اعتذار ناقص واعتذارات أخرى مطلوبة
علي محسن حميد
1- حسناً فعل الرئيس علي عبدالله صالح باعتذاره للولايات المتحدة عما قاله أمام جمع من النخبة اليمنية في صرح علمي، أمام وسائل إعلام، عن وجود غرفة عمليات في تل أبيب تدار من قبل البيت الأبيض، وراء الاحتجاجات التي تجتاح المنطقة العربية، ومنها اليمن. الاعتراف بالخطأ فضيلة، وخاصة إذا كانت تداعياته تؤثر على مصلحة وطنية وهيبة ومصداقية رئيس الدولة. وفي البدء كان ينبغي ألا يقول الرئيس ما قاله وفي مكان عام يجعل من الصعب التنصل مما قاله. الرئيس كان في حقيقة الأمر واثقا تمام الثقة من اكتشافه الذي عجز عنه من قبل الرئيس المصري السابق مبارك، ومن قبله الرئيس التونسي السابق بن علي، وهما أقرب إلى إسرائيل جغرافيا منا، ولديهما من الإمكانات ما يكفي للسبق في فضح الغرفة الإسرائيلية ومن ورائها البيت الأبيض اللذين تبنيا قضايا الشارع العربي من شمال الوطن العربي إلى جنوبه. معلوم أن إسرائيل ضد التحول الديمقراطي العربي، ومعلوم أيضا أننا لو حكمتنا أنظمة ديمقراطية ما ابتلينا بهزائم متلاحقة على يديها، لأن الديمقراطية تفتح الأبواب للتنمية والبحث العلمي والمشاركة الشعبية، وتعمق الولاء الوطني، وتسمح بحراك اجتماعي تخشاه الأنظمة الاستبدادية، وتفرز طبقة متوسطة تخافها الأنظمة التي تحتكر السلطة والثروة، وتعمل على عدم ظهورها لكي يستمر استئثارها بالسلطة ومغانمها لآماد أطول، ومع كل هذا جيش قوي ولاؤه للوطن وليس للزعيم.
ما يؤلم في الاعتذار أمران؛ أولهما ما تردد عن عزوف الرئيس الأمريكي ونائبه ووزيرة الخارجية عن التحدث مع الرئيس، ثم التحدث مع شخص يتولى ملفا في الإدارة الأمريكية، هو ملف الإرهاب، ولا يتولى منصبا وزاريا. الرئيس سمع من السيد برينان كلاما عاقلا أوله قبول الاعتذار، والثاني ألا يبحث الرئيس عن كبش فداء للمشاكل اليمنية المتراكمة، والتي يتهرب من إيجاد حلول لها، والتي أخرجت الشارع اليمني ليطالب بالتغيير الجذري للنظام برمته.
السيناتور جون ماكين المرشح الجمهوري السابق للرئاسة في انتخابات 2008، انحاز للشارع اليمني وطالب الرئيس بالتنحي، ولم نكن نريده أن يقول ذلك لئلا يظن أحد بوجود خيط غير مرئي بين اتهام الرئيس لتل أبيب وواشنطن ومطلب ماكين المعروفة علاقته الوثيقة بإسرائيل ودعمه المطلق لها.
الاعتذار الثاني المطلوب من الرئيس، وهو لا يقل أهمية عن الأول، هو توجيه اعتذار للشعب اليمني على معلومة خاطئة تماما مصدرها أهم شخص في الدولة مؤتمن على مصالحه وأمنه ورفاهيته وصحته المعرفية، كتعبير عن احترامه لشعبه الذي أوصله إلى السلطة، وأقسم أكثر من مرة أن يدير شؤونه بأمانة ونزاهة، ومنها مصداقيته في القول وعدم الاستخفاف به والاستهانة بذكائه. ولكن الرئيس لم يفعل. ومما زاد في الغم أن الإعلام اليمني بتوجيهات عليا، لم ينشر ويبث اعتذار الرئيس، وهذا هو الاستغفال الثاني للرأي العام اليمني والتعالي عليه. لاشك أن الرئيس أغضب وزير الإعلام الذي يتحدث كثيرا عن السقف الأكثر علواً للحريات في اليمن مقارنة بالسقوف العربية المنخفضة. الوقت لا يزال متاحا للرئيس لأن يعتذر للشعب، وهذا واجبه الذي لا يمكنه التملص منه، لأنه تعمد وعن سابق إصرار تجهيل الناس هنا وهناك عن الأسباب والدوافع الحقيقية لصرخة الشارع ومظلمته. محافظة ريمة هي الوحيدة في اليمن التي لم تحركها غرفة تل أبيب، ورفضت مؤامرة البيت الأبيض، لأنها الوحيدة التي لم يخرج أبناؤها إلى الشارع برغم أنها الأكثر تعرضا للظلم.
2- الاعتذارات المطلوبة من الرئيس لشعبه العزيز:
- الاعتذار عن سقوط قتلى وجرحى بيد قوات الأمن المركزي وقوات النجدة والبلاطجة في عدن وتعز وصنعاء والبيضاء وإب وحرف سفيان وغيرها.
- الاعتذار عن الاختلالات التي سببها تركيز كل السلطات في يديه وتهميش كل من هو أدنى منه، مما أدى إلى الانحراف عن أغراضها الوطنية وتثبيت كل من بلغ سن الرشد من أفراد الأسرة في منصب حساس عسكري أو مدني بغض النظر عن كفاءته، وحرمان من هو الأجدر بتوليه، وزد على ذلك من تصاهر معه وانتمى إلى منطقته.
- الاعتذار عن تبني مبدأ الولاء قبل الكفاءة، والحديث الصريح أمام جمع من العلماء بأن التغاضي عن مبدأ الولاء كالنفخ في قربة مقطوعة. وقد أضر هذا المنحى غير الوطني بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة في التوظيف وبالأداء في الخدمة المدنية.
- الاعتذار عن خرق الدستور بمطالبته بإنهاء الاعتصامات السلمية، وعدم الوفاء بالقسم الدستوري في الحفاظ على مصالح الوطن والمواطنين.
- الاعتذار عن عدم التزامه باتفاقيات الوحدة وبوثيقة العهد والاتفاق، والعمل على تخريب الوحدة منذ اللحظة التي أصدر فيها تعليمات شفهية لأحد الوزراء نصها "إمهدوا ماعيجوش الجنوبيين يعلمونا".
- الاعتذار عن شن حرب 1994 ضد الجنوب التي لم يكن لها مبرر وطني، وكانت الثروة النفطية في الجنوب هي المحفزة لها، إضافة إلى الرغبة في الحكم منفردا بدون شركاء حقيقيين في صنع القرار.
- الاعتذار لمن شردوا بعد حرب 1994 ولا يزالون يعيشون حياة الغربة القسرية في دول عربية وغير عربية. والاعتذار لمن فقد عمله من المدنيين والعسكريين بقرار سياسي في إطار سياسة اجتثاث الحزب الاشتراكي من الجنوب.
- الاعتذار للشعب عن تقديم مصالحه الخاصة على المصالح العامة. وفي هذه النقطة يطول التفصيل.
- الاعتذار عن التعمد في عدم محاسبة الفاسدين، وعن التغاضي عن الفساد وتشجيع ارتكاب الفساد وعدم الإنصات إلى النقد الدولي وما كان أكثره لتفشي الفساد في البلاد.
- الاعتذار للمرأة اليمنية التي لم تحرز سوى تقدم محدود جدا طوال حكمه، وتوظيف المرأة سياسيا لأهداف لا علاقة لها بتمكينها ومشاركتها الحقيقية والفاعلة في الشأن العام.
- الاعتذار للأسر التي اغتيل معيلوها أو أبناؤها في عهده بعلمه وبدون علمه، والاعتذار لأسر القيادات الناصرية التي أعدمت خارج القانون وضد الشريعة لقيامهم بانقلاب فاشل لم يسيلوا فيه نقطة دم واحدة.
- الاعتذار عن حروب صعدة الست ونتائجها الكارثية وضحاياها، والإعلان أنه لن يكررها، والكف عن القول بأنه مستعد لتقديم قوافل من الشهداء في أي صراع داخلي، وأن يتبع الطرق السلمية لحل أي إشكال وطني.
- الاعتذار عن نواياه والعمل الحثيث من أجل البقاء في السلطة إلى الأبد وتوريث ابنه السلطة بما يخالف أسس النظام الجمهوري الذي حل محل نظام أسري لم يقبله الشعب وثار عليه عدة مرات.
- الاعتذار للشعب عما لحق به من فقر جراء الفقر في السياسات الاقتصادية وعدم العدالة في توزيع الثروة الوطنية واستئثار قلة قليلة بعضها جزء منه أو من منطقته أو شريكة له بفوائد مالية غير مشروعة.
- الاعتذار للضباط الذين شعروا بالمهانة بسبب وضع من هو أدنى منهم آمرين عليهم في إطار مبدأ الولاء قبل الكفاءة في الجيش والأمن.
- الاعتذار عن تبني سياسة الإمام بحذافيرها في خلق الفتن بين القبائل واتباع سياسة فرق تسد.
- الاعتذار للشعب ول800 ألف يمني تركوا أعمالهم ومصالحهم في دول الخليج بسبب قراره الخاطئ عقب غزو الكويت واحتلالها من قبل العراق.
- الاعتذار لسكان الروضة عن الخسائر التي لحقتهم والأضرار الصحية التي ابتلوا بها بسبب رغبته في تنمية منطقة جنوب صنعاء المحاددة لمسقط رأسه ورفع قيمة أراضيها، مما أدى لركود أسعار أراضي الروضة.
- الاعتذار عن تزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتنصيب مرشحين منافسين في الرئاسية لكي لا يفوز مرشح غيره.
- الاعتذار عن تفكيك الأحزاب وتفريخ أحزاب وخلق أحزاب صورية تستنزف المال العام لكي يظل العمل السياسي التعددي هشا وضعيفا، وليبقى على سدة الحكم لأطول أجل ممكن.
- الاعتذار عما سببه من دمار للوظيفة الدبلوماسية اليمنية جراء تعيينات غير قانونية أو تهميش كوادر كفؤة، أو جعل الوظيفة الدبلوماسية وسيلة للإرضاء السياسي وإبعاد الخصوم.
- الاعتذار عن توظيف الدين لخدمة أهدافه السياسية.
- الاعتذار للأخدام –المهمشين– لعدم معاملتهم معاملة إنسانية كريمة كمواطنين، واستغلالهم انتخابيا للتصويت له أو للحزب الحاكم.
ومن الله يطلب العفو والغفران.
اعتذار ناقص واعتذارات أخرى مطلوبة
2011-03-07