المحامية والناشطة الحقوقية عفراء حريري لـ"النداء"
أقرت محكمة استئناف عدن، الأحد الفائت، إلغاء الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة المنصورة مطلع أبريل 2010، والقاضي بعدم ردم البحر، في القضية التي كان طرفاها إدارة المنطقة الحرة بعدن وأحد المستثمرين من جهة وجمعية حماية البيئة وفريق ائتلاف الشباب للدفاع عن حقوق الإنسان من جهة ثانية.
ولتسليط الضوء على القضية التقت "النداء" المحامية عفراء حريري رئيسة فريق ائتلاف الشباب للدفاع عن حقوق الإنسان، المترافع في القضية، لتتحدث عن القضية والحكم الأخير وقضايا أخرى ذات علاقة بها، فإلى الحصيلة.
حوار: فؤاد مسعد
> نبدأ من قضية ردم البحر، كيف تقرؤون الحكم الصادر مؤخرا عن محكمة الاستئناف؟
- الحكم الصادر في قضية ردم البحر لا يقرأ أساسا، لأن ما من حكم يصبح حكما إلا بموجب إجراءات قانونية صحيحة وسليمة تستند في أدنى معاييرها إلى مبدأ مساواة المتقاضين أمام القضاء، فالحكم لم تحدد جلسة سابقة له تعلن بأن الجلسة هي جلسة حكم، أي لم يرفع الاستئناف في الجلسة السابقة للحكم على أن الجلسة التالية هي جلسة حكم، الحكم الصادر لم تسبقه مرافعات، لم تسبقه أية استفسارات هل لدى المتقاضين طلبات يريدون تقديمها، أو وثائق أو أي شيء مما يقتضيه قانون المرافعات والتنفيذ المدني.
> هل كنتم تتوقعون صدور الحكم بهذه الصيغة؟
- بالنسبة لي نعم، لأنه نادرا ما يتسم القضاء في اليمن بالعدل خاصة حين تتعلق القضايا بمرافق الدولة أو أصحاب النفوذ والسلطة والوجاهات والمال، حتى إنه لم يشكل صدمة، لأن ما يحدث في المحاكم من مخالفات وخروقات وتعديات وانتهاكات للدستور وللقانون أمور أصبحت بديهية ولا يستغربها أحد.
> كيف تقيمون سير إجراءات التقاضي؟
- لم تكن هناك إجراءات تقاضٍ قانونية، وبالتالي لا يمكن أن يكون لدي أي تقييم، لأن التقييم يتم حين تكون هناك هيبة للدستور والقانون، حين يكون هناك إحساس بالمسؤولية تجاه المصلحة العامة وحقوق الناس، حين تكون هناك مخافة من الله، أقلها بأن نلتزم بالدستور وبالقانون، وليكن الحكم أي شيء في ما بعد. هذه هي المعايير التي نقيم عليها إجراءات التقاضي.
> ماذا بخصوص دراسة الأثر البيئي الذي كانت المحكمة تنظر فيه قبل صدور الحكم؟
- دراسة تقييم الأثر البيئي.. افتقرت لكل مواصفات ومتطلبات الدراسة سواء على مستوى القانون الوطني أو الاتفاقيات الدولية، بدليل أن الخبير المحايد الذي انتدبته المحكمة أوصى في ملخص حديثه علنا وجهارا في الجلسة بعدم ردم البحر، فما بالك إن قلت لك إن من أهم متطلبات وشروط دراسة الأثر البيئي أن يكون الناس (المواطنون/ المواطنات)، مؤسسات المجتمع.. الخ على علم بهذه الدراسة ونتائجها ومخاطرها المستقبلية على المدينة وسكانها، لأنهم أصحاب المصلحة ومن سيلحق بهم/ بهن الضرر.
> يتهمكم البعض بعرقلة الاستثمار وافتعال معارك ونزاعات قضائية مع المستثمرين. ما ردكم على ذلك؟
- لا ثأر لي على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي مع أحد أيا كان في هذه البلاد حاكماً ومواطناً، ولا مصلحة لي بعرقلة الاستثمار، بالعكس أنا أشجع الاستثمار، ولكن بما لا يضر حقوق الإنسان حاضرا ومستقبلا، وبالبيئة، أنا مع الاستثمار وفقا للمعايير الدولية والوطنية، مع الاستثمار الذي يلتزم بالدستور والقانون، فأي استثمار هذا: بناء نادٍ رياضي للنساء، وأبراج سكنية في حين الغرض من الاستثمار هو جذب السياح وازدهار السياحة؟ وهذا الاستثمار لم يجد سوى تلك المنطقة الرطبة المدخرة بالكائنات الحية وغيرها، ناهيك على كونها حرم الميناء الذي مات باسم الاستثمار أيضا، وهو يمتلك مقومات طبيعية "منحة من الله" كي يصبح ميناء، ولذلك كان بالأمس ثاني أو ثالث ميناء في العالم، وضع على ذلك ألف علامة استفهام.
يا أخي أريد أن أعرف ما الذي يضر إذا تم الالتزام بالدستور والقانون؟ العالم الآن يتجنب جميع المخاطر التي تلحق الضرر بالبيئة "الاحتباس الحراري، ارتفاع منسوب البحر، ذوبان الجليد، وهلم جرا"، ونحن نتعمد إلحاق الضرر بأنفسنا، وانظر أمامك أين أصبح الخليج العربي وأين نحن؟ ها هي قطر تضع خططا لعام 2022 دون أن تلحق ضررا بأحد، ودون أن تمس حقوق أحد، ولا يغضب ذلك أحداً؟ ونحن لا نستطيع سوى أن ننظر إلى كم سنحقق من ربح. العالم يخطط للمستقبل لمئات السنين، ونحن بالكاد نتذكر أمس، أنا أستغرب ما الذي يؤذي إن أحببت وطني وكان عندي أحلام بأن يكون الأفضل والأروع؟ كل الأرض تكفي للاستثمار لماذا البحر؟ لسنا ضد الاستثمار، ولكن ضد من يعتدي على البيئة خلافا للدستور والقانون. وكفانا عبثا بعدن.
> ألا يأتي تركيزكم على أراضي المنطقة الحرة في سياق الخلافات الناشبة بين إدارة المنطقة وبعض مراكز السلطة؟ ويخشى البعض من توظيف جهودكم في إطار تصفية الحسابات بين مراكز النفوذ السياسي والتجاري، ما قولكم في ذلك؟
- أكرر مرة ومرتين وملايين المرات.. لا شأن لي بخلافات المنطقة الحرة وبعض مراكز السلطة، فهؤلاء وأولئك لهم علاقاتهم ومصالحهم ورؤيتهم، ولي رؤيتي ورأيي، وإن سألتهم جميعا كلا الطرفين لن يجرؤ أحدهم أن يقول بأن لي مصلحة خاصة وشخصية معه أو ضده، فلكم دينكم ولي ديني.
> ماذا عن ردم البحر في المناطق الأخرى غير "كالتكس"؟ ما موقفكم منه؟ وهل تلجؤون للقضاء؟
- نعم سنلجأ للقضاء، فلا تنسى المملاح، وغير المملاح، وهذه حقوق اقتصادية وأخرى اجتماعية وثقافية للإنسان، ولا يمكن المساس بها. ولكن للأسف ما يؤلم هو صمت الناس عن حقوقهم وجهلهم بهذه الحقوق. ونحن نزاول نشاطنا في إطار الدستور والقانون ومصادرهما، ولم نتجاوز أي خط أحمر.
> عدن اليوم تعيش الساعات الأخيرة من فعاليات خليجي 20، وأنت في الأسبوع الماضي كتبت مقالا مغايرا وفي الاتجاه المعاكس لحالة الفرح والأعراس التي تشهدها المدينة؟ ما الذي دفعك لذلك؟
- أنا كتبت عن إحساسي ومشاعري، ومن إحساسي ومشاعري، وأستغرب أن تقول لي حالة فرح وأعراس في حين أني استلمت رسائل في الإيميل والهاتف لا حصر لها.. في معظمها تقول باختصار: "لقد عبرت عما فينا..". وإلى الآن ما زال الكثير من الناس يطلبون نسخاً من المقالة، بلا شك ليتعرفوا على حالة الفرح.
> إذا كنت تقصدين الانتشار الأمني فالسلطات تعده ضروريا لاستتباب الأمن وردع من يلحقون الأذى بالسكينة العامة؟
- لا يمكن أن تتفق المظاهر العسكرية والفرح والأمن إطلاقا.
> ما تقييمكم لأداء منظمات المجتمع المدني في عدن، خصوصا في النشاط الحقوقي؟
- للأسف سلبي جدا.. فكل منظمة في وادٍ.
> ألا يوجد تنسيق وتعاون بين هذه المنظمات؟
- نحن دائما نسعى لذلك، وبدأنا مع بعض الجمعيات والمنظمات، وفي الغالب نجد الصد والتردد، على الرغم من أننا متنازلون حتى عن الزعامة كما يظن البعض ويتقول بأننا نبحث عنها، هذه مشكلة منظمات المجتمع المدني لأنها نسخة من الأنظمة السياسية العربية، فإن بادرت أنت للتنسيق والتعاون ظنوا أنك تريد الزعامة، وإن تنازلت ترددوا، وإن قبلت بكل الشروط تخوفوا.
> ما هي أبرز المعوقات أمام إنشاء تحالف أو تشبيك بين المنظمات المدنية بعدن؟
- نحن نتمنى أن نخلق تحالفات وتشبيكاً كالمنظمات في صنعاء، ولكن في عدن كل شيء خاضع لسوء الظن والتشكيك والتكذيب والأقاويل "النميمة"، فتلفيق التهم ثم التسييس.
> كلمة أخيرة تودين قولها..
- لكل أصحاب القرار، لكل الناس البسطاء: نتمنى أن نعيش في دولة يسودها النظام والقانون، لم نقل توقفوا عن الفساد، لأننا لن نستطيع مكافحته في ظل الصمت والخوف والذل والترهيب، لكن قننوه كما يفعل غيركم، أقلها نحافظ على القدر اليسير من حقوقنا وكرامتنا الإنسانية كما يعيش غيرنا في أنحاء العالم. لا تقولوا لي نحن أفضل من البعض، أقول لكم ممن؟ فنحن في ذيل القائمة وبعدنا تأتي "العراق، أفغانستان، الصومالـ"، وهذا لن يضر أحداً منكم في شيء.
المحامية والناشطة الحقوقية عفراء حريري لـ"النداء"
2010-12-07