في جنوب قطاع غزة أيضًا، هناك حكاية تُروى بين الأزقة المُوحشة، حيث صوت الجوع يعلو فوق صخب الحياة اليومية. السوق هناك كصفحة من كتاب النسيان، خالية إلا من القليل، خضروات ذابلة تكاد تنحني تحت وطأة العجز، وأسعارها كالأسلاك الشائكة تفصل بين الفقراء ولقمة العيش. الطحين؟ ليس إلا غبارًا يكتنفه السوس، يروي حكاية طويلة عن الغياب والحصار.
في وجوه الناس، يُقرأ الانتظار. انتظار شاحنة تأتي ولا تأتي، انتظار رغيف خبز لم يعد موجودًا في القاموس اليومي. المعلبات التي كانت تحفظ للأيام القاسية، الآن أصبحت ذكرى هي الأخرى، تقف مشوهة تحت شمس لا ترحم، تسكنها العفونة ويخنقها الغبار.
وهكذا يبدأ كل شيء، مجاعة ليست في بطون الناس فحسب، بل مجاعة في أرواحهم، في آمالهم التي تذبل يومًا بعد يوم. هي ليست فقط نقصًا في الغذاء، هي تجويع ممنهج، حصار يلتف كالأفعى حول رقبة ما تبقّى من الوطن، ويمنع عنه هواء الحياة.
هذا ما يفعله الاحتلال؛ يحرم الناس من أبسط حقوقهم، الأسلاك الشائكة التي تحيط بالقطاع ليست حدودًا جغرافية فقط، هي قيود تطوق الحياة، تمنع الخبز من الوصول.
لكنك هنا، حتى في أحلك الظروف، تجد في العيون شرارة حياة، صوتًا خافتًا يقول: "لن نسقط". ولن يمنع المجرمون الشمسَ من أن تشرق، ولو من خلف الأسلاك والدخان والغبار.
*شاعر من فلسطين