رياح السلام تهب على اليمن، وبالأخص منذ الاتفاق السعودي – الإيراني في الصين، وبدء عودة العلاقات بين البلدين الجارين، والقوتين الإقليميتين.
لا شك أن لحالة التعافي في المنطقة العربية، وعودة العلاقات مع سوريا، وتطبيع العلاقات بين دول المنطقة، والتحولات الكونية أثرًا بالغًا في إقرار السلام المرحب به طبعًا.
لقاء صنعاء بين أنصار الله الحوثيين، والعربية السعودية، بوساطة عمانية، مؤشر مهم، كما أن تبادل الأسرى المتسارع خطوةٌ مهمة لتعزيز الثقة، وعائدها على الأسر المكلومة، وعلى المزاج الشعبي كبير.
والسؤال: هل يتم تبادل الأسرى على قاعدة الكل مقابل الكل؟ وهل يشتمل التبادل المعتقلين السياسيين على كثرتهم، والمختطفين والمختفين قسريًّا بما فيهم قحطان، والدكتور مصطفى المتوكل، وأيوب الصالحي، وأكرم حميد، والأربعة الصحفيين المحكومين بالإعدام في صنعاء.
بالتأكيد هناك عشرات ومئات من المعتقلين السياسيين، والمختطفين والمختفين قسريًّا لا نعرف عنهم شيئًا؛ فتعقيدات الحرب ومآسيها كثيرة وكبيرة، ولا يمكن معالجتها كلها في لقاء، ولا بد من استمرار التفاوض.
إصرار أنصار الله الحوثيين على اعتبار العربية السعودية فاعلاً أساسيًّا في الحرب كطرف، وليس كوسيط واقعي، كما أن المطالبة بخروج كل القوات الأجنبية من الأرض اليمنية كلها، بما فيها الجزر والموانئ، مطلب وطني، فبقاء الوجود الأجنبي يعني استمرار الحرب.
كون العربية السعودية طرفًا أصيلًا في الحرب لا يعني تغييب الطرف اليمني، أو أطراف الشرعية، والانتقالي، فهؤلاء أطراف أساسيون في مشكلة ومأساة الحرب، وجزء أساس في الحل.
فك الحصار الخارجي والداخلي، وصرف المرتبات، وحل قضايا العملة، وعودة المشردين إلى مناطقهم، وإخراج اليمن من تحت الفصل السابع، ورفع الوصاية الدولية تأتي في المقدمة.
كيمنيين يهمنا بالدرجة الأولى وقف الحرب بأبعادها الثلاثة: الأهلية، والإقليمية، والدولية، وأن يعم السلام الأرض اليمنية كلها، وندرك أن التصالح الإقليمي بين العربية السعودية وإيران يخص دولتيهما، وله أثر بالغ على أوضاعنا في اليمن التي تحولت خلال الثمانية أعوام إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، في ظل الرفض الشعبي للحرب.
أطراف الصراع الإقليمي المتصالح تتحمل مسؤولية العمل على دفع الأطراف المختلفة نحو السلام، والتشجيع على القبول بالحل السياسي، والأهم اعتراف بوجود مشكلة أو بالأحرى مشاكل بين الشمال والجنوب، وبين الشمال والشمال، والجنوب والجنوب.
الأخطر أن الصراع الوطني قد اشتبك بالصراع الإقليمي والدولي، فالحرب في اليمن معقدة ومتداخلة، والعوامل الداخلية أصبحت مع طول أمد الحرب لأكثر من ثمانية أعوام معقدة، ومع تعدد أطراف الصراع في المستويات الثلاثة تعقدت الأمور أكثر.
مفهوم رفض أنصار الله الحوثيين قبول السعودية كوسيط للتهرب من دفع ثمن دورها الأساس في ما لحق باليمن من قتلى، وتخريب البنية التحتية، وتشريد الملايين، وو… إلخ.
كل هذا مفهوم، ولكن للسعودية – شأن الأطراف الأخرى – دورًا يتجلى في رفع الحصار الشامل، وإخراج اليمن من تحت الفصل السابع، وتشجيع الأطراف الداخلية على حل سياسي توافقي.
في الحروب الأهلية لا يكون طرف – أي طرف – منتصرًا؛ لأنه قتال أبناء شعب واحد، والانتصار الحقيقي في اليمن يتمثل في فشل كل الأطراف في الحسم العسكري، وعجز التحالف العربي والدولي عن احتلال اليمن واستباحتها رغم الدمار، والتفكيك، وتمزيق النسيج المجتمعي، الأهداف الحقيقية للحرب.
رغبة الطرف الإقليمي في حل مشاكله، والتصالح، ينبغي أن يكون فرصة لنا نحن ضحايا هذا الصراع بأن نعمل على حل المشاكل اليمنية، أساس الحرب، فحرب 1994 ألغت الوحدة السلمية، وفتحت الأبواب أمام الحروب المتسلسلة والمتناسلة حتى اليوم، وألغت مشاركة الجنوب، وألغت كيانه وتجربة الاستقلال المهمة.
لا ينبغي الخلط بين التدخل الأجنبي، والانتصار في الحرب الأهلية، فهناك طرف، بل أطراف يمنية لا يمكن حل القضية اليمنية بدون الاعتراف بها، وقبول التحاور معها، بل والتصالح والتشارك الوطني والمجتمعي معها، وينبغي تجنب الوقوع في وهم الانتصار الكلي عليها، فالانتصار الحقيقي هو انقشاع غمة الصراع الإقليمي والدولي عن اليمن، وظهور مؤشرات السلام، وفي المقدمة تبادل الأسرى: الكل مقابل الكل.
المنتصر الحقيقي هو السلام، كما أن الشعب اليمني الرافض للحرب، والمجرم لوقائعها ونتائجها الكارثية هو المنتصر.
غُيّبت الإرادة الوطنية في الحرب، وأُقصِي المجتمع المدني، وهُمّشت الأحزاب السياسية المدنية والمجتمع الأهلي.
إطالة أمد التفاوض هو الوجه الآخر لإطالة أمد الحرب، كما أن احتمالات تسويد حالة اللا حرب، واللا سلم يعني استمرار التهديد بالعودة لها، ويعني أيضًا عدم معالجة مترتبات الحرب، ونتائجها الكارثية، حيث إن أكثر من 80% تحت خطر الفقر، والقتلى أكثر من نصف مليون، والمشردين داخل وطنهم أكثر من ثلاثة ملايين، وموتى الأوبئة يسابقون القتلى.
دُمِّر الكيان الوطني، وتسيدت المليشيات، وانتشر العنف والنهب، وفُرِض الحصار الشامل على البلاد، وهربت ونهبت أموال المواطنين، وساد خطاب لا علاقة له بالوطنية، ولا بمعاناة الناس، وهموم الشعب.
كل الاحتمالات الخطرة، والنوايا الشريرة حاضرة، وليس من بديل غير تقوية الإرادة الوطنية، ودعوة المجتمعين: المدني، والأهلي، والأحزاب المهمشة، والشخصيات العامة للنهوض، وإسقاط حاجز الخوف، والسعي عبر الوسائل السلمية والديمقراطية لإعلاء صوت السلام، وتجريم الحرب، وإدانة دعاتها والمستفيدين منها، والسعي الدائب للتصالح المجتمعي والوطني، والخلاص من خطاب التكفير والتخوين، ونعرات ما قبل عصر الوطنية والدولة.