حسن عبد الوارث واحد من قلائل امتلكوا المقدرة على تطويع الكلمة و مهروا حد الابداع في جعل الكلمة مقالاً تارة و قصيدة رائعة تارة اخرى.
يكتب القصيدة فائقة الابداع.بمقدرة و مهارة كتابة المقال الصحفي
الصحفي و الشاعر يتملكانه او يمتلكهما. والقصيدة والمقالة الصحفية توأماً خرج من رحم المعاناة والموهبة.
احساس حسن عبدالوارث بمآسي الناس ، ومتاعب الحياة خلقا منه قلماً رشيقاً فذاً يكتب العمود الصحفي بروح الشاعر الماهر، والقصيدة كآخر تجليات قصيدة الشعر الحديث، و الازكى حداثة.
ديوانه الشعري " ماخفي من التفاصيل" وديوان اخر بعنوان " حدث ذات قبلة" ، وهناك قصائد اخرى.
اما كتاباته والاعمدة الصحفية فهي كثيرة في العديد من الصحف والمجلات . اصدر منها " السلام تحية". صدر من مطابع الثورة للصحافة والطباعة و النشر . كما صدر له كتاب ،" حديقة الحيوانات اليمنية كتابات " صادر ايضاً من مؤسسة الثورة للصحافة عام ٢٠٠٨.
ويشير في كتابه " السلام تحية" ان لديه تحت الطبع؛ الكشكول الساخر دراسة عن السخرية في الشعر العربي.
المكرفون افيون الشعوب " تناولات نقدية في الثقافة والصحافة". وانجيل صنعاء نصوص.
ربما استشعر دنو اجله او قرف من المعاناة والحالة البائسة التي يعيشها شعبه. فكتب عموده الشهير " متى اكون الخبر" فكان الخبر الفاجع والحزين ، لكانه يرثي نفسه منافساً مالك ابن الريب صاحب " الا ليت شعري هل ابيتن ليلة "مرثياً نفسه و فرسه.
كتبت مقدمة لاصداره " السلام تحية". استميح القارئ في اعادة النشر لاني قرأت علاقة ما بين كتبته قبل وفاته وما اكتبه الان.
كتاب الصحافة كثير .. والقليل منهم صحافيون.. وكثيرهم الصحافيون .. ولكن القلة منهم يجيدون الكتابة الصحافية وفنون الصحافة الكاثرة..
و حسن عبد الوارث صحافي حتى العظم .. اتى الصحافة من حقل الادب والشعر .. فهو شاعر .. وشاعر حداثي.
انه يتقن بمهارة فنون الصحافة ، إبتداءً من الخبر المحبوك بمهارة راقية، وبمهنية تومئ للتفوق ، وتؤشر للحرفنة.. كما يجيد التحقيق والتغطية الصحافية، واستخراج الاجابات الخبيئة من قاع البئر العميقة..
وهو يمتلك نفس المهارة واذكى وازكى في التعليق على الخبر بروح تحتشد فيها المرارة الشعورية والسخرية!
حسن عبد الوارث صحافي بارع متعدد المواهب .. حاد الذكاء و الطبع معاً .. متوقد حد الاشتعال بالهم اليومي ، وبالوقائع والاحداث..
وحسن عبد الوارث شاعر مبدع وموهوب .. يكتب القصيدة " البرقية" كتسمية الناقد الكبير عز الدين إسماعيل في مقابلة أجريتها معه قبل عدة اعوام .. وبنفس القدر من الابداع يكتب العمود الصحافي ..
وهو فنان ومبدع في كتابة العمود الصحفي ، كأبداعه في كتابة القصيدة " البرق" فكتابة العمود المكثف ، شديد المتانة والتركيز يتخذ - لديه - اسلوب وصيغة القصيدة " البرق" التي تجسد اعظم تجسيد لمقولة النفري " كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة".!
تقرأ عمود ابن عبد الوارث وكأنك تقرأ نصاً شعرياً مفتوحاً ، يرسم لك المشهد بصورة جاذبة وشائقة: فالعمود المركز والمكثف يحتاج الى موهبة صحفية كبيرة ؛ واتقان تدبيج العمود لا يجيده الى الصحفيون الكبار، كأحمد بهاء الدين في " صندوق الدنيا" و " فكرة" مصطفى امين : وهناك اعمدة تجاوزت شهرتها الزمان والمكان كعمود كامل زهيري في " الجمهورية" وعمود فيليب جلاب في " الاهالي " وعمود الشاعر والمهندس والرسام عبد اللطيف الربيع في " المستقبل " بعنوان (فرحان المغموم) وعمود عبد الكريم الرازحي في " الشورى" وعمود الصحافي القدير عبد الصمد القليسي " كلمة وعشر في ٢٦ سبتمبر"..
ان عمود حسن عبد الوارث يمتلك خصائص النص الابداعي، او يرقى الى مستوى النص المفتوح..
و ابن عبدالوارث شاعر كبير وصحافي اكبر .. عملنا معاً في الثوري " و اعترف انه كان الضمير البارز و المستتر في آن .. فقد كان وهو مدير للتحرير - الى جانب احمد صالح باشراحيل في البداية ثم منفردا - يقوم بالاشراف على الموضوعات ، ومتابعة الاخبار ، واعادة الصياغة ، واحياناً التعليقات الساخرة و الواخزة .. وبعد ذلك كتابة العناوين والتبويب وكتابة اللقطات الدامية والمريرة حد الاضحاك..ولا ينسى عبد الوارث ان يطلب الي- ان لزم الامر- كتابة " الافتتاحية" .. ثم يختم الصفحة الاخيرة بعموده الذي يحمل توقيعه .. وقد يكون كتب بعض المواضيع بأسماء مستعارة، وهي مزية او رزية اكتسبناها من عهود الشمولية والعمل السري!
و اعمدة الوارث هذه يقدمها لقارئه- هنا - تحت عنوان " السلام تحبة" هي خلاصة او عصير تجربته الزاهية والتي تمتد لعدة عقود في مهنة الصحافة..
ولحسن ذكاؤه المدهش وحساسيته اللغوية كشاعر حداثي، وخبرته الصحافية التي مكنته من " تقطير" العمود الصحافي بصورة رائعة، ترتقي الى مستوى العمل الابداعي..
وقد اجرى الوارث عدة مقابلات صحافية، كان من اشهرها الحوار الذي اجراه - قبيل فجر الوحدة ، في عدن- مع المناضل الكبير عمر عبدالله الجاوي.. وهي المقابلة التي اعلن فيها الجاوي عن تأسيس حزب التجمع الوحدوي اليمني ، قبيل اعلان التعددية السياسية والحزبية.. وقد مثل هذا الاعلان تحدياً للخطر المفروض على الاحزاب في الشمال والجنوب حينها..
و يمتلك قلم الوارث الرشيق كماً هائلاً من السخرية حد الادماء احياناً .. وهي سخرية مرفودة بصياغة رفيعة ، وبقدرة على التعبير بعمق عن استبطان الأحداث .. وقراءة ما يعتمل فيها .. وسخرية الوارث تتجلى في كفاءته ومقدرته على الاقتصاد الحاذق للكلمات ، و رسم صورة كاريكاتورية بالكلمات ، لحالات شذوذ الاوضاع ومفارقات الحياة وحالات الفساد والاستبداد والفلتان والتسيب..
و اذا ابن عبد الوارث وقد اصبح رئيس تحرير صحيفة " الوحدة" الرسمية. فقد استطاع ان يميز خطابها ونهجها عن الخطاب الحزبي والرسمي ، وان يحافظ قدر الاستطاعة على الطبيعة التعددية و المنحى الديمقراطي الموروث من عهد الصحافي القدير احمد الحبيشي ، وكذا عهد الفقيد الكبير الصحفي المقتدر عبدالله سعد محمد والذي يسميه عبد الوارث نفسه " محيي الصحافة وهي رميم"!
حسن عبد الوارث يعد بحق احد ملوك اللقطة الصحافية.. فهو يختزل نصف الدنيا في بضع جمل "مقطوبة" و "مركزة" .. كما انه ببضع كلمات يستطيع بمهارة رسم مشهد كامل لا تقدر عليه الا السينما او كاميرا " صالح الدابية".. واتذكر تعاون المصورين : الوارث بالكلمات والدابية بالكاميرا في " الثوري" سابقاً وحالياً في " الوحدة"…
فتحية لهذا القلم الرشيق والراقي.. وتحية لفن العمود الذي يعتبر الركن الاهم في صحافة الرأي.