أحمد درويش في إنتظار عدالة متعثرة
بعد امتناع المتهمين عن الحضور أمام النيابة تأخذ القضية مساراً تصاعدياً في الخارج، و"الشقائق" ومنظمة دولية يكلفان طبيباً شرعياً في جنيف بالعمل على إصدار تقرير حول أسباب الوفاة، والنائب العام يوجه إدارة أمن عدن بالكف عن التدخل في مسار القضية
* ماجد المذحجي
صبيحة يوم 24/6/2010 كان أفراد من الأمن المركزي يعتقلون أحمد درويش، هو وآخرون، من منزل أحد جيرانه في حي السعادة في منطقة خور مكسر بعدن، وفي صباح اليوم التالي 25/6/2010 تلقى أنور درويش اتصالاً من إدارة البحث الجنائي يطلبون منه القدوم لإسعاف شقيقه أحمد. أنور الذي قدم سريعاً لإدارة البحث شاهد فور وصوله شقيقه ممداً على الأرض وغارقاً في دمائه. لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، كان أحمد في النفس الأخير وهو يخبر شقيقه أنور، المحاط بكثافة بعناصر البحث، أن أحدهم قام بحقنه ليتقيأ بعدها دماً طوال الليل. وقبل أن يخبره أي تفاصيل أخرى كان قد فارق الحياة بين يديه.
لم يتجاوز الزمن الفاصل بين اعتقال أحمد درويش في حي السعادة ووفاته على أرضية إدارة البحث الجنائي في عدن، ال24 ساعة، ولكنه كان كافياً تماماً ليتفرغ القتلة للتنكيل به وتعذيبه بوحشية وسادية مرضية. إن جثة أحمد النائمة حتى الآن في مستشفى الجمهورية التعليمي منذ أكثر من شهر، ممتلئة بالأدلة على اعتداء قصدي وممنهج استمر طوال الليل أثناء احتجازه في سجن البحث الجنائي بعدن.
لقد أثار التعذيب الوحشي الذي تعرض له درويش وأفضى إلى موته موجة تضامن أهلية في حي السعادة، والجنوب، توجت بسرادق مفتوح في الشارع لتلقي العزاء، وهو ما استمر لفترة من الزمن عنواناً لاحتقان وغضب واسع، يُضاف إلى أسباب الغضب الجنوبي المتعددة، قبل أن تمارس...
السلطات ضغطاً شديداً لإقفال هذا السرادق مع تقديم الوعود لأسرة درويش بتقديم الجناة إلى العدالة، وذلك ما تبدو الوقائع حائلة دون تحققه حتى الآن.
في يوم الثلاثاء 20/7/2010 استلمت إدارة أمن عدن أمراً من نيابة استئناف عدن، بناءً على طلب وكيل نيابة صيرة المختصة في النظر بالقضية، بإحضار عدد من المتهمين بواقعة تعذيب وقتل أحمد درويش، وهم أفراد طقم الأمن المركزي الذي كان مرابطاً يوم 24/6/2010 في إدارة البحث، والسجان "م.أ"، للمثول أمامها يوم الاثنين 26/7/2010. تم استلام أوامر النيابة والتوقيع عليها، ولكن ما لم يتم هو مثول المتهمين أمام النيابة.
قبل ذلك طلبت النيابة العامة تصوير جثة أحمد درويش من كافة النواحي، وإجراء الأشعة المقطعية على كل أجزاء الجثة عن طريق الطبيب الشرعي، لإعداد التقرير الشرعي الذي يظهر أسباب الوفاة، وكان أن تم تصوير الجثة، بتواجد كثيف من عناصر البحث الجنائي إلى جوار أسرة درويش ومحاميه. نتائج الأشعة أفصحت عن وجود كسور في قفصه الصدري، وهو ما لم ينل استحسان الحضور الأمني الذي طلب إعادة الأشعة في اليوم التالي، وكان أن تم ذلك لتظهر النتيجة ذاتها، ويتكرر نفس الاستنكار الأمني لنتيجة الأشعة، ليبادر عناصر إدارة أمن عدن في اليوم الثالث بإحضار طبيبين، بدون أمر أو علم النيابة العامة، وبحضور كثيف لرجال الأمن السياسي والقومي والبحث الجنائي، لمعاينة الجثة، بالتنسيق مع الشؤون القانونية في مديرية أمن المحافظة، كما أفادوا أنور درويش الذي كان حاضراً لاستخراج التقرير الشرعي النهائي واستلام الجثة لدفنها، ليرفض القيام بذلك احتجاجاً على تدخلات أمن عدن في القضية من خارج القانون، ويتقدم محاموه بشكوى إلى النائب العام عن تدخلات مدير أمن عدن في شؤون القضاء. عقب ذلك وجه النائب العام خلال الأسبوع الماضي تنبيهاً واضحاً إلى إدارة الأمن بعدم التدخل في المسار القضائي للقضية، ولكن ما يبدو جلياً حتى الآن هو أن هذه التدخلات الأمنية في مسار القضية معنية بإنجاز أمر واحد: الإفلات بالجناة من العقاب، والمضي بواقعة تعذيب وقتل أحمد درويش خارج مسار العدالة.
من جهة أخرى، تبنى منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان الذي زار أسرة الضحية في عدن، تصعيد ملف القضية ضمن القنوات والمنظمات الحقوقية الدولية، حيث قام بإيصال ملف القضية إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص بمناهضة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والحاطة بالكرامة، إضافة إلى عدد من المنظمات الدولية المهتمة بمناهضة جريمة التعذيب، والتي أبدت اهتماماً شديداً بالموضوع، ويتم الآن العمل من قبل الشقائق والمجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب، على تكليف طبيب شرعي في جنيف لإصدار تقرير شرعي أولي حول واقعة التعذيب التي تعرض لها أحمد درويش اعتماداً على الصور التي التقطت بأمر النيابة العامة للجثة من كافة النواحي، والتي تظهر آثار التعذيب على الجسم بوضوح.
بالتأكيد لدى اليمن سجل سيئ في التعذيب، وإلى جوار الاشتباه المستمر بوجود تعذيب ممنهج في جهازي الأمن السياسي والقومي، يطال المعتقلين السياسيين فيهما، فإن البحث الجنائي يعتبر ضمناً "الجنة الحاضنة" للتعذيب والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية في اليمن، وتفصح قضايا التعذيب المتعددة التي كشف عنها وكان طرفها البحث الجنائي، عن وجود ممارسة تعذيب منظمة تطال المحتجزين فيه، وهو ما يجعله متصدراً قائمة "المعذبين" وطنياً، وعلى الرغم من كل ذلك فما يزال هذا الجهاز الأمني خارج المساءلة والمحاسبة، مسجلاً المزيد من النقاط في سجل سوء السمعة الوطني.
أحمد درويش في إنتظار عدالة متعثرة
2010-08-09