صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة في قيام الوحدة اليمنية 22 مايو 1990م

تحققت الوحدة اليمنية يوم 22 مايو 1990م، بعد مسيرة كفاح ونضال الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا، وذلك برفع علم الوحدة من قبل قيادتي الشطرين: الجمهورية العربية اليمنية (شمالًا)، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوبًا)، وبأسس غير مدروسة.. وبالتالي، سرعان ما انهارت وكلفت الكثير من الدمار النفسي والمعنوي الذي عانى ومايزال يعاني منه الشعب اليمني حتى هذه الذكرى الـ34.
في واقع الأمر، إن الشعب اليمني كان أكثر تحمسًا وتشوقًا لقيام وحدة وطنية وفقًا لأسس مدروسة ترتقي إلى مصاف تضحياته التي قدم من أجلها سيلًا من الدماء الزكية، وكانت ممكنة التحقيق من قبل الرؤساء الثلاثة: الرئيس سالم ربيع علي، والرئيس إبراهيم الحمدي، والرئيس عبدالفتاح إسماعيل، في السبعينيات من القرن الـ20، والذين بذلوا أقصى ما بوسعهم لتتويجها، إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم حينذاك لعوامل محلية، وإقليمية، ودولية حالت دون قيامها.
علي البيض وعلي صالح اثناء التوقيع على إتفاقية الوحدة اليمنية1990(عبدالرحمن الغابري) علي البيض وعلي صالح اثناء التوقيع على إتفاقية الوحدة اليمنية1990(عبدالرحمن الغابري)
وبكل أسف، استشهدوا جميعًا بعزة وشموخ وقودًا لها، ولا ننسى أيضًا استشهاد الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر، رفيق دربهم، غيلة في 28 ديسمبر 2002م، في صنعاء، في مسيرة التصفيات للرموز الوحدوية.
حقًا، إن الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، لم تكن هي الأولى في تاريخ اليمن، وإنما سبقتها 21 وحدة يمنية، يعود تأسيس الوحدة اليمنية الأولى إلى يعرب بن قحطان (4000 سنة قبل الميلاد).
يجدر التنويه إلى أن الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، جاءت نتيجة لزيارات مكوكية مكثفة لوزيري الوحدة: يحيى بن حسين العرشي عن الشمال، وراشد محمد ثابت عن الجنوب، خلال عامي 1988 و1989م، مع قيام لجان وحدوية من الشطرين.. وقد تمخضت الاجتماعات عن توزيع المناصب بين القيادتين، الأمر الذي كان ينبئ عن مستقبل غير مطمئن لديمومة الوحدة، حيث ساد الفساد واستشرى في جميع مفاصل الدولة، فضلًا عن عدم الاهتمام في النواحي التنموية المختلفة.
ولا يخفى على أحد، أن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض كان أكثر حماسًا للوحدة الاندماجية هروبًا من الواقع، ولأسباب اقتصادية وسياسية متردية، وبخاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق في الفترة (1986-1990م)، وما زاد الطين بلة، الصراعات القبلية للحزب الاشتراكي اليمني، وتشظيه إلى فريقين لدودين زمرة وطغمة: "زمرة" غادرت إلى الشمال بقيادة الرئيس علي ناصر محمد، بعد حرب 13 يناير 1986م المدمرة، و"طغمة" بقيادة الرئيس علي سالم البيض، بقيت تحكم في ظل أوضاع صعبة حتى قيام الوحدة الاندماجية مع الشمال، في 22 مايو 1990م، قابله تردي الوضع الاقتصادي في "الشمال" جراء مواقف سياسية للنظام من الحرب العراقية -الإيرانية، ودخول الرئيس العراقي صدام حسين إلى "الكويت"، فضلًا عن عضوية اليمن في "مجلس التعاون العربي" الذي تأسس في بغداد في 16 فبراير 1989م، بعد انتهاء الحرب العراقية -الإيرانية، والمكون من الدول الآتية: العراق، ومصر، والأردن، واليمن (الشمال) قبل قيام الوحدة بعام واحد، إضافة إلى ترسيم حدود الجمهورية اليمنية بعد الوحدة مع سلطنة عمان في 1 أكتوبر 1992م، كل تلك الأمور نتج عنها تداعيات سلبية على اليمن في مقدمتها: تدهور العلاقات اليمنية الخليجية، وعودة عشرات الآلاف من العمال اليمنيين، وكانت العقوبات الأقسى والأمر على اليمن.
من ناحية أخرى، بقي جنوب اليمن محط أطماع دول خليجية كانت تترقب الفرصة تجاه إحباط أي مسعى وحدوي لليمن لولا ظروف محلية وإقليمية ودولية، حالت دون تحقيق مراميها في ذلك الوقت.
في سياق آخر، جاءت الوحدة كيفما اتفق، واتضح ذلك جليًا في مسار الوحدة خلال أربع سنوات عجاف، والتي كان من أبرز سماتها -كما سبق أن ذكرت- تقاسم المناصب في المؤسسات المختلفة، ومنها ديوان عام وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية، والمؤسسة العسكرية والأمنية... الخ، وسط أجواء سياسية مشحونة بالخلافات، الأمر الذي مهد لانهيار الوفاق الوحدوي السياسي الهش بين القيادتين، بخاصة بعد الانتخابات النيابية لمجلس النواب عام 1993م، ونيل حزب التجمع اليمني للإصلاح المرتبة الثانية في الانتخابات النيابية بعد المؤتمر الشعبي العام.
وبناء عليه، اعتبر الحزب الاشتراكي الشريك في الوحدة أنه قد خرج من المعادلة المتفق عليها لقيام الوحدة بين شريكين، تزامن ذلك مع عدة عوامل منها تدني سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، والانهيار الاقتصادي، وانتشار الفوضى في ربوع البلاد، وجاء المردود الوحدوي بتفاصيله سلبيًا على الشعب في الميادين التنموية المختلفة.
بالتأكيد، لم تكن الوحدة -حسب مراقبين- سوى رفع الرئيس علي عبدالله صالح بيرق الوحدة، وبجانبه نائبه علي سالم البيض، واللذان قفزا على أسوار الوحدة دون ترتيب يذكر لضمان مستقبل دولة الوحدة على أسس راسخة، فجاء البنيان خبط عشواء.
وبالتالي، فإن ما يقوم على أسس غير قويمة لا بد أن يتداعى بناؤه طال الزمن أو قصر.
يقينًا، كانت النتيجة لا ترقى إلى مستوى الحدث العظيم لشعب اليمن الموحد تاريخيًا، إذ ساد عدم التفاهم بين القيادتين، فكثرت المماحكات، والمناكفات السياسية، والاغتيالات، أدى ذلك الوضع إلى وساطة حميدة، قام بها العاهل الأردني الملك حسين بن طلال، في 18 يناير 1994م، وبحضوره تم التوقيع على "وثيقة العهد والاتفاق"، في العاصمة الأردنية "عمان"، لرأب الصدع بين الجانبين الموقعين على قيام الوحدة السياسية.
وبعد التوقيع على الوثيقة، توجه نائب رئيس الجمهورية علي سالم البيض إلى "عدن"، بدلًا من "صنعاء" عاصمة دولة الوحدة، لا سيما انه كان يحمل بعد عودته من التطبيب في "واشنطن" ورقة الانفصال.
تسارعت الأحداث، ونشبت الحرب في مايو 1994م، وانتهت بعد شهرين تحديدًا في 7 يوليو، إذ غادر نائب الرئيس البيض، ومن معه إلى "سلطنة عمان"، معلنًا "الانفصال" من جانب واحد، والذي لم يتم نظرًا لوقوف الشعب اليمني مساندًا للوحدة، بصرف النظر عن أهواء قيادتي الشطرين، ناهيك عن موقف د. الأخضر الإبراهيمي، مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن، وفي توقيت خدم اليمن، خصوصًا بتواجد د. بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، المساند للوحدة اليمنية، وفي أجواء دولية مشجعة، كانت ضد تشطير اليمن.
ومن الملاحظ، أن الوحدة -حسب مراقبين- لم تقم عن رضا وقناعة من قبل القيادتين اليمنيتين، وإنما كانت هروبًا من الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة في كل من الشمال والجنوب، وتأكد ذلك بجلاء أثناء مسيرة الوحدة حتى حرب صيف عام 1994م.. وما بعد هذا التاريخ فحدث ولا حرج.
ولنا أمل عظيم كشعب، أن تلتئم الكتل السياسية، والمجتمعية اليمنية من منظور وطني مسؤول لتجاوز الخلافات، ووضع حد للتدخلات الخارجية بشؤون بلادنا الداخلية التي أخذت تزداد يومًا بعد يوم، حفاظًا على سيادة الجمهورية اليمنية، وأمنها واستقلالها، ووحدتها الوطنية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتأسيسًا على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ووثيقة السلم والشراكة الوطنية.
يقينًا، إن الوضع في اليمن خطير جدًا بعد حرب ضروس داخلية -داخلية، وخارجية -داخلية طالت لمدة ثماني سنوات عجاف، إلى جانب ما تتعرض له من اعتداءات وأطماع خارجية في جزر، وموانئ، وأراضٍ يمنية... الخ.
جوهر القول، كلنا نأمل أن تأتي المناسبة القادمة واليمن دولة موحدة يسودها الأمن والأمان والاستقرار والعدالة.
حفظ الله اليمن وأهلها.

تصنيفات

إقرأ أيضاً