الأسمدة والمبيدات "النعش المحتوم" لكارثة هلاك سكان البلدان المستخدمة لها
* حسين مثنى العاقل
تواصلاً مع قراء صحيفة "النداء" الغراء، حول ظاهرة الأخطار الكارثية والنتائج المأساوية المؤكد حدوثها، بفعل جريمة الاستخدام العشوائي والفوضوي لمركبات الأسمدة الكيماوية وسموم المبيدات المحرمة دولياً، والتي أثبتت البحوث والدراسات العلمية، النظرية منها والتطبيقية، أن هناك مؤشرات حقيقية لا يجوز الاستهانة بها ولا يقبل تجاهلها في ما ستحدثه هذه السموم القاتلة، والتي لا تقتصر نتائج هلاكها لمختلف الكائنات الحشرية، التي لم يخلقها الله سبحانه وتعالى عبثاً وضراً، بل خلقها لتؤدي مهام بيئية وطبيعية، ليس من حق الإنسان إبادتها والتخلص منها بحسب هواه ومزاجه العدواني، وإذا كان الإنسان يعتقد أنه بفعله هذا سيبيدها بسمومه، فإنه لن يسلم هو ذاته من مخاطر كوارثها المميتة، وعلى وجه الخصوص الذين يستخدمون هذه الأسمدة والمبيدات في رش محاصيلهم الزراعية وتخصيب التربة، حيث سيعم تأثيرها سكان جميع البلدان المفتوحة والمستباحة لاستيراد نعوش موتهم المحتوم بكل جهل وغباء.
وما سأعرضه هنا من وقائع مثيرة، ليست سوى معلومات جمعية، لا أستطيع إثباتها والتحقق من صحتها بحسب الشروط البحثية والضوابط المنهجية المتبعة في الدراسات العلمية، أو على الأقل دعمها بالمراجع والمصادر، التي تجعلني في منأى من مزاعم التهويل. ومادام الأمر كذلك، وسبق لي التماس العذر من المتخصصين في مجالات العلوم الإنسانية والزراعية والعلمية، وما سأطرحه من معلومات هو عبارة عن حقائق تمنحني حق الاعتقاد بأن هناك مخططات استراتيجية بعيدة الأهداف تسعى إليها البلدان والشركات المصنعة، القصد منها القضاء التدريجي وبطرق بطيئة لإبادة شعوب البلدان الأكثر تخلفاً والأقل نمواً اقتصادياً، ومن أبرزها سكان الجمهورية اليمنية.
ولكن كيف سيتم ذلك؟
سيتم ذلك يا أولي الألباب وكل ذي بصيرة وصحوة ضمير، ويا من تعز عليكم حياتكم وسلامة أرضكم، أن الدراسات العلمية والخاصة في مجال الطب البشري وغيرها من المجالات المهتمة بالعلوم الإنسانية، تشير إلى أن النتائج المختبرية والتحليلات المستنتجة من عينات الفحص المتعلقة بالجهاز العضوي والصفات الطبيعية للهرمونات والإفرازات التناسلية الخاصة بعمليات الإخصاب الجنسي لدى من يتناولون جرعات متواصلة -مهما كانت قلتها- من سموم المبيدات بواسطة الخضار والفواكه وأغصان القات الغضارية الرطبة، وما تحتويه من عصارات غذائية ونشوية وتكييفية، تترسب في مسالك الجهاز التناسلي، فتُحدث تشوهات وعيوباً خطيرة على إفراز الحيوانات المنوية، وتضعف درجة الإخصاب لدى الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، والنتيجة المؤكدة أن المواليد الذين سيخلقون إلى دنيا الحياة من آباء وأمهات مدمنين على تناول هذه السموم في موادهم الغذائية، وعلى وجه الخصوص "القات"، المستهلك في عملية رشه أكثر من 64 نوعاً من مركب مادة برايمي ثويت Bramy thoat، وهو من أشد المواد الكيماوية سمية، سيكون أبناؤهم أقل مقاومة ومناعة في مقاومة الأمراض، وذلك بسبب ضعف تركيب قدراتهم الجسمية مقارنة بقوة ومناعة آبائهم وأمهاتهم، وهذا الجيل الحامل لضعف المناعة، سيخلف جيلاً آخر أكثر ضعفاً وإنهاكاً، حيث تتعاقب الأجيال بعد ذلك في سلسلة من الأبناء المترهلين والضعفاء، طاقاتهم العملية والفكرية مصابة بتشوهات خلقية، تتعرض للإجهاد بسرعة لمجرد قيامها بأعمال عضلية بسيطة، ومع استمرارية توارث هذه الإفرازات من جيل إلى آخر، فإن العواقب كما تؤكد الدراسات ستكون نتائجها الحتمية، انقراض أو اجتثاث الصفات والمكونات الطبيعية لأجيال سكان البلدان المستهلكة والمفرطة في استخدامات الأسمدة والمبيدات، وبالتالي حدوث الكارثة الحتمية التي تتوقع الدراسات أن تستمر خلال سنوات أعمار ما بين 4 إلى 7 من الأجيال، وكل جيل سيكون معرضاً لتناقص سنواته العمرية عما سبقه، إلى أن -لا سمح الله- يهلك الناس من على أرضهم بسبب قتل أنفسهم بأيديهم.
وحتى لا يتحامل على هذه التوقعات الكثير ممن لا يصدق وقوع هذه الكارثة، فيعتبرها ضرباً من الأوهام والخيال المسرف.. ثم يتساءل مع نفسه أو مع زملائه، عن مصلحة الشركات المصنعة لمثل هذه الأسمدة والمبيدات في إبادة سكان البلدان النامية المتخلفة والأقل نمواً اقتصادياً، وعن هدفها الاستراتيجي من هذه الجريمة الشنعاء إن ثبتت صحتها.
وللإجابة على النوايا المقصودة من فعل ذلك، يمكننا التذكير بما يلي:
هل تذكرون "النظرية السكانية المالتوسية" التي جاء بها القس الإنجليزي توماس مالتوس في نهاية القرن ال18، وملخصها أن سكان الأرض الفقراء خلقوا هكذا وليس من حقهم أن يطالبوا الأغنياء بشيء، لأن الله خلقهم أغنياء، وبالتالي فما توفره الأرض من موارد اقتصادية لا تكفي في نموها السنوي مقارنة بالزيادة السكانية المتسارعة بمعدلات حسابية تفوق إنتاج الأرض من الخيرات المادية.
ودعا في ضوء هذه الفكرة الجهنمية البلدان المتقدمة والمتطورة اقتصادياً إلى ضرورة تشجيع الحروب الأهلية، وعدم مكافحة الأوبئة والأمراض المعدية المتفشية في الوسط الاجتماعي للبلدان النامية. وبرغم الانتقادات الحادة لهذه النظرية، فقد ظهرت بعدها نظريات كثيرة تدحض المزاعم التي جاءت بها النظرية المالتوسية -البرجوازية، وأثبتت مدى قدرة الكرة الأرضية على توفير الخيرات المادية والغذائية لسكان مختلف البلدان الغنية والفقيرة إذا أُحسن استغلالها.
والفكرة التي نريد توضيحها: هي أن الأفكار التي ساقها مالتوس ولاقت حظها من الانتقادات والرفض القاطع للحلول التي طرحتها للتخلص من الفقراء والمصابين بالأمراض وسوء التغذية في البلدان النامية، لكي تبقى الأرض خالية من الأوبئة والملوثات ومن الأفواه الجائعة، ولا يعيش فيها سوى الأصحاء والأقوياء والأغنياء، فقد ظلت هذه العقلية الرأسمالية والبرجوازية بما تحمله من نوايا عدوانية تجاه شعوب البلدان الفقيرة، تطرح البدائل الممكنة لتنفيذ هذه الأفكار المالتوسية الجهنمية، بطرق وأساليب أكثر إنسانية، اهتدت بعدها إلى الموت البطيء الذي يطلق عليه "موت الرحمة"، والمتمثل بتصنيع المواد السامة وتصديرها إلى البلدان (الضحية) التي بسبب جهل وتخلف شعوبها وإفراطهم الجائر وغير المدروس في عمليات الاستخدام للأسمدة والمبيدات، فإن الهدف الاستراتيجي للفكرة المالتوسية لن ترتكب نتائجها في المستقبل القريب بواسطة الفعل الإجرامي المباشر للدول الرأسمالية، ولكن بواسطة شعوب تلك البلدان ومن ذات أنفسهم.. فهل اتضحت لكم الحقيقة؟
ومن أجل أن تكون الصورة أكثر وضوحاً، يمكن تلخيص جوهر الهدف المطروح على النحو الآتي:
- إذا كان إجمالي عدد دول العالم حوالي 193 دولة، منها تقريباً 120 دولة يطلق عليها بمجموعة البلدان النامية، ومن بين هذه المجموعة حوالي 22 دولة يتصف نموها الاقتصادي بالتدني والتراجع مقارنة بنمو سكانها السنوي المرتفع، بمعنى أن المعدل السنوي لمستوى النمو الاقتصادي الذي يتحدد عليه مستوى الدخل الاجتماعي، يكون في حالة تدهور وانخفاض، بينما النمو السنوي للسكان يكون في حالة تزايد بصورة تفوق ما يتاح لهم إنتاجه واستهلاكه من موارد غذائية.
- طالما وشعوب تلك البلدان الفقيرة، يعيشون فوق مساحات واسعة من الأراضي المحتوية على موارد كبيرة من الثروات والخيرات، لكنهم بحكم عدم احترامهم للعمل المنتج والاستغلال الأمثل لما في سطح وباطن بلدانهم من كنوز ومصادر وفيرة للثروات، واعتمادهم المزري على الشحت والتوسل والاستجداء بطلب المساعدات والقروض من البلدان الغنية والبنوك الدولية، ومن الهيئات والمنظمات العالمية، بصورة تبعث على زيادة الأعباء للبلدان الغنية، فإن الشروع بضرورة التخلص منهم للحصول بعد ذلك على ثرواتهم والاستفادة من استغلال أراضيهم الحاوية على مخزون احتياطي هائل من مختلف المعادن والثروات، يعد أمراً مشروعاً ومباحاً.
- يقول بعض الغاضبين، ومنهم العنصريون، إن شعوب البلدان الفقيرة والواقع أكثر من 60٪_ من سكانها تحت خط الفقر الدولي، يعتبرون المصدر الأول والخطر البيئي لمعاناة التلوث على وجه الكرة الأرضية، فكل مشاكلهم وصراعاتهم واستخدامهم العبثي لمواردهم، وترهلهم واتكاليتهم على مساعدات الغير، تستلزم حسب وجهة نظرهم التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس بإحكام ربط الأنظمة السياسية لتلك الدول الخاوية بتبعية الهيمنة الرأسمالية عن طريق حمايتها وتقديم المساعدات والاستشارات العسكرية لها فحسب، ولكن تحويل شعوبها إلى مجرد حيوانات مستهلكة وأوادم مغتربة في ذاتها، حائرة في عجزها وهموم كيفية الحصول على ما يسد رمق حياتها اليومية. لا تستطيع التخطيط برؤى علمية وتستوعب سبل تشجيع كفاءاتها وكوادرها المبدعة في إيجاد الحلول الكفيلة لإمكانية إحداث نهضة اقتصادية في مختلف المجالات. فضلاً عن خلق البؤر التناحرية وتأجيج الصراعات الأهلية وإذكاء الحروب الدموية بين الفئات والطبقات ومكونات التركيب القبلي، إلى جانب ما هو أهم من كل ذلك، بحالة الصراع المتناقض بين الطوائف والمذاهب الدينية، والبحث عن وسائل خفية تثير الحمية العصبية للتيارات الدينية المتطرفة، والدفع بها دون إدراكها ذلك، إلى أن تكون كظاهرة إرهابية تعرض نفسها وشعبها وسيادة أرضها كهدف أو مرمى لاختبار القدرات التدميرية لصناعات الغرب العسكرية، وهو ما يحدث ونعيشه في واقعنا بكل وضوح، ونتابع وقائعه ضمن عوامل كثيرة من مظاهر "الموت البطيء" ونعوش الكوارث المحتدمة في مجتمعنا اليمني، والتي سنحاول استعراض بعض معالمها على صدر صحيفة "النداء" في الأعداد القادمة إن شاء الله.
أستاذ مساعد - جامعة عدن
معتقل سياسي في السجن المركزي – صنعاء
الأسمدة والمبيدات "النعش المحتوم" لكارثة هلاك سكان البلدان المستخدمة لها
2010-05-05