اعتذار متأخر - محمد الغباري
إلى ما قبل المؤتمر الثالث لنقابة الصحفيين كانت الأسرة الصحفية تدافع عن نفسها في مواجهة القمع الحكومي المتواصل لأنها كانت تعلم أن غالبية كبيرة من أعضاء مجلس النقابة حينها هم من المحسوبين على الحكومة وليس لهم القدرة على اعتراض رغبات السلطان أو الدفاع عن زملائهم.
ومع ظهور نتائج المؤتمر وصعود عدد من المصنفين كمدافعين عن الحريات ركن الكثيرون إلى أن هذه التشكيلة ستكون مأمونة على حقوق الصحفيين وحريتهم، ورغم الخلافات التي عصفت بالمجلس عقب ذلك مباشرة فقد خاض هؤلاء معارك مشرفة في الدفاع عن الصحافة والصحافيين حتى وصل الأمر حد تهديد السلطة بشق النقابة وإرغام المحسوبين عليها على الاستقالة من عضوية المجلس.
ومع اختيار الزميل نصر طه مصطفى نقيباً للصحفيين خلفاً للزميل محبوب علي، الذي استقال قبل نحو عام ونصف، اختلطت المخاوف بالآمال: المخاوف من أن يؤدي وجوده على رأس النقابة إلى تدجينها استناداً إلى دماثة أخلاقه ومرونته، بحكم صلاته الوثيقة بشخص رئيس الجمهورية، أو بوجوده على قمة وكالة الأنباء الرسمية لأن ذلك يفرض عليه التزامات قد لا تتفق وطبيعة العمل النقابي وخصوصاً في نقابة معنية بالدفاع عن حرية الكلمة.
في مقابل ذلك كانت هناك رؤية مغايرة، وكنت أحد مؤيديها –ليغفر الله لي- تفترض أن وجود شخص مقرب من موقع القرار وبتلك الصفات يمكنه أن يساهم في خدمة الصحفيين وانتزاع جزء بسيط من حقوقهم غير المعترف بها.
واليوم وقد تردت أوضاع نقابة الصحافيين إلى الحد الذي باتت فيه عاجزة عن إنجاز مشروع تعديلات على نظامها الداخلي أو إعداد مشروع قانون بناءً على الملاحظات التي أعدتها منظمات محلية ودولية. ووجد من يتطوع للحديث باسم الصحفيين ونقابتهم ويتواصل مع الجهات الدولية ويعد مشاريع قوانين باسمهم وباسم نقابتهم...
بات من الواجب علينا إعادة النظر في حالنا المأساوي. فبعد مرور نحو عام على انتخاب النقيب تبخرت وعود الرئيس بشراء مبنى للنقابة وبات علينا أن نقبل بتوجيه رئاسي إلى شركة صوفان لبناء بيت في مدينتها يكون منفى لا مقراً للصحافيين.
الآن الصحفيون هم الوحيدون الذين لا تعترف الخدمة المدنية بتوصيفهم الوظيفي، وهم ملزمون طبقاً لتصريح نقيبهم أن يقبلوا بإغلاق المواقع الالكترونية، وتقييد حق الحصول على المعلومات عبر شبكة الهاتف المحمول، لأنه حتى وإن لم يكن هناك نص قانوني يعطي السلطة ذلك الحق فإن مقتضيات "الوعظ" تفرض عليهم النزول عند رغبة وزير إعلام يعيش في القرن الثامن عشر، ويظن أن بمقدوره المنح والمنع.
الآن أحسَب أنه بات على الصديق نصر أن يعيد النقابة لأعضائها بعد أن عجز عن تحقيق شيء، وأظن كذلك أن على الزملاء الذين وثقنا بهم أن يستقيلوا أسوة بما فعله الزميل علي الجرادي لأن ذلك أشرف لهم من الاستمرار في موقع لم يقدموا من خلاله أي شيء لمن انتخبوهم، وأجزم أنه بات علي شخصياً أن أعتذر متأخراً عن سوء تقديري.
malghobariMail
اعتذار متأخر
2007-05-31