وصلتني عدد من الرسائل عبر واتساب محملة بمنشور الصديق العزيز سامي غالب، حول حادثة اغلاق صحيفته "النداء" عام 2004م.
المنشور إياه عاد بي الى ما يقرب من عشرين عاما، وهي مسافة زمنية طويلة نسبيا لكني ما أزال احتفظ بالكثير من تفاصيل هذه القضية، ولدي من المرويات والمعلومات، ما يسعفني للوقوف على بعض وقائعها بكل انتباه..
والحاصل أنني حضرت مقيلنا السياسي المعتاد في بيت الاخ العزيز علي سيف حسن رئيس منتدى التنمية السياسية بحضور عدد من الاصدقاء الدوليين، وخبراء المعهد الديمقراطي الأمريكي العامل في اليمن، ومنظمة فريدريش ايبرت، وعدد من الصحفيين والباحثين الدوليين أيضا، اضافة الى بعض الاصدقاء وقادة الاحزاب والشخصيات.
في هذا المقيل تحدث احد الحضور - وهو بالمناسبة شخص لا اعرفه، بدون اي مقدمات، وخارج اطار موضوع المقيل السياسي - يتهم حزب الاصلاح بأنه كان وراء اغلاق صحيفة "النداء"!! ما دفعني للرد عليه نافيا هذه التهمة عن حزب الإصلاح، معتبرا الحديث عن هكذا موضوع دون دليل لا يعدو كونه تحريضا وتحريشا بالاصلاح لدى الاصدقاء الدوليين، إضافة الى زرع الشكوك بين احزاب اللقاء المشترك!
في اليوم التالي من المقيل تحدثت مع الأخ محمد قحطان "فك الله قيده" حول ما ورد في مقيل الاخ علي سيف اليوم الاول وما انطوى عليه من كيد للتجربة السياسية ورغبة في التحريض على الاصلاح، فرد علي بقوله: المهم الان هو كيف نسعى لا عادة الصحيفة، وكيف نقف معها وندعمها!.. وقال لي بان الاخ سامي غالب رجل يستحق الدعم والاسناد، مشيدا بعقليته ونباهته وتوازنه، ثم طلب مني التحدث مع الاستاذ اليدومي بضرورة مساعدتنا في اعادة الصحيفة ودعمها ماديا ومعنويا.
تحركت في اليوم الثاني الى مقر الأمانة العامة لحزب الإصلاح لمقابلة الأستاذ اليدومي فوجدت الأخ محمد قحطان قد سبقني هو والاخ الفقيد حميد شحرة رحمه الله إلى هناك، وكانوا قد قطعوا شوطا في الحديث حول الموضوع، لاسيما في تلك الفترة التي كان فيها الإصلاح في ذروة نضاله السلمي لاستعادة الحقوق والحريات ضمن احتشاد واسع لتكتل اللقاء المشترك والمنظمات المدنية والحقوقية والنقابية ومؤسسات الصحافة والاعلام، وهو ما يعني بان الإصلاح كان في اطار ذلك المسار النضالي متضررا من اغلاق الصحيفة.
كما ان مجمل الإصلاحيين من دعاة النضال السلمي كانوا ينظرون الى ان الصحيفة تشكل إضافة مهمة في مجال الحريات، في حين كانت قيادات في الإصلاح تنظر الى أهمية استعادة الصحيفة من زاوية المكاسب الحزبية، ولبعضهم أيضا نظرة أخرى كل بحسب زاويته، وكلها في المحصلة تشكل حالة إجماع على أهمية عودة الصحيفة، على النحو الذي ينفي أي إمكانية في ان يتقدم الحزب بطلب الى رئيس الجمهورية باغلاق الصحيفة، فضلا عن ان علاقة الرئيس صالح بالإصلاح حينها وبالإستاذ اليدومي لم تكن على مايرام في اطار ذلك الحراك النضالي! وهو وضع يختلف كليا عن مرحلة الثمانينات!!.
وعليه فقد خلص لقاؤنا بالأستاذ اليدومي إلى السعي لإطلاق الصحيفة مبديا استعداده لدعمها..
وبالنظر الى الظرف الذي صدرت فيه الصحيفة وتزامنها مع الحرب الاولى في صعدة ، يبدو لي ان الاجهزة الامنية تعاملت مع الصحيفة باعتبارها احد الروافع الاعلامية للحوثيين حينها، وبموجب ذلك تم اغلاق الصحيفة وسحب التصريح، غير أني لا اتذكر هل كان امر الاغلاق كان بموجب اتصال من الرئيس صالح الى وزير الاعلام؛ ام ان الجهات الامنية هي التي اطلقت اشارة امنية تم بموجبها اغلاق الصحيفة!.. وأرجح ان الثانية هي الأقرب كون الجيش والامن والمخابرات في حالة حرب في صعدة وبفعل هذه الاجواء يكون الصوت الامني هو الغالب وذو صلاحيات مطلقة ولا يحتاج العودة الى الرئيس.
ويبدو أن الجهات الأمنية التي أغلقت الصحيفة هي نفسها الجهات التي سحبت اشارتها الأمنية ومن ثم اصبح المجال مفتوحا لعودة الصحيفة.
كما لا استبعد أن تحرك الأخ قحطان ومساعيه ومتابعاته هي التي أوصلت الى هذه النتيجة بعد ان اتضح للجهات الأمنية خطأ تقديرها، وبالتالي لم يعد لديها مانع من عودة الصحيفة مقابل عدم البحث عن أسباب ايقافها..
الخلاصة في هذا الوضع بانني كنت قد علمت مبكرا بان القيود التي كانت تحول دون عودة الصحيفة قد زالت، ولكنني لم اتحدث مع أي احد بما في ذلك الأخ سامي نفسه، الذي بدون شك كان يتابع امر صحيفته بكل التفاصيل.
اما بالنسبة للأستاذ اليدومي فقد قابلته في تلك الفترة واخبرته بان الصحيفة في طريقها للعودة، فسر لذلك، وسألني: هل صدرت أوامر من الرئيس بعودتها؟ فقلت له: ربما لم يكن الرئيس وراء إغلاقها، فلعل الجهات الأمنية هي التي سحبت اشارتها، وبالتالي وافقت على عودة الصحيفة دون البحث عن أسباب اغلاقها، ولعل هناك مساع بذلت للوصول الى هذه النتيجة.
فقال لي ابلغ تحياتي للاخ سامي ومباركتي له بعودة صحيفته، واعتذاري له عن أي تقصير، وأبلغه بان يستفيد من عودة الصحيفة وينشغل بإصدارها ولا داعي للبحث عن أسباب اغلاقها، واشعره بانني معه على الدوام ومستعد لدعم الصحيفة بالمستطاع، فقلت له لا اظن بان الرجل يبحث عن دعم مالي ولا يمكن ان يقبل ذلك حتى لا يؤثر هذا الدعم على توجه صحيفته ولكن بالإمكان مساعدته في توجيه بعض المعلنين التجاريين اليه، وعلى الفور توجهت الى الأخ سامي ونقلت له هذه الرسالة بحذافيرها.
* نشره في 24 يونيو 2022