بانتظار كلمة الفصل للأصدقاء
حسبة معقدة لإعفاء اليمن من مخاطر الانزلاق في الفوضى
*سامي وجيه الدين
ليزلي كامبل المدير الأقليمي للمعهد الديمقراطي الاميركي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مجدداً في صنعاء.. لكن لا شيء جديد على صعيد مهمته، او مهمة فرع مكتبه في صنعاء.. انه يشعر خلال زيارته الحالية انه يسترجع فقط شريط ذكريات الجهود التي بذلها وعدد من الفاعلين الدوليين لبضعة أشهر في صنعاء، بغية حلحلة الأزمة السياسية بين الحزب الحاكم واحزاب اللقاء المشترك قبيل انتخابات ابريل 2009.. تلك الجهود اثمرت اتفاقاً مقتضبا في 24 فبراير 2009، أجلت بموجبه الانتخابات لمدة عامين تجري فيها تهيئة الاجواء، واجراء حوار يفضي إلى اصلاحات سياسية واقتصادية وانتخابية تشمل القائمة النسبية.. كان اسهل ما فيه تمديد فترة البرلمان لمدة عامين، وما عداه كان مرتهنا للمزاج السياسي المتنافر بين مختلف الاطراف..
تعلَّم كامبل من تجربته الطويلة في اليمن، ان السياسيين اليمنيين، يتفقون فقط ليعيدوا انتاج التاريخ ذاته بكل تفاصيله، بل ويبرعون في تحويل الاتفاقات إلى عقد مستعصية على التحليل، في ظل بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية اكثر تعقيداً.. تلك هي الخصوصية اليمنية..
يتكرر اليوم ذات السيناريو الذي سبق ذات انتخابات مفترضة في 2009، حزب حاكم انفرد في إجراءات التحضير للانتخابات: أقر قانون الانتخابات بتعديلاته، شكل لجنة عليا للانتخابات من القضاة دون الحاجة لمرشحين من المعارضة كما في لجنة خالد الشريف السابقة، وهذه اللجنة باشرت بالتحضير للانتخابات دون مقاطعة أي من اعضائها.. دستة وزراء يستقيلون للترشح للانتخابات المؤجلة.. وزيادة على تعقيد السيناريو السابق طرح الحزب الحاكم مشروع تعديلات دستورية مثيرة للجدل، ومع كل ذلك اصرار على المضي في الانتخابات، مع الاحتفاظ بالدعوة للحوار..
في المقابل تتصلب المعارضة عند ذات المطالب القديمة الجديدة: التراجع عن الاجراءات الانفرادية، القائمة النسبية، الحوار، تهيئة الاجواء، وزيادة على ذلك تلويح باللجوء إلى الشارع، وتمسك بالحوار ايضاً..
كامبل لا يجد مع تلك المواقف وفي ظل الظروف الاكثر تعقيدا، سوى التأكيد على الحوار بما يضمن اجراءات انتخابات نزيهة مستحيلة في ظل ما يطرحه الطرفان..
فأمام ضيق الوقت الذي لا يكاد يفي حتى باجراءات التحضير لانتخابات تحظى بحد أدنى من القبول لدى المعارضة، ناهيك عن اصرارها على العودة إلى ما قبل الاجراءات الانفرادية، واعتماد نظام القائمة النسبية، يظهر خيار التأجيل مرة أخرى عبثاً دستوريا صارخاً يستعصي على الوسطاء التوصية به، وبينهما أجندة حوار مثخنة لا تتوافق الاطراف الضليعة فيها على بنودها وترتيب اولوياتها، وهي بحاجة إلى جولات مفاوضات تمتد لسنوات في ظل الخصوصية اليمنية.. إنها حسبة معقدة لخيارات الحل بالنسبة للوسطاء..
بحسب الناطق الرسمي لاحزاب اللقاء المشترك محمد صالح قباطي، فإن كامبل، لا يحمل أي مبادرة للتوفيق بين فرقاء العملية السياسية، فالرجل حتى اللحظة يسعى لاستيعاب المعضلة، ومعرفة كافة الاراء والتوجهات والخيارات المنطقية المتاحة بما يمكنه من بلورة معادلة معقدة مستعصية حتى اللحظة، تحفظ للمعهد الامريكي مهنيته في اطلاق المبادرات واقتراح الحلول ورعاية الاتفاقات..
خرج الاعلام الرسمي باخبار لقاءات كامبل بالرئيس ونائبه، مركزاً على بحث الاستعدادات الجارية لإجراء الإنتخابات النيابية القادمة في موعدها المحدد، وكأن الامر مفروغ منه.. دون أن يُنسب هذه المرة تصريحات للمسؤول الامريكي يؤكد فيها على ضرورة اقامة الانتخابات في موعدها، وهي التصريحات التي كان كامبل يحرص على نفيها خلال مسعى الوساطة السابق..
يتحسر كامبل واصدقاؤه، بل ربما يلومون أنفسهم، أنهم كانوا سبباً غير مباشر في صناعة التأزم القائم، ذلك انهم ركنوا إلى الأطراف السياسية اليمنية لتنفيذ الاتفاق، الذي استغرقوا وقته المفترض في صناعة مزيد من التأزيم والتعقيد بمراسلات وجولات تفاض اصطلح على اعتبارها حوار طرشان، أعاد افراز احتقان ما قبل 24 فبراير 2009، مضافاً إليه مزيدا من تراكمات الفشل في تلك الحوارات، التي كانت بعض جولاتها تحكي جزءاً يسيراً من الحكمة اليمانية المغيبة غالبا، لكنها ما تفتأ تظل طريقها أمام الحسابات المزاجية وتشعب التيارات لدى كل طرف، لتتحول بوادر الانفراج إلى عراقيل أكثر إثارة لحالة الانسداد السياسي.
انتهت مهمة كامبل دون نتيجة.. ليس بمقدور الرجل اليوم في ظل المتغيرات المحلية والاقليمية دون توسيع دائرة التشاور مع ادارة المعهد في واشنطن، وربما معرفة وجهة نظر الحكومة الامريكية..
وبالتأكيد فإن المواقف الامريكية والاوروبية ستتغير في ظل الطوفان الشعبي الذي يعصف بمصر، والذي من بين أهم أسبابه انفراد النظام بانتخابات برلمانية انتجت مجلساً للشعب اشبه ما يكون بلجنة مركزية للحزب الحاكم في مصر... تلك التجربة اضافة إلى تجارب اخرى في الاردن والسودان كانت تمثل دافعاً للنظام اليمني للنزوع بذات الاتجاه، لكن التبعات التي القت بظلالها اليوم على تونس ومصر تجعل الجميع يعيد مراجعة الحسابات، بمن فيهم النظام اليمني واصدقاؤه الغربيين.
مساء الجمعة الماضية وتزامنا مع ثورة الغضب المصرية عقدت اللجنة الدائمة للحزب الحاكم ترأسها الرئيس، وما رشح منها من اخبار هو دعوة رئاسية لاستئناف الحوار عبر رباعية هادي - الارياني – الأنسي – نعمان، وتغليب خيار الحوار بديلا عن المظاهرات.. ولكن حتى مساء الامس لم يستجد في الامر شيء، ومن المستبعد ان يكون هناك مخرج ذي مغزى على المدى القريب جدا يسبق مؤتمر الرياض المزمع مطلع مارس المقبل، غير ان حسابات المحيط الاقليمي ومخاوف عدوى الثورات الشعبية التي تتجاوز الاحزاب والنخب، تضغط على الرئيس، وتساعد الاصدقاء الوسطاء على إيجاد منفذ للتقدم بمبادرات يقدم بموجبها النظام تنازلات جدية تعفي اليمن من الانزلاق نحو الفوضى.
الامريكيون اليوم يتطيرون، خلاف الأمر خلال العقد السابق، من انتشار الفوضى، خلاقة أو هدامة، خصوصاً، في اليمن، البلد الذي باتت اصغر ازماته تورث ارقأ للنظام والشعب الامريكي، وتثير مخاوفه على مصالحه في البلاد.. ليس ذلك فقط بل وعلى أمنه القومي ايضاً.
شهر تقريبا يفصل اليمن وأصدقاءها عن اجتماعهم المزمع في الرياض على مستوى وزراء الخارجية، إن لم تحل الظروف المحلية والدولية دون التئامه في موعده، وفي ظل فتور مقارنة بالاجتماع الفني الذي عقد في نفس الشهر تقريبا من العام الماضي في الرياض..
ما هو راجح حتى اللحظة أن الاصدقاء لن يغامروا باشارة خضراء او صفراء للنظام لاجراء انتخابات انفرادية ستفرز ازمات اكثر تعقيدا مما هو عليه الحال في القاهرة، وربما أسوأ مآلاً مما قد يؤول إليه الوضع هناك في مجتمع ذي تركيبة سياسية واجتماعية معقدة، فضلا عن جملة ازمات سياسية اقتصادية وامنية واجتماعية تتجاذب البلاد، كل أزمة منها بحاجة إلى جهد خرافي لإحداث تأثير إيجابي فيها.
بانتظار كلمة الفصل للأصدقاء
2011-02-01