجود أسرّة فارغة في قسم الحروق. لم تستطع أخته التعرف عليه إلا بواسطة أحد الممرضين في قسم المجارحة "ملامحه تغيرت تماما وفجعت أن يغادرنا إلى الأبد". وتضيف: لم نكن نتخيل أن حروقه بتلك الفظاعة.
كيف حصلت الحادثة؟ بحسب رواية فيصل لشقيقته، فإن الضابط المستلم أودعه غرفة خاصة في القسم. كان فيصل يطالب بإيداعه مع المحتجزين الآخرين، لكن الضابط وعده "بمعاملة من نوع خاص، وأنهم يريدون أن يضيفوه". بعد ساعتين من احتجازه، كان عليه أن يخرج إلى الحمام، لكن ضوابط الشاوش المرابط في الباب الحديدي المفتوح من أعلاه، لم تسمح بذلك، وعوضاً عن الحمام زوّده الشاوش بعلبة مياه معدنية ليتبول فيها. وتواصل المحامية سرد قصة أخيها: وقف الجماعي واستدار إلى الجهة الأخرى وسلم ظهره إلى الشاوش ليتبول. وكلمح البصر شعر الجماعي بمادة حارقة على جسده، وكان يصرخ بأعلى صوته، لكن الشاوش قال إن المفاتيح ليست بحوزته. وبعد ساعة تم نقله إلى المستشفى.
وتوضح شقيقته لدى زيارتها مكتب الصحيفة: ما أسعفوه إلا بعدما نضج جسمه وخمد بالمادة الحارقة. وبحسب تقرير طبي من المستشفى الجمهوري فقد بلغت نسبة الحروق في جسده 55% من مساحة سطح الجسم الكلية من الدرجة الثانية إلى الثامنة في الوجه والرأس والرقبة والأطراف العلوية من الجزء الأمامي والخلفي من الجذع". وسجل هذا التقرير في 6 يونيو 2010.
توزعت الأسرة المهام؛ فجزء منها بقي بجانب فيصل للاهتمام به، والقسم الثاني لمتابعة الحادثة الغامضة التي لم تتضح معالمها حتى الآن. لكن القسمين لم يحصلوا على حل للمهمة التي تكفلوا بمتابعتها، فحالته الصحية تزداد سوءاً، وملابسات الحادث لم تكشف حتى اللحظة، حتى المادة التي تسببت بإحراقه.
يقول مسؤولو قسم الشهيد الأحمر لأسرته إن فيصل أحرق نفسه داخل غرفة الاحتجاز بسبب مروره بمشاكل أسرية. لكن شقيقته ردت عليهم: أنتم من يتحمل المسؤولية في كل الأحوال، لكن المادة التي أحرق بها ليست ولاعة.
وفيما تتهم الأسرة القسم بالقيام بالعملية، تشكو من مماطلة الجهات الرسمية المسؤولة عن التحقيقات: "عشان المتهم هي الدولة -تقصد قسم شرطة الأحمر- ما أحد يقدر لها أو يحاسبها أو يحقق معها".
تواجه الأسرة خذلاناً ومماطلة من الجهات المعنية، فمنذ توجيه وكيل نيابة شمال الأمانة إلى مدير عام النيابات بمكتب النائب العام، بتكليف طبيب شرعي للانتقال إلى المستشفى لفحص فيصل الجماعي لتحديد مدى الإصابات وسببها والمادة التي استخدمت أو نجم عنها الحريق، في 9 يونيو الماضي، "لم يتم نزول أي طبيب شرعي"، طبقاً لشقيقته.
المحامي عمار الشامي، عن منظمة هود، قال إن قسم الطب الشرعي في النيابة العامة رفض إيفاد طبيب، مبرراً أن صاحب الاختصاص في ذلك هو الطبيب المعالج أو الذي وصلت إليه الحالة، وقد اعتبره المحامي عبدالرحمن برمان "رداً غير قانوني، وأن من واجبات الطبيب الشرعي معاينة الحالات التي فيها شبهة جنائية".
وحتى الآن لم تكشف الأدلة الجنائية عن نتيجة الفحص للمادة التي استخدم فيها الحريق، رغم أن "النيابة بعثت لهم بالجاكيت لون أزرق وعليه آثار حريق، ليتم فحص المادة المستخدمة في الحريق"، فيما تحفظت على "الشال الرمادي الغامق ولم ترسله للمعمل الجنائي". وقد ورد ذكر الشال في "محضر ضبط وقيد الأشياء المتعلقة بالقضية الجزائية" لدى وصوله المستشفى. وتتهم الأسرة "أنه تم إخفاء الشال الذي عليه المادة بكثرة حتى إننا لم نلقاه وأعتقد أنه أخذ"، طبقاً لشقيقة فيصل الجماعي.
وكانت منظمة هود لحقوق الإنسان، وهي التي تتابع القضية، أفادت في بلاغ صحفي لها قبل أسبوعين، تصريح مصادر طبية "أن فيصل الجماعي خضع الخميس الماضي لعملية تقشير جلد خطرة، وأن حالته الصحية حرجة، خاصة مع استمرار مناطق متعددة من جسده بالنزيف".
وقد وجد فريق من المنظمة زار المصاب في السابع من الشهر الماضي، "أنه وجده في الطابق الخامس من المستشفى بدون رعاية صحية، وأنه كان يلبس ملابس عادية وليس على حروقه أي أثر للرعاية الطبية"، مؤكداً (الفريق) أنه "طلب من إدارة المستشفى نقله إلى قسم الحروق ومعاملته بما تقتضيه أخلاق البشر".
"أشتي يعالجوا أخي"، طالبت عبر "النداء" بنقل أخيها إلى مستشفى أكثر عناية أو إلى الخارج لتلقي العلاج، فحالته "تزداد سوءاً".
وقد لخصت الحالة الصحية لشقيقها بالقول: أخي يموت كل يوم. وأضافت: والأدوية التي يعطونه لم تحسن من حالته، فهو يعاني أشد العناء.
ونقل البلاغ الصحفي لمنظمة هود، تصريحاً للمحامي عمار الشامي عن المنظمة "إن التحقيقات جارية لمعرفة تفاصيل ما حدث".
وكانت أسرة فيصل الجماعي تقدمت ببلاغ للنيابة العامة بالواقعة، غير أنها أحالتها لجهة الاختصاص في القضايا العادية، بينما أحالها رئيس نيابة شمال الأمانة إلى قسم الشرطة، وهو أمر اعتبرته "هود" مخالفاً للقانون، وتقدمت بشكوى إلى النائب العام بحق النيابة المناوبة ونيابة شمال الأمانة.
شقيقته: أخي يموت كل يوم، والأدوية التي يستخدمها لا تحسن من حالته
2010-07-06