إصلاحات ما بعد لندن يجب أن تبدأ بتغيير مدير سجن إب
*ماجد المذحجي
تورطت الإدارة في اليمن برعاية تحول المناصب العامة إلى محميات شخصية لشاغليها، وبهكذا يصبح النزاع، في حال نشأ، مع صاحب حق، لا يجب الاقتراب منه، وليس مع "مكلف" عام يُفترض مساءلته ومحاسبته. الأمر متعلق بكون "المنصبـ" مورد رزق خارج الدخل المتعلق بالدرجة الوظيفية في القانون، ويصبح جزء من مناط التكليف الضمني لذوي هذه المناصب هو "تقاسم" الأرزاق مع داعميهم.
إنها ذهنية الفساد وديناميكية العلاقات التي ينشئها حين تستولي على جهاز الإدارة للدولة وتبدأ بخلق نسق شائع ومحمي لا يمكن الاقتراب منه.
يشكل مدير السجن المركزي بمحافظة إب نموذجاً بالغاً لتحول المنصب العام إلى محمية شخصية مصانة تجاه المسألة العامة، ولا يمكن المساس بها. استدعائؤه كنموذج تبرره قلة الحساسية الرسمية لرصيد الانتهاكات الممتد منذ سنوات أثناء إدارته للسجن، ليشكل ذلك علامة استفهام كبيرة لمدى حماية الحكومة للنموذج السيئ الذي يقدمه، كما أنه يشكل اختباراً راهنا لمدى قدرتها على الاستجابة لملف الإصلاحات المطلوبة منها حالياً، وهكذا يصبح تغيير مدير سجن إب، ونشر نتائج التحقيق التي أجرتها لجان عدة معه، آخرها من المصلحة العامة للسجون في بداية شهر يناير 2010، والتي يقال إنها أوصت بإقالته، مدخلاً لتنفيذ التزامات اليمن الدولية، بالإصلاح والشفافية والمحاسبة والالتزام بالحكم الجيد، ما بعد مؤتمر لندن.
لقد أصبح سجن محافظة إب محلاً لسوء السمعة الشديد، ويلعب دوراً شديد الفعالية في الترويج لضعف صلاحيات وزارة الداخلية وانعدام قدرتها على مراقبة منتسبيها ومحاسبتهم، حيث لم تلفت نظر الوزير، ولا النائب العام، وقائع الاحتجاجات على سوء المعاملة المفزع فيه، والتي وصلت إلى قطع بعض نزلائه أصابعهم، وآذانهم، وإيصالها لوسائل الإعلام. ليبدو في المحصلة مدير السجن محتمياً بنفوذ شديد لا يعلم أحد مصدره، ويقف الجميع عاجزاً أمامه، ومؤكداً بذلك استحالة استجابة الدولة اليمنية للإصلاح، وهي التي لم تستطع أي من سلطاتها التنفيذية أو القضائية وقف الانتهاكات في سجن إب وإقالة مديره، حتى وإن كان ذلك لإعلان البراءة تجاه الانتهاكات القائمة فيه، وليكن ذلك على الأقل من قبيل إبداء حسن النية!
إن حساسية الأجهزة الحكومية والقضاء تجاه الانتهاكات لحقوق الإنسان، واستجابتها السريعة بغرض وقفها ومحاسبة القائمين عليها، سيعكس تماماً مدى التزام الدولة بإقامة حكم القانون، وهو من أهم معايير الحكم الرشيد، وسيقوم بتعزيز رصيدها الإيجابي لدى مواطنيها، ولدى المجتمع الدولي أيضاً، وهو الذي أصبح شديد الانتباه لما يدور فيها. كما أنه سيشكل معياراً مهماً لمدى قدرتها على التقدم في عملية بناء الثقة مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، التي تراقب ما يدور في البلد، وتشكل تقاريرها مرجعا رئيسياً في التقييم الدولي لليمن، ولهذا فإن سجن محافظة إب هو اختبار أولي لجدية الدولة اليمنية في حماية المواطنين، وإصلاح أجهزتها سيئة السمعة، ونزع الحماية عن المنتهكين الذين ظلوا لفترة طويلة محتمين بضمانات الفساد والمحسوبية وغياب الرقابة والمحاسبة.
maged
إصلاحات ما بعد لندن يجب أن تبدأ بتغيير مدير سجن إب
2010-02-01