صنعاء 19C امطار خفيفة

الإصلاح.. الهدف المشترك لكل من ساهم في اسقاط صنعاء وانهيار اليمن..!!

في 8 يوليو 2014، وتحديداً بعد إعلان الحوثيين سيطرتهم على عمران وقتلهم اللواء حميد القشيبي في نفس اليوم؛ غادر الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الرياض للقاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في زيارة قصيرة استمرت عدة ساعات فقط، بدت في ظاهرها بروتوكولية لطلب دعم اقتصادي مهم لتلك المرحلة، لكنها في الحقيقة زيارة مفصلية مهمة جداً، بل تمثل واحدة من أخطر محطات التحوّل في تعاطي السعودية مع الملف اليمني، وتحديداً مع حلفائها الإسلاميين، وحزب الإصلاح على وجهٍ أدق، وتم الاتفاق النهائي مع هادي على سيناريو التعامل مع هذا الحزب الذي اعتبروه الامتداد الطبيعي لجماعة الاخوان المسلمين التي انتهت في مهدها الأول مصر، ولابد من إنهاء كافة أذرعتها في المنطقة..!!

 
 كانت الرياض (ومعها أبوظبي) قد خرجتا للتو من معركتهما الكبرى مع جماعة الإخوان في مصر، والتي انتهت بالإطاحة بهم وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئاسة الجمهورية وفقاً للدستور المصري، ومع لحظة النشوة تلك، بدأت تتشكل مقاربة خليجية جديدة تستهدف الإسلام السياسي الطامح في دول المنطقة، وتعيد النظر في التحالفات الدائمة، وان يكون معيار المصالح الدائمة لا الولاء المؤقت؛ هو المتحكم في العلاقات المستقبلية مع الكيانات السياسية والدول على حد سواء..
 
 في الداخل، كانت ملامح الانهيار تتكثف بسرعة، حيث أنهى الحوثيون للتو حربهم في عمران بعد إسقاط اللواء 310 ومقتل اللواء حميد القشيبي رحمه الله، فيما كانت العاصمة صنعاء محاطة ببراميل البارود واتساع نفوذ الحوثيين الذي قابله ضعف شديد لحكومة الوفاق الوطني، وتآكل متسارع في شرعية الرئيس هادي، الذي بدا عاجز عن الإمساك بزمام المرحلة الانتقالية منذ اليوم الأول له، ولذلك تحالف مع السعودية للتخلص ممن كان يخشاهم، ويرى ألا مستقبل له بوجودهم، أهمهم صالح والإصلاح..!!.
 
 حزب الإصلاح، القوة السياسية والعسكرية الأكبر في المشهد اليمني بعد 2011، وجد نفسه محاصر من جهات عدة، القوى السياسية التي بدأت تضيق به وبتصرفاته الإقصائية ضدهم، والرفض الشعبي الذي يتزايد يومياً لممارساته في الوظيفة العامة واستئثاره بنصيب الأسد من المناصب القيادية في مفاصل الدولة كما يقول خصومه، وعِداء إماراتي معلن، وتململ سعودي خفي بدأ يطفو على السطح، ويشي بتغيّر أولوياته من الدعم الذي استمر يحظى به لعقود، إلى تحييده من الحياة السياسية وإقصائه من قيادة المرحلة او أي دور محوري مستقبلاِ..!!
 
 لسنوات طويلة، كان حزب الإصلاح الحليف الأكثر قرباً من السعودية في اليمن، لاسيما في حياة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رحمه الله الذي كانت تربطه علاقات كبيرة وقديمة بالقيادة السعودية، ثم بدأت تفتر وتذبل بعد وفاته، ومرت تلك العلاقات بمحطات كثيرة مابين الشد والجذب، أشدها 2011 عندما تولت السعودية انقاذ الرئيس علي عبدالله صالح من محاولة اغتياله بجامع النهدين، وصولاً إلى صيف 2013، مع بدء التحولات الإقليمية في مصر، حيث بدأت الرياض في إعادة تعريف علاقتها بالإصلاح كفصيل من جماعة الاخوان المسلمين.. 
 
 أدركت المملكة أن تمكين الإخوان في اليمن ممثلا بالإصلاح، كما حدث في مصر وتونس، قد يعني صعود سياسي غير محسوب، وقد لايمكن ضبطه لاحقاً، وبدأت تبحث عن توازن جديد يهمّش الإسلاميين من دون أن يُظهر عداء مباشر لهم.
في هذا السياق، جاء التمدد الحوثي كأداة مثالية لإنهاك الطرفين (فخار يكسر بعضه)، وكان السيناريو المرسوم هو دفع الإصلاح لمواجهة الحوثي منفرداً دون غطاء حقيقي من القوات المسلحة اليمنية التي حددت خياراتها منذ حصار دماج بصعدة، ومعسكر القشيبي 310 بعمران، حين أعلنت الحياد لأن الحرب بين فصيلين (الاول السلفيين في دماج، والقشيبي حسبوه على الإصلاح وال الاحمر) وليس مع الدولة، وترك الحوثي يتقدم بما يكفي لإعادة رسم المشهد، لابما يسمح له بالسيطرة الكاملة، ويمكن العودة لحديث القيادي الإصلاحي صلاح باتيس في البودكاست الذي حكى تفاصيل ليلة السقوط ولقائه بهادي بعد رفض وزير الدفاع اعلان النفير العام (رسمياً) بمبرر (لو اعطيناكم شرعية ستدقون الحوثي ثم ترجعوا تدقونا) يقصد الإصلاحيين..!! 
 
 حين بلغ الحوثي تخوم صنعاء، ذهب اللواء علي محسن الأحمر بتوجيهات من رئيس الجمهورية (ضمن السيناريو) لإعادة تموضعه في قيادة الفرقة الأولى مدرع لمواجهة الحوثيين، لكنه فوجئ باختفاء السلاح الثقيل، وغياب أي إمكانية للصمود أمام الجماعة التي سيطرت على اللواء 310 بعدته وعتاده، عندها قرر الانسحاب، وتوجه مباشرة إلى السفارة السعودية طلباً للجوء، وحينها أصدر حزب الإصلاح بيانه الشهير (لسنا الدولة)، كنقطة النهاية لدوره في الدفاع عن العاصمة صنعاء، وبداية خروجه من المشهد السياسي داخل اليمن، وهو البيان الذي فاجأ أنصاره المتحمسين لخوض المعركة، وقلب الطاولة على الجميع، وأفشل المخطط الذي سيأتي ذكره لاحقاً..!!
 
 هناك من يطرح سؤال مفصلي في تلك المرحلة الاستثنائية من حياة اليمن واليمنيين، وهو هل دعمت السعودية الحوثيين في سيطرتهم على صنعاء وإسقاط الدولة ام لا..؟
شخصيأً أعتقد أنها دعمتهم بطريقة غير مباشرة كخيار استراتيجي ضمن أجندتها الإقليمية، بل انها استخدمت (عبر أداتها هادي) خروجهم من صعدة، وتمددهم باتجاه صنعاء (دون اعتراض او مقاومة) كأداة ظرفية مؤقتة لإضعاف الإصلاحيين الذين كانوا القوة المسيطرة على مؤسسات الدولة ونظام مابعد 2011، وكانت تراهن على أن الحوثيين أمام خيارين، إما انهم سيتوقفون عند حدود معينة، أو سيدخلون في صِدام طويل الأمد وحرب استنزافية للطرفين (الإصلاح والحوثيين) على مشارف صنعاء، لكن الرهان السعودي فشل بعد قرار الإصلاح الانسحاب من المشهد وعدم المواجهة، الأمر الذي أغرى الحوثيين بالسيطرة على صنعاء واستغلال ضعف هادي لإسقاط الدولة برمتها، وفتحوا الباب أمام نفوذ إيراني غير مسبوق في الخاصرة الجنوبية للمملكة، ما اضطر الرياض لإطلاق عاصفة الحزم ليلة 26 مارس 2015.
 
 نعود إلى زيارة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الرياض التي ذكرناها بداية المقال، والتي كانت قبيل اقتحام الحوثيين لصنعاء بشهرين، وفي نفس اليوم التي أعلن فيها الحوثيين قتل القشيبي والسيطرة على عمران واللواء 310؛ حيث كانت لوضع اللمسات الأخيرة على المخطط الذي ترعاه السعودية وتموله منذ البداية، وينفذه هادي ووزير دفاعه والحوثيين على الأرض، وتم تصويرها آنذاك في الإعلام الرسمي اليمني انها لطلب دعم مالي عاجل لمواجهة الاضطرابات التي نشأت آنذاك جراء رفع الدعم عن المشتقات النفطية..
كانت تلك الزيارة بمثابة (مذكرة طلاق غير معلنة) بين الرياض وحزب الإصلاح الذي كان الهدف الرئيسي لتحرك الحوثيين من صعدة ودخولهم صنعاء، تُرك بعدها الطرفان لمواجهة مصيرهما، الحوثي يُكمل تقدمه نحو صنعاء بعد سيطرته على عمران واللواء 310 ومقتل القشيبي رحمه الله، والإصلاح يستعد (كعادته الجهاديـة) للمواجهة والحفاظ على صنعاء والدفاع عن الدولة، وفعلاً كان الإصلاح جاهز تماما للمواجهة وهذه معلومة مؤكدة وليست تحليل، لولا انسحاب اللواء علي محسن من المشهد..!! 
 
 بعد سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014، بدأت قيادات الصف الأول في الإصلاح بالتسرب من صنعاء نحو عدن ومأرب ومنهم من غادر نحو الرياض طلباً للحياة من موت محقق كان ينتظرهم او الاعتقال في احسن الأحوال على يد خصومهم (حلفاء صنعاء)، ليدخلوا جميعا كقيادة لأكبر حزب سياسي خرج من اليمن آنذاك؛ مرحلة الاحتواء الناعم من قبل السعودية، التي فرضت عليهم شروطها وقيودها الصارمة، ومنعتهم من التحرك السياسي الحر، وبقوا تحت الإقامة الهادئة، والمراقبة الصارمة، وقصة هروب الشيخ الزنداني رحمه الله من الرياض معروفة.. 
 
 بطبيعة الحال تم منع قيادات الإصلاح من ممارسة أي نشاط سياسي، أو إعلامي او عمل التكتلات التنظيمية، أو المشاركة في قرار الحرب وغرفة العمليات الخاصة إلا مايسمح به ومايريده السعوديين وليس مايريدونه هم، وتم إبقاء تلك الفيادات حتى اليوم في دائرة الاحتواء لا التمكين، وتحجيم الحزب في الحكومة وصنع القرار، وتجميد امتداده الميداني، وإفقاده التمويل، ومنع تحالفه مع أي قوى أخرى لتشكيل قوة سياسية حقيقية، إذ لم يكن الهدف اجتثاثه تماماً، بل ضمان بقائه ضعيف وتحت السيطرة والخدمة أيضا، نظرا لحجمهم الجماهيري في الداخل، وهكذا بقي حزب الإصلاح معلق في الهواء، لايستطيع مغادرة الرياض ولا العودة إلى صنعاء، ولا يمكنه الانخراط في معركة دون توجيه، أي انه أصبح ورقة مؤجلة وبندق معلق، لا أكثر، أما السعودية فقد كان رهانها على الحوثيين مقامرة إقليمية غير محسوبة، خسر فيها الجميع، الإصلاح خسر المكانة السياسية والجماهيرية، وهادي خسر الرئاسة، والرياض خسرت صنعاء، واليمنيون خسروا وطن آمن ودولة مستقرة.
 
 أخيراً هناك عوامل كثيرة وشخصيات أكثر ساهمت في سقوط صنعاء وانهيار الدولة، ليس أولهم هادي ولا آخرهم صالح، لكني فقط ركزتُ على حزب الإصلاح كهدف رئيس لجميع المشاركين في ذلك السقوط الذي لازلنا ندفع ثمنه من دمائنا ودموعنا وأموالنا وأطفالنا لأكثر من عشر سنوات عجاف، السعودية والإمارات والحوثيين وهادي وصالح وتحتهم الكثير من السياسيين والعسكريين ومشائخ القبائل الذين عملوا معهم واستلموا منهم للتخلص من الإصلاح، وكلّ منهم له مبرره الذي يستند إليه ويعمل من أجله..

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً