صنعاء 19C امطار خفيفة

أجندة الوقت الراهن

2011-01-03
أجندة الوقت الراهن
أجندة الوقت الراهن
إزاحة نظام صالح.. ستكون أهم مفردات العام الجديد
عبدالعالم بجاش
يدخل اليمن عامه الجديد 2011 بمشهد سياسي جديد من نوع ما، قوى صاعدة تتأهب ولو نفسيا لأخذ زمام القيادة في حال انهيار النظام.
تكتل أحزاب المشترك نجح حتى الآن في استفزاز النظام بإعلانه اللجوء إلى الشارع لتغييره تفاديا لمصير مظلم يهدد اليمن. موقف استخف به الحزب الحاكم، فالمعارضة لا تمثل مصدر قلق للسلطة.. حتى قادة المعارضة يعرفون أن قدرة أحزابهم على تحريك الشارع محدودة.. تأثير المشترك المحدود في الشارع أبرز نقاط ضعفه، لكن التطورات والتحديات الملحة التي تفرض نفسها بقوة أمام اليمن ونظام الرئيس علي عبدالله صالح، تعطي لتكتل أحزاب المشترك قوة مضاعفة سياسيا. وما يثير قلقا متزايدا داخل النظام الحاكم هو لهجة الخطاب الإعلامي الصاعدة مؤخرا من جانب شخصيات قبلية قريبة من أنظمة خليجية ومؤثرة في طليعة الإصلاح والمشترك، تركز على تغيير النظام وضرورة إنقاذ البلاد.
ما يقلق النظام فعلا أن يكون وراء هذا الخطاب توجه يحظى بدعم من أطراف خارجية مجاورة هدفه إزاحة النظام وتطبيق سيناريوهات جديدة في اليمن، حجر الزاوية فيها استخدام القبائل لإزاحة النظام.
إلى جانب قوى الحراك في الجنوب، الحوثيين، وأطراف قبلية في حالة تكتل مناوئ للسلطة، يضع النظام حسابا لقوى تملك وجوداً فعلياً على الأرض؛ الإصلاح هو الحزب الوحيد المالك قوة بشرية منظمة، والتلويح بدأ باستخدام هذه الورقة من جانب قيادات كبيرة في الإصلاح، فالإصلاح عقد نهاية الأسبوع الماضي، أهم مؤتمراته الفرعية في المحافظات، ويستعد لعقد مؤتمره العام الخامس، فكرة أساسية ظهرت في خطاب مؤتمراته الفرعية، مفادها أن الإصلاح مؤهل لقيادة البلاد وإخراجها من أزماتها. بالنسبة لتجمع الإصلاح هناك تهيئة نفسية جارية على مستويين: الإصلاح وقواعده من ناحية، ومن ناحية ثانية ضمن تكتل أحزاب المشترك، وفيه يشكل الإصلاح عنصر القوة التي تملك القدرة على الفعل في أرض الواقع عند الضرورة.
التهيئة النفسية تجري مع إحساس متنامٍ باتجاه البلاد الى مضيق سياسي اقتصادي أمني خانق يرشح انهيار النظام الحاكم في مرحلة مقبلة، مما يجعل الإصلاح على رأس تكتل المشترك أهم البدائل، وهذا على أساس وجود دور سعودي خليجي قوي للحيلولة دون تمكن نجل الرئيس صالح من الاستحواذ على السلطة عبر انتخابات أو بانقلاب أبيض حال حصول تطورات خطيرة في الأوضاع تهدد بقاء النظام فعليا.. فبينما ستسعى المعارضة لحكومة وحدة وطنية كحكومة إنقاذ مثلاً، يعمل جناح نجل الرئيس صالح منذ وقت لما يمكن أن يغدو دولة طوارئ، وهذا بافتراض الاحتمالات الأسوأ التي تعيق وصوله للسلطة.
في الوقت الراهن: غرور النظام الحاكم يزعج المعارضة، الحوار الوطني كان طريقا الى أفق لأطراف كثيرة، تشكيل حكومة وحدة وطنية كان خيارا، لكن الضغط الخارجي واشتداد الأزمات هو ما يجلب الحزب الحاكم الى ساحة الحوار، وحين تكون السلطة في حالة ضعف وتحس بتهديد أكبر متأتٍّ من سيناريوهات خارجية..
جانب من معاناة الرئيس صالح تتأتى من وجود جيران يدعمون حركات تسعى لتفكيك البلاد.. سعي المؤتمر الى انتخابات برلمانية في أبريل القادم على نحو فاجأ الجميع، يبدو خطوة مدروسة من جانب الحزب الحاكم الذي لم يكن بهذا الإصرار من قبل.. يتعامل المؤتمر ببرود شديد من حملة أحزاب المشترك ضد ذهاب المؤتمر منفردا الى الانتخابات، ويبدو ذلك للمشترك انتحاراً سياسياً للمؤتمر.
السؤال: لماذا يغضب المشترك اذا كان منافسه ذاهباً إلى حتفه؟ ألا يؤمّن انهيار مفاجئ للحزب الحاكم طريقا أسرع للمعارضة إلى كرسي الحكم باعتبار الفراغ السياسي الذي سيحصل ووجود المشترك كخيار بديل؟ قد تكون حاجة السلطة ملحة الى مكسب سياسي أكبر مما نالت بعد نجاح بطولة خليجي 20.. إنزال ضربة ثانية بالحراك الجنوبي، ليظهر للعالم أن الحراك جماعات صغيرة لا تمثل الجنوب.. اكتساب مشروعية تلجم خصوم السلطة الذين يدعون فقدانها الشرعية.
بكل الأحوال؛ إصرار الحزب الحاكم على إجراء الانتخابات في موعدها خطوة استباقية، فالمنطقة العربية كلها مقبلة -بعد الاستفتاء على مصير جنوب السودان 9 يناير- على مرحلة جديدة الاتجاه الرائج فيها هو الانفصال.
من دون إجراء الانتخابات وحصول المؤتمر على نسبة كاسحة من مقاعد البرلمان في الشمال والجنوب، سيواصل الحزب الحاكم صراعه مع الحراك الجنوبي وهو فاقد الكثير من لياقته، ومنهك، فيما سترفع استفتاء السودان واستقلال جنوبه من معنويات الحراك خلال العام الجديد، والأفضل لنظام صالح وضع حد لآمال الحراك وتطلعاته قبل أبريل 2011.
****************
خليجي 20، انتخابات أبريل: فارق التحدي الأمني
ضمان أمن بطولة رياضية سهل حين يقارن بتأمين انتخابات مؤهلة لأن تصبح ساحة مواجهة لإثبات الوجود
قدرة النظام على تأمين بطولة رياضية ليس بالحافز الكافي كي يقرر الحزب الحاكم إجراء الانتخابات واثقا من قدرة الأجهزة الأمنية على تأمين سلامتها ونجاحها.
الحراك توعد بإفشال الانتخابات في الجنوب.. وهو بذلك يفرض تحديا أكبر أمام النظام الحاكم وأمام نفسه.. علينا إذن أن ننظر إلى تحدي أبريل 2011 بشكل مختلف، إنه بمثابة تحدٍّ لإثبات الوجود بالنسبة للحراك، كما هو تحدٍّ لفرض السيطرة وتعزيز شرعية النظام ضد من يقولون إنه فاقد الشرعية.. الفشل له عواقب كبيرة.
كتجربة تقبل التكرار في اليمن، تعطي الانتخابات المصرية حافزا جيدا للسلطة التي ما تزال بحالة نشوة نصرها السياسي في خليجي 20.. بالمقابل، وكتجربة ملهمة للحراك الجنوبي في اليمن، تأتي تجربة السودان المقبل بعد أيام؛ في التاسع من يناير، على استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، باتجاه انفصاله عن الشمال دون شك.. وستصبح النزعات الانفصالية عدوى سياسية واتجاهاً رائجاً في المنطقة.
بإصراره على إجراء انتخابات أبريل 2011، يريد الحزب الحاكم في اليمن خطوة استباقية لقطع الطريق على سيناريوهات شبيهة بتجربة السودان، وقد تكون للمؤتمر أهداف ثانية، لكن سعيه للانتخابات يجعل شرعيته في مركز أقوى ل10 أعوام على الأقل، كما سيتضمن ذلك إنزال ضربة قاصمة للحراك. ولا يأتي إصرار المؤتمر الحاكم من فراغ ما لم يكن بحوزته خطة أمنية محكمة.
دورة كأس الخليج ال20 كانت تمرينا على قدرة النظام على ضبط الأمور في الجنوب في الأوقات العصيبة، ما من شك أنها خطوة مدروسة لاسيما أنه خلال مرحلة الاستعدادات في اليمن لاستضافة البطولة، وقبل فترة على موعد انطلاقها، كانت الخطة الأمنية هي الشيء الوحيد المنجز من وقت مبكر، وما عدا ذلك فإن النظام الحاكم نفسه قد شك بقدرته على الانتهاء من المنشآت اللازمة في الوقت المحدد، ولذلك شاهدنا منشآت كثيرة من فنادق وملاعب غير جاهزة تماما، والعمال استمروا يعملون وعلى عجل ليل نهار حتى أثناء أيام البطولة، لكنها آتت أكلها على الأقل، السلطة احتفت كثيرا بالمكسب السياسي الذي تحقق.
غير أن ضمان أمن بطولة رياضية سهل ولا يقارن بتأمين انتخابات مؤهلة لأن تكون ساحة مواجهة كبرى لإثبات الوجود، بين الحكومة والمعارضة من جهة، وفقا لتهديد المعارضة بالعمل ضد إجراء الانتخابات، لكن المواجهة بين الحكومة والحراك هي ما يجب أن تقلق بشأنه السلطة، لأن الحراك سيقاتل بضراوة هذه المرة، ولديه دافع قوي لإثبات وجوده في الجنوب، ووضع الحكومة في موقف حرج. إنه السبيل الوحيد للتقدم في مشروعه الانفصالي على طريق السودان، والوسيلة لكسب متعاطفين من الأطراف الخارجية، وكذلك للإبقاء على أطراف في دول خارجية متعاطفة أو ممولة للحراك يمكن أن تصاب بخيبة أمل إذا استطاعت صنعاء إثبات وجهة نظرها للعالم مرة أخرى من أن الحراك لا يمثل جماهير الجنوب؛ غير مؤثر ولا قوي على أرض الواقع.. هذا ما تكسبه السلطة اذا استطاعت إجراء انتخابات بنجاح لاسيما في المناطق الجنوبية حيث يتوعد الحراك بإفشالها.
فارق التحدي الأمني واضح: ففي بطولة خليجي 20 التهديد كان ممثلاً في القاعدة والحراك.. كان على الحكومة القلق بشأن القاعدة، أما الحراك فما كان ليقدم على أي عمل يمس فعالية هامة بالنسبة لدول الخليج شعوبا وأنظمة، لاسيما أن الحراك بأمس الحاجة للخليج، وربما يحصل على تمويل من أطراف خليجية، كما تقول السلطة وتعبر عنه تكرارا تصريحات الرئيس صالح.. أمر شائع عن بعض قادة معارضة الخارج وثيقي الصلة بأطراف الحراك الجنوبي المنادين بالانفصال، صلاتهم القوية بأطراف خليجية.
وإذن، لقد سمح الحراك بنصر سياسي سهل للرئيس صالح في خليجي 20، أو أنهم ليسوا أقوياء بما يكفي كما يصورون أنفسهم، أو أنه لم يكن أمامهم غير السماح بذلك، فقد كانوا في موقف صعب:
إقدام الحراك على عمليات عنف بهدف إفشال البطولة أو لإثبات وجود أقوى على أرض الجنوب عمل يضر مصالح الحراك وعلاقته المفترضة مع الخليج أكثر من الضرر المحتمل على نظام الرئيس صالح بغية وضعه في موقف حرج.
مهما كان الأمر: تحدي أمن بطولة خليجي 20 غير تحدي الأمن في انتخابات أبريل 2011، الفارق هائل؛ المعادلة كانت مضبوطة في الحالة الأولى بل محكمة بحيث إن الحراك كان سيدمر كل صلة له مع الخليج، ويفقد مصالحه المفترضة مع الأطراف الخليجية لو أقدم على ممارسة أعمال عنف في بطولة رياضية هي الأكثر شعبية في دول الخليج، فأكثر من ظهور الرئيس صالح بمظهر الفاشل أمام قادة دول الخليج، وظهور الحكومة اليمنية هشة وغير مسيطرة في الجنوب، كان الحراك ليخسر أكثر ويبدو مجموعة من الإرهابيين.
هكذا كان خليجي 20 كماشة فعلية للحراك، نجحت الحكومة في إثبات وجهة نظرها للخليج بشأن أن الحراك مجموعة من العناصر لا ثقل لهم في الجنوب ولا يمثلون الجماهير في المناطق الجنوبية.. جاء رد الفعل الخليجي كما تريد صنعاء، فالإعلام والجمهور الخليجي تحدثوا كثيرا عن أن البطولة كشفت أن كل ما قيل عن اليمن وتدهور الأمن خصوصا في الجنوب كان زائفا، مبالغا فيه وتهويلاً إعلامياً ليس إلا.
فرصة الحراك في تحقيق مكسب سياسي كانت في المراحل الأولى خلال السجال بين اتحادات كرة القدم في دول الخليج واليمن. رفض البعض تنظيم البطولة في اليمن باعتباره بلداً غير جاهز وغير آمن.
الهاجس الأمني كان حاضرا بشكل طاغٍ، ومصدر ذلك الاضطرابات في الجنوب من مصدرين: القاعدة والحراك.. برز الحراك في الواجهة وبصورة قوية، إذ يعتقد أن لديه قاعدة أكبر من الموالين، كان يحتسب مصدر تهديد مفترض لأمن البطولة، ما قد يؤدي الى فشلها. والحراك تماهى مع الدور المفترض.
ولو أن تقرير مصير البطولة أخذ طريقا آخر لصالح نقل البطولة الى البحرين بدل اليمن للأسباب الأمنية والجاهزية المتعلقة بالمنشآت؛ ملاعب وفناق، لأتى ذلك بمكسب سياسي جاهز للحراك ما يوازي مكسب سنوات من نشاطه.
استدراكاً؛ يصبح التحدي الأمني في انتخابات أبريل القادم، بالغ التعقيد، في ظل ظروف دولية على المستوى العربي، تعطي لطرفي الصراع؛ السلطة والحراك، دوافع وآمالاً.

إقرأ أيضاً