صنعاء 19C امطار خفيفة

في رحاب مقال "مفهوم الشراكة في العلاقة بين القاضي والمحامي" للقاضي عبدالعزيز البغدادي

في مقاله المذكور آنفًا، والمنشور في صحيفة الشورى الإلكترونية بتاريخ الثلاثاء ١ يوليو ، وفي ظل التحديات التي تواجه المجتمعات في العقود الأخيرة، من الضروري الاهتمام بقضايا العدالة والسلامة القانونية. فالموضوع هو جوهري في حياة الكثيرين الذين يعيشون تحت مظلة القضاء وحقوقهم.

 
ومن هذا المنطلق، توصل القاضي عبدالعزيز البغدادي في مقاله "مفهوم الشراكة في العلاقة بين القاضي والمحامي"، إلى أن العلاقة هي علاقة تشاركية. ولعله قد استند في نظريته هذه إلى أن القضاء يتكون من ثلاثة أضلاع: القاضي والمحامي ووكيل النيابة، وهي علاقة تكاملية أو بالأصح حسب القاضي عبدالعزيز البغدادي علاقة تشاركية، وبخاصة أن الدستور النافذ ينص على أن القضاء مستقل ولا سلطان عليه إلا سلطان القانون، وهذا السلطان ليس على القاضي فقط، بل وعلى المحامي والنيابة.
 
بما أننا نتحدث عن العلاقة بين المحامي والقاضي في تحقيق العدالة، لا بد من ذكر بعض المفاهيم والأساليب التي تجعل هذه العلاقة بين القاضي والمحامي علاقة شراكة، وليس مجرد علاقة تعاون كما هو سائد. ومن المهم الانتباه إلى أن القاضي هو المسؤول عن تحقيق العدالة، وهو يتمتع بسلطات قانونية محددة لتطبيق القانون على الأفراد، وتدبير القضية بشكل مباشر.
 
بينما المحامي هو خصمه في الشراكة النشطة التي تتشكل مع القاضي، إذ يسهم في عملية التحقيق والتحقق من الأدلة وتقديم الإثباتات اللازمة للقضية بالنسبة للقاضي، كما ينبغي له أن يكون القاضي مؤمنًا بأن علاقته مع المحامي علاقة شراكة، وليست خصومة، فكلاهما يبحثان عن تحقيق العدالة، وهذه العلاقة المتبادلة بينه وبين المحامي هي مفتاح تحقيق العدالة. وبالتالي، عليه أن يكون قادرًا على إنتاج أدلة قوية على أساس الشفافية والتواصل الدائم مع محامٍ شريك، وليس خصمًا. ومن الجدير بالذكر أن العلاقة بين القاضي والمحامي ليست علاقة تعاون فقط، بل هي علاقة محاكمة شرطية تهدف إلى تحقيق العدالة.
والغرض من هذا المقال هو تشجيع النظرية المهمة التي استنبطها القاضي عبدالعزيز البغدادي لـ"الشراكة الفعلية" بين القاضي والمحامي، إذ يؤكد أن التعاون والشراكة في تحقيق العدالة ممكنان وفاعلان، وليس مجرد تعاون بسيط. ونخلص إلى أننا نعتبر دور القاضي والمحامي في تحقيق العدالة ضروريًا إذا ما اعتبرنا العلاقة علاقة شراكة وندية، كما يجب الحفاظ على احترام العلاقة بينهما وتعزيزها لتحقيق العدالة والسلامة القانونية، فالمحامي والقاضي جناحا طائر واحد، ولا يستطيع الطائر أن يطير بنجاح واحد، ومن هذا المنطلق فإن الشراكة تعتبر رافعة لحماية استقلالية المحامي وتحقيق العدالة
بالمقابل، وتعزيز الشراكة الحقيقية بين القاضي والمحامي يمنح المحامي حافزا لتحقيق العدالة والتقيد بنصوص القانون، ويوازن بين السلطة القضائية والناحية الدفاعية، مما يتعلق مباشرة بعدالة العملية القضائية.
 
لكن، في المقابل، لا يمكن إغفال التعديلات الأخيرة في المناطق الخاضعة لسلطات الأمر الواقع (بخاصة الحوثيين)، التي تجاوزت الدستور، وأقصد منها: تمكين رأس السلطة التنفيذية من تعيين القضاة، ونقل إصدار تراخيص المحاماة إلى وزارة العمل بدلًا من نقابة المحامين، مما يقوض استقلالية المهنة، ويقسّم السلطة القضائية لإنشاء منظومة موازية ومجزأة.
 
هذا النهج ينتهك المادة 150 من الدستور التي تنص على أن «القضاء منظومة متكاملة... ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية تحت أي ظرف».
إن هذه التعديلات لا تهدد فقط استقلال القضاء، بل تقود إلى تحكيم السلطة التنفيذية على الحساب القضائي، وتُعطل تطبيق القانون بصورة عادلة على مستوى الجمهورية بأكملها، بما يتنافى مع مبدأ سيادة القانون في بلاد لا يزال الحكم فيها للعرف، والوجاهة،بما يتنافى مع نصوص دستورية، حيث ان سلطات الواقع تصدر قوانين لا تطبق على كل محافظات الجمهورية ..
وبناء على ذلك، فإن من الواجب رفض هذه القوانين المحلية غير الدستورية، والعمل على إبطالها قانونيًا، لدعم دولة المواطنة وسيادة القانون، واستعادة ثقتهما من قبل الشعب.
 
ونخلص مما سبق إلى التأكيد على ضرورة وجود ميثاق شراكة وإقراره من مجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين، يؤكد أن تلك الشراكة القضائية دستورية يجب أن تفعل عبر لجنة تنفيذ وطنية، وبرامج تدريب مستمرة، وآليات تواصل دائمة، وذلك كخطوة نوعية نحو تعزيز العدالة وإصلاح القضاء. كما أنه يجب على المحامين والقضاة أن يرفضوا أي تعديلات قانونية لا تطبق في كل محافظات الجمهورية مهما كانت وجاهتها، لأن أية سلطة من سلطات الواقع لا يحق لها المساس بالمنظومة القضائية تحت أي مبرر كان، وبالتالي فإن رفض التشريعات المحلية المستحدثة التي تقوّض الوحدة القضائية، يعد دفاعًا عن موطنية القانون وهوية الدولة.
 
هذه التوصيات العملية تمثل خارطة طريق من أجل استعادة القضاء الموحد القادر على حماية الحقوق وتعزيز الثقة بالمؤسسات، وتمكين القضاة والمحامين من أداء واجبهم الوطني بمهنية واستقلال كامل.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً