واثق من أنني مهما قلت عن الرجل فلن أوفيه حقه من التقدير والعرفان.. عبدالله فاضل فارع.. ولقد شاركت هنا فيديو يوجز محطات حياته وان كان لا يكفي، فرجل مثله ترك ابلغ الاثر في حياتنا الثقافية والفنية لا يكفيه كتاب واحد، ولا برنامج، ولا مقال، ولا محاضرة، لأنه كان اكبر واكثر من كل هذا.
عبدالله فاضل فارع (ريشة رقمية النداء)
كان في كل شيء هو الأول.. رائد الرواد.. واديب الادباء وناقد النقاد، وهو شاعر ومترجم اول مثلنا له في الاذاعة رواية "البرجوازي النبيل" التي ترجمها عن الادب العالمي.. وقدم مسرحية "علي بك الكبير" على مسرح سينما ريجال، ولعب دوراً تمثيلياً فيها، وكتب لمحمد مرشد ناجي اجمل الاغنيات التي استهل بها مشواره الغنائي، واصدر لاول مرة مجلة ثقافية ادبية جامعة "الرسالة" في زمن مبكر.. ثم احتل في اليونيسكو مكاناً مرموقاً.. وكان الأول الذي جمع شمل الادباء والكتاب في اول منتدى ثقافي جعل بيته في حافة الهاشمي بالشيخ عثمان مقراً له.. وكان من حسن حظي حضور عدد من لقاءات ذلك المنتدى البكر الرائع.
عبدالله فاضل فارع - أبو التعليم الجامعي في عدن (شبكات تواصل)
كان المكتشف الاول لعبقرية المكان.. الهاشمي والشيخ عثمان (الصور) لانه كان يفهم.. ويريد كل الناس ان تفهم.. ماكنت هنا اطمع في كتابة سيرته العطرة.. وخطاه الملهمة.. كان انطلاق تفكيري نابع من تلمس الجانب المرح والفكه في خطواته الجذابة.. وكان ايضاً سيداً في ذلك الجانب المرح الكوميدي في زحام دنيانا الجادة.. كان سيداً في تدبير المقالب المرحة التي تترك ورائها ضحكات مجلجلة لمن يشهد.. ويرى.. ويسمع.. وكانت محبته تزداد في قلوب من يقع فريسة لمقالبه المحببة..
وفي مقلبه الكبير للشاعر الاستاذ محمد سعيد جرادة اضحك الاوساط الثقافية.. ورددت صداه كل البلاد.. وقد استعان فيه بالإعلامي الاشهر الاستاذ عبدالحميد سلام، مدير برامج في اذاعة عدن وصاحب اشهر برنامج اذاعي اسمه "جولة الميكروفون".
في حوار تليفزيوني على الهواء اراد ان يداعب المذيع المحاور، والمشاهدين.. شرح له معنى البروليتاريا في سياق سؤال عنها حول ديكتاتورية البروليتاريا.. قال: ان البروليتاريا هذه تعني الصعاليك، وهذه هي الترجمة الدقيقة للكلمة!! ظنه المذيع، وكذلك المسؤولون يسخر من المسألة.. ورأوا في هذا اغضاب محتمل للصديق السوفييتي.. لكن السوفييت كانوا يعرفون دقة الترجمة.. أما المسؤولين في بلادنا فقد توصلوا الى قناعة بأن ابعاد فاضل وممازحاته هو السبيل الافضل، فوافقوا على عجل على اعارته لليونيسكو!
اما مقلبه للجرادة فقد صادف توقيته مع الاحتفال المئوي بذكرى مؤسس الاتحاد السوفييتي فلاديمير اوليانوف لينين.. كان المقلب سيأخذ كامل الاحكام بين الجرادة وسفارة الاتحاد السوفييتي.. وشيطان الشعر.. وكان الاستاذ عبد الحميد سلام على كامل الاستعداد لتلبية رغبة الاستاذ فاضل في حبك مقلب مكتمل الاركان للأستاذ محمد سعيد جرادة.
عبدالحميد سلام فنان واعلامي شامل وكامل المواهب وبارز التجليات.. وكان المطلوب منه تقمص شخصية الملحق الثقافي السوفييتي للحديث مع شاعرنا الكبير.. عبدالحميد سلام.. ذات يوم في مقر اذاعة عدن القديم الاول كنا في مكتبه للترخيص باستخدام استديو لتسجيل عمل درامي لفرقتنا.. وقد ادهشني ذلك اللقاء كثيراً مع الاستاذ سلام.. جلسنا اليه وهو في كامل انشغاله بالاستماع الى مواد مسجلة قبل الموافقة على اذاعتها.. مذهل ذلك الرجل.. مذهل جداً..
كان قدامه اثنان من المسجلات تعمل في وقت واحد.. الاول يضع سماعته على اذنيه.. والاخر صوته مفتوح للسماع.. وايضاً يتحدث الينا في نفس الوقت! ايوه ايش تقولوا؟ الاستديو؟ كيه لحظة.. ويوقف مسجل كان يستمع الى مادته.. ويرجع عجلته.. ويكلم مراسل واقف على الباب.. ويرجع الينا.. والى مسجلاته.. ايوه.. استديو؟؟ وهكذا.. فعلاً رجل مذهل خسرته الاذاعة بإحالته الى مكتبة جامعة عدن بعد عمر من الكد والاجتهاد والمثابرة قل ان تتجمع لإعلامي.
لكن ليس هذا موضوعنا.. يبدو ان خيال الابحار في ماض العبقريات قد نال منا والهانا عن متابعة مقلب فاضل والجرادة، وبمساعدة سلام.. وهذا هو مقصدي فقط.. في رحاب عمالقة اثروا حياتنا واوجدوا للشيخ عثمان مكانتها الاثيرة.. وعبقرية مكانها... وسنلتقي مرة ثالثة.