خالد السرجاني ليس مجرد صحفي غادر دنيا الصحافة العربية؛ إنه جوهرة نفيسة في عقد "الإبداع المصري".
ليس جوهرةً فحسب،
بل جواهرجي أنيق وصائغ خبير بصنعته.
يتحدث السرجاني فلا تجد في حديثه حشواً ولا لغواً ولا غلواً.
إذ يصف، تغدو أوصافه "مفاتيح" تجمعهن في ميدالية لتحملها في جيبك أبداً.
تخرجها كلما أردت فهم محركات ودوافع كاتب أو صحيفة أو جماعة أو حزب أو دولة.
السرجاني هو الدر المكنون في ذاته المحلِّقة في الأعالي.
تصادفه مرةً ثم لا تملك أن تغادره.
لكنه، هو، من غادرنا قبل عام.
كنت حينها على فراش المرض.
بعد عدة أشهر عرفت أنه غادر، وأجهشت في البكاء. كنت أعرف أنني فقدت صديقاً لا يعوَّض، معلماً بلا ادعاء ولا أبوية، من خيرة المصريين.
من اقترب من هذا المصري الجميل يعرف أن مصر ولَّادة، وأن عباقرتها مبثوثون في كل زاوية ومقهى في حواضرها العظيمة.
عرفته أول مرة في 2008. أقام هو والزميل عبدالكريم الخيواني في فندق منسي من فنادق الحمراء، في شارع متفرع من الشارع الرئيسي. كنا، المشاركون في مؤتمر شديد الجدية عن الصحافة العربية، نقيم في فندق الـ5 نجوم بينما خالد وكريم يقيمان فيما يمكن وصفه بأنه "الفندق الأشد رداءة" في بلاد الشام والمشرق العربي.
كان وصولهما تباعاً إلى فندقنا، نحن المحظوظين، باعثاً على الضحك في جلسات مؤتمر مطبوع بالجهامة.
بالكاد يُسمع صوت خالد إذ يتحدث.
لكن إذا سمعته لا يعود بمقدورك نسيان (أو تناسي) تعبيراته وتوصيفاته وأحكامه التي لا تملك إلا التسليم بدقتها وعدالتها.
في الأيام القليلة الماضية تذكرت خالد السرجاني كثيراً وأنا أقرأ أعجوبة أحمد رجب "الأغاني للأرجباني".
كان نصحني في زيارتي قبل الأخيرة إلى مصر في مطلع 2012 بشراء كتاب أحمد رجب "الأغاني" وكتاب محمود السعدني "وداعاً للطواجن" (قرأت أغلب إصدارات محمود السعدني، لكن لم أكن قد اقتربت من أحمد رجب). والكتابان من أمتع وأبهج ما يمكن قراءته لاثنين من أعظم الساخرين المصريين.
أستمع إلى "أغاني" مصر، وأتشوق إلى "طواجنها" فيحضرني السرجاني.
أتابع أحوال مصر وتقلبات أحزابها وتموضعات رموزها الثقافية والصحفية وأتحسس في جيبي ميدالية ملأى بالمفاتيح التي تسلمتها من خالد، وأبتسم.
أفتقدك يا صديقي.
لا أتصور مصر بدونك.
لا أتصور وجودي في مصر دون أن ألتقيك أيها البسيط الثري العميق الأصيل.
- خالد السرجاني توفاه الله في منتصف سبتمبر 2014، واستشهد عبدالكريم الخيواني في مارس 2015، وهذا المقال كتب بالتزامن مع احتفائية الذكرى الأولى لرحيل الزميل خالد السرجاني في نقابة في الصحفيين المصريين.