تدهور التعليم
للزنداني شخصيًا دور مركزي في تخريب التعليم والتهميش المتعمد لمواد العلوم، وتحويل مادة التربية الدينية إلى عدة مواد منها مادة التوحيد لكي يفرض رؤاه في كتاب التوحيد الذي ألفه وهو في ميعان الشباب وفي السادسة والعشرين من عمره، وفرض على المدارس من قبل غير تربوي. لعب الزنداني دورًا رئيسيًا في تدهور التعليم وتديينه، وإنشاء ما سميت "المعاهد العلمية" التي لم تكن لها صلة بالعلم كما يُعرّف أكاديميًا بمراكز بحوثه ومعامله ومخرجاته وباحثيه المتخصصين وبإسهاماته في التنمية وبعلاقات رجاله الدولية. بلغت ميزانية معهد وايزمان للعلوم الذي تأسس عام 1934، ملياري دولار عام 2018، وفي عام 1952 أنشأت إسرائيل وكالتها للطاقة النووية (مذكرات جو لدا مائير: حياتي، ص161).
لقد كان الهدف من إنشاء المعاهد نشر الفكر المحافظ المعادي للجمهورية، وتشطير الوجدان الوطني، وتقسيم التعليم إلى تعليم رباني وتعليم "علماني" يستهدف بالتشويه. الفقراء كانوا وقود المعاهد بإغراءات مالية وفدت من الخارج الذي كان حريصًا على تسليف اليمن لاستكمال حلقات تبعيته وتقييده، كما أشار إلى هذه الجزئية المهمة الباحث الفرنسي لوران بونفوا، في كتابه "السلفية في اليمن"، وإنشاء جيل أعمى سهل الانقياد ومليشيا مسلحة تقاتل عند اللزوم وتؤمن بالخلافة وليس بالجمهورية، وهي التي كانت ترفض أداء تحية العلم في المدارس كل صباح، أما في المعاهد التي كانت مغلقة على أصحابها ولا تخضع لإدارة وزارة التربية، فلم يكن أحد يدري ماذا يقال في طابور الصباح المدرسي فيها.
وجد في اليمن حتى 20 يوليو 2004، ستمائة وخمسون دارًا لتحفيظ القرآن الكريم، وفي محافظة إب افتتح المحافظ دورة تحفيظية لـ700 طفل، وتذكر جريدة "الحياة"، في عدد 7 فبراير 2005، أنه يوجد في اليمن 72.000 مسجد تسيطر الحكومة على 6000 منها فقط. من يشكو اليوم عليه أيضًا تذكر المؤسس. وقبل الوحدة وقف الزندانيون ضد أي تنسيق تربوي مع الجنوب، وضد توحيد منهجي التاريخ والتربية الوطنية. أتذكر أن وفدًا تربويًا جنوبيًا وصل إلى صنعاء في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لهذا الغرض، وأن لقاء عاجلًا تم في بيت السفير أحمد المتوكل، حضره القاضي عبدالله الشماحي وحسين الدفعي وآخرون، ومنهم رجل دين مُعَمّم قال للحضور إنه زار عدن، وأن الإسلام الحقيقي لا يوجد إلا هناك. كان الهدف من اللقاء العاجل استباق مقاومة الزندانيين وإحباط اعتراضاتهم على توحيد المنهجين. وليس سرًا أن محاولات أكثر من وزير تربية لتنقية المناهج إبان هيمنتهم الشمولية على وزارة التربية ومدارسها ومكاتبها، أصيبت بالفشل.
لقد فرضوا مؤسسة تعليمية هجينة باسم مخادع لا يمت للعلم بصلة هو "المعاهد العلمية"، التي كان لجرأة وشجاعة وزير التربية د. فضل أبو غانم دور مهم في إغلاقها عام 2001. د. أبو غانم تلقى لومًا من الشيخ الأحمر، لأنه كقبيلي مثله لم يكن يتوقع منه إقدامه على ما فعل، لأن "بيت أبو غانم قبائل ومشايخ مثلنا، وقد فرحنا بتعيينك"... الخ.
الزندانيون في الأساس ضد العلم، أي ضد التطور والتغيير، لأن كليهما لا يصبان في مصلحة أيديولوجيتهم السلفية وارتباطاتهم الدولية وقناعاتهم التي عبر عنها الراحل د. كمال الهلباوي، الإخواني المصري السابق، والناطق باسم الجماعة في أوروبا، في المجلة العلمية "الطبيعة Nature"، عدد فبراير 2006، التي خصصت قسمًا منها للعلم في العالم الإسلامي/ بأن في القرآن كل شيء.
بعد هذا يحق لنا القول بأن حاضر اليمن كان سيكون أفضل لو لم نصب بوباء الزندانيين الذي توالدت منه أوبئة أخرى.
الزنداني والزندانيون (4-4)
2024-05-17