صنعاء 19C امطار خفيفة

دور القوى الخارجية في الصراع المائي في حوض نهر النيل

من الجدير بالذكر، أن "دور القوى الخارجية في الصراع المائي في دول حوض النيل" يعتبر أحد الفصول الرئيسة في دراستي بعنوان "النزاعات على المياه بين دول حوض النيل وسبل معالجتها".
ويشكل بحد ذاته بؤرة توتر، ومن المثبطات تجاه تهدئة الصراعات في المنطقة وتدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية لدول الحوض، ناهيك عن فرض سياسات "فرق تسد" بين دولها، وتكريس عدم الاستقرار ، على النحو الآتي:

 

 أولًا: دور إسرائيل في الصراع المائي الإقليمي لحوض النيل

 
هناك فرضية قائلة بأنه "كلما زاد التغلغل الإسرائيلي اقتصاديًا وسياسيًا ومائيًا في النظام الإقليمي لحوض نهر النيل، زاد الصراع المائي الدولي في ذلك الحوض".
فثمة محددان -يمثلان ثابتين أو ركيزتين- تنطلق منهما السياسة المائية الإسرائيلية لتنفيذ استراتيجيتين مستمرتين ومتزامنتين في حوض نهر النيل.
أما المحددان فهما:
المحدد الأول، يتمثل بالمكانة المحورية للمياه في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي من عهد الآباء الأوائل من مؤسسي الدولة العبرية.
المحدد الثاني، ويتمثل في حالة الشح المائي التي تعاني منها إسرائيل.. فعلى الرغم من التعديات الإسرائيلية على المياه العربية، بيد أنها بدأت تعاني منذ عام 2000م من عجز في ميزانها المائي...
ويتصور خبراء المياه الإسرائيليون وغيرهم أن هذا العجز سيتصاعد خلال العقود الأولى من هذا القرن الحادي والعشرين، بخاصة في ضوء تزايد معدلات الزيادة الطبيعية للسكان، وتزايد معدلات الهجرة اليهودية لإسرائيل.
وأما الاستراتيجيتان فهما:
أولاً: استراتيجة "المحاصصة" أي التفكير في مشروعات مائية تستهدف حصول إسرائيل على حصة مائية ثابتة من مياه النيل، ومن أمثلتها مشروع "هرتزل" (1903) لتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، ومشروع "إليشع كالي" (1974) الذي تكرر طرحه في أعوام 1986، 1989، 1991، ومشروع "يؤر" عام 1979، فضلًا عن مشروع استغلال المياه الجوفية في سيناء.
ثانيًا: "استراتيجية المحاصر" أي تطويق السياسة المصرية في محيط دائرتها النيلية، بما يعمل على "شد أطراف" مصر إقليميًا.
وهكذا، يدفع هذان المحددان إسرائيل إلى القيام بهاتين الاستراتيجيتين، بما يحقق أهداف ومصالح إسرائيل في المنطقة، الرامية إلى: إما الحصول على نصيب من مياه نهر النيل، أو استخدام المياه كورقة ضغط ضد مصر والسودان، الأمر الذي يؤكد الأهداف والمطامع الإسرائيلية من وراء تغلغلها السياسي، والاقتصادي، والمائي، في منطقة حوض النيل.
ويستخلص مما سبق، أن الدور المائي لإسرائيل في حوض النيل يعتبر دورًا محفزًا على الصراع المائي في ذلك الحوض.
 

ثانيًا: دور الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع المائي الدولي في حوض النيل

 
وينطلق هذا الدور أيضًا من فرضية مفادها أنه كلما زاد الدور الأمريكي في النظام الإقليمي لحوض نهر النيل، زاد الصراع المائي الدولي في تلك المنطقة.
حيث تعتبر منطقة حوض النيل إحدى المناطق ذات الأهمية الجيوستراتيجية للمصالح والأهداف الأمريكية، ولذلك، تلعب الولايات المتحدة دورين أساسيين في حوض النيل، وهذان الدوران غير مباشرين، إذ ليس للولايات المتحدة أطماع أو طموحات مائية في نهر النيل.
ويتمثل الدور الأول في دور عام تسعى من خلاله السياسة النيلية للولايات المتحدة إلى محاصرة وتطويق وشد أطراف السياسة المصرية في محيطها الإقليمي، بما يخدم تثبيت النفوذ الأمريكي سياسيًا واستراتيجيًا في ذلك الإقليم، ومن ثم، التمهيد لدور إسرائيلي فاعل في تلك المنطقة.. ولا أدل على أهمية تلك السياسة من المنظور الأمريكي من اضطلاع عدد كبير من الوزارات، واللجان، والهيئات، والمؤسسات، بمهمة صنع السياسة المائية للولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط.
أما الدور الثاني الذي تلعبه الولايات المتحدة في حوض النيل، فإنه كان يتمثل في العمل على إعادة ترسيم (Re-Mapping) الخريطة الجيولوبوليتيكية للسودان، وإعادة خلق وتشكيل "سودان جديد" (Neo-Sudan)، حيث سعت الولايات المتحدة، وخصوصًا منذ وصول الإدارة الأمريكية للحكم برئاسة جورج بوش (الابن)، عام 2000، وما رافقها من تزايد نفوذ التيار المحافظ الديني (الإنجيليين الجدد) -من بين موضوعات أخرى- إلى العمل على تمكين جنوب السودان من تقرير مصيره، ومن ثم تعزيز التوجهات الانفصالية.
وبطبيعة الحال، فإن انفصال جنوب السودان -حسب التوقعات الأمريكية- في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، سيكون له آثار بالغة الخطورة على الأمن المائي (المصري) و(السوداني)، بل على الأمن القومي لكلتا الدولتين. وهو استنتاج مثبت استنادًا إلى الحقائق الطبوغرافية والهيدروليكية، وأقوال المسؤولين والخبراء في الشأن المائي لدول: مصر والسودان وإثيوبيا، وكذلك خبراء المياه في البنك الدولي، واليونسكو وسيداري. الأمر الذي يثبت العلاقة الارتباطية بين تزايد الدور الأمريكي في النظام الإقليمي المائي لحوض نهر النيل من ناحية، وبين الصراع المائي الدولي في ذلك الحوض من ناحية أخرى.
الجدير بالإشارة إلى أن الانفصال قد حدث في 9 يناير 2011م، وأعلنت دولة جنوب السودان رسمياً في 9 يوليو 2011م ، لتصبح الدولة 54 في الاتحاد الإفريقي، والدولة 10 في دول حوض النيل.
 

ثالثًا: دور المؤسسات الدولية والقوى الكبرى في الصراع المائي الدولي في حوض النيل

 
في هذا الخصوص، تؤكد الفرضية القائلة بأن هناك بعض المؤسسات الدولية والقوى الدولية الكبرى -الأوروبية وغير الأوروبية- تلعب دورًا مهدئاً للصراع المائي في حوض النيل.. ومن ثم فإنه كلما زاد دور هذه القوى وتلك المؤسسات في النظام الإقليمي لحوض النيل، تقل فرص الصراع المائي الدولي في ذلك الحوض.
ولقد ثبت أن الدور المالي للبنك الدولي -باعتباره إحدى المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف- أنه يقوم بدور مهم في تمويل وتنسيق مشروعات التعاون المائي في مختلف أحواض الأنهار الدولية بصفة عامة، وفي حوض النيل بصفة خاصة، بما يشجع على التعاون المائي ويثبط فرص الصراع المائي.
كما أسهم مشروع تحويل الصراعات المحتملة إلى تعاون محتمل (From Potential Conflict to Cooperation Potential "PCCP") الذي تبنته اليونسكو منذ عام 2001م، بوصفها إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، في تدعيم التوجه التعاوني في نمط التفاعلات المائية عالميًا، الأمر الذي أسهم في تحفيز تلك التوجهات التعاونية في حوض النيل، وهو ما ترتب عليه تقليص الصراع المائي الدولي في ذلك الحوض.
أما على مستوى القوى الكبرى في النظام العالمي، فقد لعبت بعض الدول دورًا مهمًا، منها: دولتان أوروبيتان (إيطاليا وهولندا)، فضلًا عن دولتين غير أوروبيتين (اليابان وكندا)، لعبت جميعها دورًا حيويًا في المساهمة في تمويل المشروعات المائية التعاونية المقترحة في إطار مبادرة حوض النيل، حيث قامت هذه الدول -بالإضافة إلى البنك الدولي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة- بتشكيل "اتحاد التمويل الدولي للتعاون في النيل"
     International Consortium for Cooperation on the Nile(ICCON) بهدف تمويل وإقامة المشروعات التي أسهمت منذ عام 1997، في تدعيم التعاون المائي في حوض النيل. 
وعليه، يمكننا أن نستنتج أن تزايد دور تلك المؤسسات والقوى الكبرى في النظام الإقليمي المائي لحوض نهر النيل، قد لعب دورًا مهدئًا للصراع المائي الدولي في حوض النيل، ومحفزًا على التعاون المائي الدولي في ذلك الحوض.

تصنيفات

إقرأ أيضاً