مما لا يدع مجالًا للشك، أن إسرائيل لن تلتزم في وقف إطلاق النار أو تتقيد بأية مفاوضات إلا بشروطها الجائرة، ولن تستجيب أيضًا لأي قرارات دولية أو إقليمية، فاليهود منذ قديم الأزمان ينكثون العهود ولا يتقيدون بالمواثيق، تاريخهم خالٍ من المثل والقيم ، ويسبتون ليعدوا أنفسهم إلى ما هو قادم من الأيام للوقيعة بغيرهم في تلك الأيام الخوالي، وما أشبه اليوم بالبارحة.
إنهم يتصرفون في هذه الأيام كذئاب في غابة، وضباع في مقابر. كما يستخدمون السلاح الأميركي الفتاك على صدور ورقاب ورؤوس أهل قطاع غزة والضفة الغربية. إنها مأساة الزمان وكارثة المكان.
الجدير بالذكر، أن الحكومة الإسرائيلية لا تهتم بتوجيهات الحكومة الأميركية بحزبيها الديمقراطي والجمهوري، فكلتاهما حكومتان مأمورتان من قبل الماسونية الصهيونية المتجذرة في أعماق الدولة الأميركية خاصة، والدول الغربية عامة، وتمتلك مفاتيح ومغاليق القرار حربًا وسلمًا.
إن بعد كل ما قام ويقوم به الرئيس الأميركي بايدن من مساندة للحكومة الإسرائيلية في حربها على غزة والضفة الغربية، قد أسهم إلى حد كبير في ارتكاب أعمال بربرية، لكنها لم تحبط من عزم معنويات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني الأبي، وأمام تلك الأفعال المستهجنة يبحث الرئيس الأميركي، ويطالب بإيجاد حل لحفظ ماء الوجه.
حقًا، إن كل تلك الأمور تدار كما أوضحت بتوجيه من الماسونية الصهيونية، وغايتها تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية على جماجم أصحاب الحق، بدءًا بالتهجير الداخلي للسكان من منطقة إلى أخرى، وتجميعهم، وأخيرًا رفتهم إلى مصر والأردن، إلا أن ذلك العمل الممجوج لم ينجح كما كان متوقعًا عند أصحاب القرار الصهيوني.
ومما زاد الطين بلة، رفض كل من مصر والأردن مسألة التهجير، أعقبه الخروج غير المتوقع لشعوب العالم إلى الساحات والشوارع لإدانة تلك الأعمال الإجرامية التي يرتكبها العدوان الصهيوني بشمولية دون تمييز على الخدج، والأطفال، والنساء، والمسنين، والأبرياء، وفرض المجاعة، وقصف المستشفيات ومن فيها بلا هوادة ولا رحمة، وبالتالي أصيب الرئيس بايدن بهستيريا أخلت بتوازنه، يحدث ذلك أمام عناد نتنياهو، وإصراره على تصعيد الحرب، فاقدًا كل المشاعر الإنسانية والأخلاقية.
ويحضرني في هذه المناسبة بعض أبيات من الشعر لرئيس الوزراء السوداني السابق رفعت المحجوب، عام 1965م، أثناء زيارته الرسمية لإسبانيا:
هذي فلسطين كادت والوغى دول
تكون أندلسًا أخرى وأحزانا
كنا سراة تخيف الكون وحدتنا
واليوم صرنا لأهل الشرك عبدانا
نغدو على الذل أحزابًا مفرقة
ونحن كنا لحزب الله فرسانا
لهفي على القدس في البأساء دامية
نفديك يا قدس أرواحًا وأبدانا
الجدير بالتنويه، أن الرئيس بايدن حاول بأساليب غير مقنعة، ومعه وزيرا الخارجية والدفاع، تهدئة الأوضاع في غزة والضفة الغربية، بعقد مفاوضات لحل تبادل تسليم الرهائن بين "حماس" ونتنياهو، لكنه بشروط إسرائيلية، أهمها الإمعان في تصعيد الحرب بعد صفقة تبادل الرهائن، وهو ما يصر عليه رئيس وزراء العدوان في حال نفذت الصفقة على شروطه.
علاوة على ذلك، استمر الدعم الأميركي السخي بلا انقطاع سياسيًا وعسكريًا، والانحياز الكامل لدولة العدوان الصهيوني المحتل على الصعد الدولية والإقليمية، وفي كل المنابر والمحافل قاطبة، في حين بقيت الحرب المفرطة على أشدها، وجعلت من غزة خرائب وأطلالًا. وبصورة لا تمت بصلة للآدمية، ولم يشهد لها مثيل في تاريخ الحروب.
وتعود بنا الذكرى إلى سبعين سنة مضت، عندما غرست الدول الإمبريالية الصهيونية دولة إسرائيل بقرار من مجلس الأمن الدولي، سنة 1948م، كمستعمرة صهيونية في الشرق الأوسط، بل كولاية أمريكية تحظى بمزايا كثيرة ط على سائر الولايات.
ومما لا يخفى على أحد، أن المشكلة الكبرى في الوقت الراهن ليست تبادل الرهائن فحسب، فأمر الرهائن سيحل متى ما صدقت النوايا، بقدر ما تكمن المسألة أيضًا في تصفية القضية الفلسطينية من خلال ابتكار أساليب مراوغة ضمانًا لاستمرار الحرب والتهجير واحتلال فلسطين بالكامل.
وما من حل سوى وقف شامل للحرب، وانسحاب قواعد الدول الغربية من المنطقة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا، والعمل على حل الدولتين بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود 4 يونيو 1967م.
إن ما يجري في المنطقة يعتبر في الأساس مشروعًا استعماريًا توسعيًا وحربًا صليبية، ناهيك عن صد أية محاولة في تمكين العرب من لملمة صفوفهم ووحدتهم رغم مقدراتهم وإمكانياتهم التي تؤهلهم للعودة من جديد إلى معاليهم.
قمين بالذكر، أن الدولة الصهيونية تتأهب اليوم قبل غد في تنفيذ ما يسمى "إسرائيل من النيل إلى الفرات"، وأشمل من ذلك توسعًا على المدى المتوسط.
في واقع الأمر، إن كل دول المنطقة تقبع على كف عفريت، وأمام خطر محدق، ويبدو أن كل شيء يسير في هذا المنحى، وبمساندة القواعد العسكرية الأميركية والغربية الرابضة برًا وبحرًا في المنطقة وحواليها، تنفيذًا لمشروع الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن الهادفة إلى السيطرة على خيرات المنطقة الزاخرة بالنفط والغاز والمعادن، والتموضع في الممرات المائية الاستراتيجية لقطع الطريق على بناء وحدتها من جديد، والحد من منافسة وتوغل الصين الاقتصادي والتجاري مع بقية شركائها في مجموعتي شنغهاي والبريكس، وتطلعاتها صوب عالم جديد متعدد الأقطاب، وهو المكان الأصلح والمضمون للمنطقة العربية.
صفوة القول، إنه يفترض من الدول العربية أن تتحمل مسؤولياتها، وإدراك ما يتوقع حدوثه من أخطار وشيكة عليها، والكرة الآن في ملعبها، فالعالم لم يعد يرحم الضعيف، ولن تتأتى المجابهة الجادة للهجمة الاستعمارية سوى في تحالف عربي شامل ضمن إطار "اتحاد عربي"، وميثاق جديد، وسوق عربية مشتركة، تواكب العصر للخروج من النفق المظلم إلى دائرة الضوء والأمل المرتجى.
الخطر المحدق على المنطقة العربية
2024-04-24