فتحي أبو النصر، الشاعر، الأديب، والكاتب الصحفي، هو أحد الذين أعادوا للمشهد الثقافي اعتباره، منطلقًا من يقينٍ بسيط: لا يخلّد الكاتب بعد رحيله إلا الإبداع.
رغم حضوره المستمر والذي لم يتوقف مع منغصات ومحطات حياتية كثيرة.
على مدى أكثر من ربع قرن، قاوم فتحي قسوة الحياة، وكتب متدفقًا في الصحافة والأدب والكلمة.
وفي سنوات الحرب الأخيرة، عاش في القاهرة ظروفًا قاهرة، ومع ذلك ظل حضوره مستمرًا، رغم المسافة، رغم الوجع، رغم المنفى.
لسنا هنا للغوص في ما مضى من حياته أو التوقف عند محطات شخصية لا تعنينا، فما كان من تلك التفاصيل بات من الماضي، ولا علاقة لنا به.
ما يعنينا هو الكاتب الذي ظل وفيًّا لقلمه، صادقًا مع الكلمة، حاضرًا رغم كل الغياب، ومتماسكًا رغم ما عاشه من أزمات.
فهل فتحي أبو النصر مجرد كاتب وشاعر يمني؟
الحقيقة أنه أكثر من ذلك.
هو مشروع ثقافي كامل، صوتٌ حر، قلمٌ لا ينتمي إلا للمعنى.
ينظر إليه بعض اليساريين كمن طبع مع المختلف، ويراه البعض الآخر خصمًا حين يقترب من قضايا الفكر، ويكتب في مساحة رمادية لا تُرضي أحدًا.
لكن فتحي ظل كما هو، لا يُجامل، ولا يدّعي البطولة، ولا يكتب طلبًا للترحيب أو المجد.
ولمن يسأل: كيف نعرف معدن الكاتب الحقيقي؟
انظر إلى موقفه من قضايا الحقوق، من قضايا المظلومين، من حرية التعبير، من الناس.
ولقد كان فتحي، في سنواته كلها، حاضرًا في تقاطع القضايا الحقوقية، كاتبًا بجانب من سُجنوا أو قُمِعوا، متضامنًا مع زملائه، لا فرق عنده بين كاتب معروف أو شاب في بداياته.
ذلك هو جوهر الأخلاق الثقافية.
فتحي هو ذاك الكاتب الذي ترى مواقفه في كتاباته، لا في صوره،
وتلمح إنسانيته في تضامنه، لا في شعاراته.
لم يكن من أولئك الذين يتحصنون في الصمت، بل من الذين يؤمنون أن على الكلمة أن تُقال، ولو بصوتٍ خافت، مادامت في صف الحقيقة.
***
نحبك يا فتحي
يا قصيدة الضوء،
ومفتاح الأمل،
تمشي بثبات لتثبت
أحقية الكلمة في واقعٍ يزيحها،
ويحاصر حامليها في غرفٍ وسجونٍ بلا نوافذ.
كنت أحد الذين لم يستسلموا،
رغم الدموع، رغم القهر، رغم النفي.
نكتب جميعنا،
ننزف جميعنا،
فالكلمة هي المسكن الأخير،
هي الشيء الوحيد الذي لم يُصادر،
وحتى حين جف الحبر،
وتوارى الورق،
ظل الحرف يطلّ عبر الفضاء الرقمي،
يذكّرنا بأن للكلمة بيتًا...
وأن هذا البيت...
أنت أحد أعمدته التي لا تنكسر..