صنعاء 19C امطار خفيفة

الإعلام الغربي وصناعة الكذب

2007-05-24
الإعلام الغربي وصناعة الكذب
الإعلام الغربي وصناعة الكذب - أبوبكر السقاف
تتحدث وسائل الإعلام العربية بصوت واحد وهي تؤكد أن "متكي" وزير خارجية إيران تراجع عن موقف بلاده المعلن، فهي لن تسعى لتدمير إسرائيل، وأكد أنه لا يمكن لأية دولة أن تمحو دولة أخرى، ومضى الوزير شارحاً رأي بلاده في حل القضية الفلسطينية بوساطة استفتاء يشمل كل الفلسطينيين في فلسطين وخارجها وكل ممثلي الديانات الأخرى في إشارة إلى اليهود والمسيحيين، وذلك على مستقبل فلسطين.
إن المدهش هنا أن يعتبر مراسلو الفضائيات العربية هذا الكلام تراجعاً عن مواقف الرئيس الإيراني نجاد، والحال أن الأمر ليس كذلك البتة، والخطأ هنا قائم في تصديق الإعلام العربي لما روجته وسائل الإعلام الغربية والصهيونية والأمريكية في ما يخص القضية الفلسطينية، فرأي نجاد، هو ما ردده الوزير متكي في المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن اليوم، ولكن وسائل الإعلام حذفت منه كل ما يتعلق بالاستفتاء، وهو أمر مبني على حق تقرير المصير وأخرجت كلامه في حلة مناسبة لما يشاع عن تطرفه وجموحه وسحب ذلك على قضيته العادلة وعلى القضية الفلسطينية العادلة بامتياز. ومفاد كلامه أن نتيجة الاستفتاء هي التي ستقرر بقاء اسم الدولة على الخريطة أو اختفاء هذا الاسم.
إن السيطرة وليس الهيمنة تقطر على وسائل الإعلام العالمية تمكن أمريكا والغرب والصهيونية العالمية من صنع الأخبار، وكذلك ممارسة "صناعة التسليم" كما قال تشومسكي، بحيث يصعب التوثيق في أصل الرواية، لأن موجات من تكرارها تجعلها مسلمة، أي لا تقبل الفحص. حدث هذا مع تصريح عابر أدلى به الراحل أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الأسبق عن مصير اليهود في فلسطين المحتلة، فقال: "فليعودوا بالبحر كما أتوا". ولكن العبارة التي أصبحت أيقونة "نرميهم في البحر"، وتكرر الأمر مع بعض تصريحات الراحل جمال عبدالناصر غير مرة وفي ذروة الأزمات السياسية مع العدو الإسرائيلي.
 يكفي أن تراقب صورة أو خبراً عن أية منطقة في العالم سواءً أكان الموضوع تصادم قطارين أم مظاهرة أم عرضاً للأزياء ومسابقات ملكة جمال العالم لتدرك أن صورة واحدة توزع على كل محطات العالم التلفزيونية، ويصدق هذا على اختيار فقرة من التصريح أو الخبر. عولمة خانقة لا تسمح إلا برؤية من زاوية واحدة محددة بصرامة.
إن احتكار الخبر والصورة هي أساس الخلافات في منظمة اليونسكو في السبعينيات من القرن الماضي عندما انسحبت أمريكا من اليونسكو وأوقفت مساهمتها المالية.
كان الخلاف في الواقع واسعاً في فترة إدارة أحمد مختار إمبو لليونسكو وارتبط بالإعلام باعتباره من مكونات الثقافة، فالوكالات الأمريكية والغربية تتحكم في 90 % من الأخبار، كما أن أمريكا تسعى لفرض ثقافتها على العالم.
وقد تذكر وزير التربية الجزائري الأسبق الأستاذ محمد الميلي أن الصراع في تلك الفترة كان وراء طول المفاوضات بين ممثل الاتحاد الأوروبي وهو وزير فرنسي وبين أمريكا لأن الجانب الأمريكي صرح بأنه لا يقبل التفوق عليه في مجال السلاح النووي والطيران والثقافة. ولم تعد أمريكا إلى اليونسكو إلاّ بعد تولي مدير جديد خلفاً لأحمد مختار إمبو السينغالي الذي دافع عن العالم الثالث في مجالات التعليم ومحو الأمية والثقافة والإعلام، وعن ضرورة حضور ثقافات العالم كافة في المجال التداولي الثقافي، وهذه فعلاً هي المهمة التي أنيطت باليونسكو لتكون منظمة سلام ثقافية وإخاء إنساني.
إذاً كان قول أحد ممثلي ما بعد الحداثة لا: "يوجد نص بريء" صحيحا في مجال الأدب، فإنه أكثر صحة في عالم الأخبار والسياسة، فهو هنا يتسربل بالخديعة.
وهناك ما هو أسوأ من هذا كله، أقصد ما يسميه علماء الاجتماع في الغرب بـ"امبريالية المقولات" مثل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" هذا عن فلسطين ويهود الشتات، "دول الطوق" حول إسرائيل أي أنها مطوقة، والحال أن هذه الدول هي المهددة والمطوقة في الواقع والفعل... "فدائية الإيراني" وحبه للموت. "عدوانية العربي".. "حسية الشرقي". امبريالية لأنها توجه التفكير في مسارات محددة تخدم أهدافاً بعيدة.
كنت قد كتبت عن رأي الرئيس نجاد في قضية فلسطين في صحيفة "النداء" في العام الماضي [العدد 72، 13/9/2006]، ويمكن أن يعود من أراد إلى المقال وهو حديث عن سياق الصراع بين إيران وأمريكا والغرب(*)، في إطار محاولتها لنيل حقها في امتلاك دورة الوقود النووي دون أن تحاكم على النوايا، بينما لا تحاكم إسرائيل على الأفعال وامتلاكها لمخزون كبير من السلاح النووي إعترف به رئيس وزارتها "أولمرت" علناً في سياق التهديد قبل أشهر وقد كشفه منذ 1989 "فانونو" الإسرائيلي الذي كان يعمل في المنشآت النووية الإسرائيلية في ديمونا وعوقب بسجنه 18 عاماً، وبعد خروجه من السجن يجدد كل سنة منعه من مغادرة إسرائيل رغم أنه أعلن أنه اعتنق المسيحية وصرح بأن إسرائيل دولة لا حق لها في البقاء، دون أن يتحدث عن استنفار دولي كما فعل نجاد قبل نحو عامين ومتكي اليوم، فتذكر بشعار فتح في السبعينيات عن دولة علمانية في فلسطين يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود.
19/5/2007
* هذا حديث عن الكذب الخفي الذي يُظهر نفسه خبراً بريئاً، أما كذبات المنبر فمعروفة وهي التي مهدت لغزو العراق بكلام عن المدفع العملاق وأسلحة الدمار الشامل، واعترفت أمريكا رسمياً بأنها كذبت وضللت العالم.

إقرأ أيضاً