انتصار الحمادي (شبكات تواصل)
إلى الفنانة المبدعة انتصار الحمادي، في سجنها الرهيب، وإلى العديد ممن ما يزلن في عداد الإخفاء القسري حتى اللحظة.. انتصار فنانة شابة مبدعة، وجدت نفسها في السجن ضمن تهم مسحوبة من كهوف عصور الظلام البليدة.. عصور خطاب التحريم والتكفير الديني والسياسي والاجتماعي والفني.
إن كل جريمة الفنانة الشابة، انتصار الحمادي، هو أنها أرادت أن تكون ذاتها الإنسانية كما خلقها الله سبحانه وتعالى، أن تكون امرأة فاعلة، ومنتجة، تقدم قيمة مضافة للمجتمع وللفن، وللحياة، ضمن شروط التقدم في الفعل الإنساني، وضمن الضوابط الاجتماعية، والأخلاقية، والدينية، السليمة والسوية، فقط هي أرادت أن تقول: أنا إنسانة فنانة، وكانت كذلك قبل مجيء سلطة الأمر الواقع القائمة، "المطاوعة الجدد"، التي وضعتها، مثلما وضعت مجتمع المرأة كله في خانة الجريمة، والعبودية الاجتماعية والأخلاقية، تحت إدارة بوليس الآداب المذهبية، ولم يقل أحد عنها قبل ذلك مثل هذا القول باسم تطبيق الشعائر الدينية كما تراها، وتفهمها الجماعة الحوثية "أنصار الله"، لقد صدر حكم استئنافي بسجنها خمس سنوات بدون توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة.
فنانة شابة في بداية عمرها، يتم اغتيالها اجتماعيًا وأخلاقيًا وقانونيًا، وهي في تقديري البداية التي ستطال جميع بناتنا وأخواتنا، والمرأة عمومًا في بلادنا، يجب أن يرتفع صوت النقد لمثل هذه الأعمال والمحاكمات الجائرة، وباسم الدين والأخلاق.
لك، يا انتصار الحمادي، كل التحية والسلام كرمز لتحرر المرأة وتقدمها الاجتماعي والفني.
مما سبق ذكره في الحلقة السابقة (الأولى) يتضح لنا إذن أن "الفكر الديني يتأثر بالظروف، وفي كثير من الأحيان يكون تبريرًا لأوضاع اجتماعية واقتصادية بعينها"(1)، وهو نفس السلوك السياسي والأيديولوجي الذي مارسته السلطات، والدويلات العربية الإسلامية في القرون الماضية، والذي ماتزال تمارسه أنظمة الحكم المتخلفة والاستبدادية العربية اليوم في علاقتها بالنص الديني، وتحديدًا في موقفها من المرأة، دورها ومكانتها ووظيفتها، وتعليمها، وعملها، وقضية حجابها، وكل حقوقها المحرومة منها.
بعد أن تحولت لديهم قضية الحجاب بالطريقة التي يدعون لها، إلى قضية القضايا، مع "أن الشريعة الإسلامية لا تفرض الحجاب بمعنى الحرمان من المشاركة الاجتماعية، كما لا تفرض الحجاب القاسي المتعارض مع مصلحة المرأة في حالات كثيرة، والمتمثل في حجب الوجه عند الخروج"(2)، لأنه ليست هناك نصوص دينية صريحة حول هذه المسألة، وإن كان هناك ما يشبه الإجماع الفقهي، بأن مفهوم ومعنى الحجاب لا يدخل في نطاقه تغطية الوجه والكفين. وحول هذه القضايا جرت سجالات، ونقاشات ومحاورات عديدة وطويلة، لا مجال لمناقشتها في هذه القراءة العامة، خلاصتها أن عفة وتقوى المرأة لا يمكن حصرها في قضية الحجاب، وفي الشكل الخارجي لمعنى "الحشمة"، التي تستدعي ضرورة وضع المرأة داخل البرقع، والنقاب والحجاب من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، كما نراه اليوم في بعض محافظات البلاد سيرًا مع نموذج "دولة طالبان".
إن حجاب المرأة الحقيقي هو تحريرها من حجاب الجهل ومن الظلم والاستبداد والخوف، ومنع تحويلها إلى سلعة أو بضاعة جنسية تشبع رغبات المهووسين جنسيًا باسم الدين الذي معه يتم تشريع وممارسة زواج القاصرات (الطفلات). وإلا فكيف نفهم أن الإسلام وضع المرأة والرجل في حال الإحرام، والحج، وحتى الجهاد، في مرتبة واحدة من حيث المظهر والزي، والملبس، بدون نقاب ولا حجاب، ولا قفازين، كما تحاول أن تكرسه أنظمة الاستبداد الأبوية "البطريركية"، التي تسعى إلى حصر قضية المرأة في الحجاب والنقاب، ولا ترى عفة وتقوى المرأة وحشمتها إلا من خلال هذا المستوى من الرؤية والقراءة، وفي تقديري أنه ليس من أسباب فتنة المرأة، أو عفتها وتقواها وحشمتها إلا سبب عدم تعلمها وتربيتها على أساس من المعرفة، والعلم بأمور الدين، والأخذ بالعمل الذي يقودها إلى التقدم في الحياة (قضايا المجتمع، والمشاركة في الحياة والشراكة في السلطة)، وهو المدخل العملي لصلاحها وتقواها ولمشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع، وفي تربية الأولاد تربية سليمة بالمشاركة مع الرجل (الأب)، وهو ما أكد عليه قبل أكثر من قرن من الزمان، رجال الإصلاح والتنوير، أمثال رفاعة رافع الطهطاوي، والإمام محمد عبده، وقاسم أمين، وغيرهم، وتاريخ الخلافة الراشدة، يكشف لنا بوضوح الدور البارز لأم المؤمنين زوج رسول الله عائشة بنت أبي بكر، كيف أنها تدخلت في السياسة العملية والعسكرية، وكيف أنها أصبحت طرفًا أساسيًا في الصراع حول قضية الخلافة التي قال فيها الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل"، ما معناه، أنه "ما سل سيف في الإسلام بمثل ما سل حول قضية الإمامة، أو الخلافة"، ولا داعي لذكر موقف الإسلام من تعليم المرأة، ومن واقع مشاركتها في الحياة الاجتماعية والسياسية العامة، ويروى عن "أم عطية" أنها قالت: "وغزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وكنت أخلفهم في رحالهم، وأضع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى"، ويقول الإمام محمد عبده: "إن الشريعة خولت للمرأة ما للرجال من الحقوق، وألقت عليها تبعة أعمالها المدنية والجنائية، وللمرأة الحق في إدارة أموالها والتصرف فيها بنفسها، فكيف يمكن للرجل أن يتعاقد معها من غير أن يراها ويتحقق شخصيتها!"(3).
ألم تتعرف السيدة العظيمة خديجة بنت خويلد بالرسول العظيم (ص)، عن طريق أعمالها التجارية، فكان الأمين عليها وعلى تجارتها، ومن خلال تلك المعرفة والأعمال التجارية كان زواجه بها؟
إن النص الديني الإسلامي مفتوح على الاجتهاد العقلاني الإنساني بصورة لا متناهية، وإلا لما اكتسب هذا الدين كل هذه الحيوية، وقوة التأثير والفعل في تاريخ المعرفة والعلم الإنسانيين، ولما استطاع أن يستمر ويقاوم كل التحديات لولا هذه الحيوية الإنسانية العقلانية الكامنة في داخله، والتي يحاول غلاة المتطرفين، والأصوليين المتأسلمين اليوم (سنة وشيعة)، اغتيالها، مستثمرين تاريخ التخلف والانحطاط الفاجع الذي عاشته الشعوب العربية، حيث وظفت الحكومات المستبدة والفاسدة الدين لخدمة سلطاتها الاستبدادية، وبعد أن احتكرت الحقيقة الدينية في اسمها أو في حكمها... "فالنص الديني ليس مغلقًا على ذاته، بل هو نص مفتوح متجدد أقره الاجتهاد الإسلامي منذ القرون الأولى الهجرية، فالأمر الديني قبل 1300 سنة يقضي بعدم الزواج بـ"كافرة"، ويسمح بسبيها ونكاحها كرقيقة عبدة"(4)، فهل هذا ممكن ممارسته عمليًا اليوم تجاه المرأة؟
إن ما سبق -وغيره كثير كثير- يعطي رؤية واقعية، تاريخية عميقة وواضحة، على أن الدين الإسلامي -بل كل الأديان- لم تأتِ لزمانها، بل لكل الأزمان، وهو ما يعطي للدين طابعه الإنساني التاريخي. إن الخطاب الأيديولوجي السياسي المتأسلم اليوم هو الذي يغلب العادات والتقاليد على نصوص الدين، ويحكم بالأعراف ومضامين الأحكام القبلية، والعشائرية التي غالبيتها تعارض نصوص الدين وتناقضها، وحول هذه القضية يقول قاسم أمين: "لم يعتقد المسلم أن عوائده لا تتغير ولا تتبدل، وأنه يلزمه أن يحافظ عليها إلى الأبد، ولم يجرِ على هذا الاعتقاد في عمله، مع أنه هو وعوائده جزء من الكون، والواقع تحت حكم التغيير والتبديل في كل آن! أيقدر المسلم على مخالفة سنة الله في خلقه، إذ جعل التغير شرط الحياة والتقدم، والوقفة والجمود مقترنين بالموت والتأخر؟ أليست العادة عبارة عن اصطلاح أمة على سلوك طريق خاصة في معيشتهم ومعاملاتهم حسب ما يناسب الزمان والمكان...؟ وليس هذا بغريب، فقد تتغلب العادات على الدين نفسه فتفسده وتمسخه بحيث ينكره كل من عرفه"(5)، وهو ما تحاول أن تقدمه بعض القراءات والممارسات السياسية المتأسلمة عن صورة الدين الإسلامي أمام العالم في صورة خطاب سياسي أيديولوجي لا علاقة له بجوهر وروح الدين الإسلامي الحنيف، وهو -كذلك- ما نشهده اليوم في خطاب أيديولوجية صراع الحضارات.
وهي صورة مشوهة، وبائسة وظالمة للدين الإسلامي، وظفتها الأيديولوجية الاستعمارية العولمية المتوحشة لخدمة مصالحها، بعد محاولتهم تعميم صك مصطلح "الإسلاموفوبيا"، الذي تم صكه بعد أحداث سبتمبر 2001م الكارثية، لاستبدال الإسلام كعدو، بدلًا عن الشيوعية.
إن قراءة عقلانية وواقعية لجوهر الدين الإسلامي في تجلياته التاريخية، إنما تكشف عمق روح التسامح في هذا الدين، وروح الدعوة للعقلانية، والحوار، ونبذ العنف والقتل، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة حول ذلك أكثر من أن تعد وتحصى. وموقف الإسلام من المرأة وحقوقها واضح، وهو مفتوح على الاجتهاد العقلاني الإنساني. وليس كما تصوره بعض الجماعات في الداخل، أو القوى الاستعمارية المهيمنة في الخارج لأهداف ومصالح لا علاقة لها بالدين ولا بالمرأة وحقوقها ومساواتها.
ولذلك أجدني معارضًا ورافضًا لخطاب الجماعات السياسية الإسلامية، سنية وشيعية، و"قاعدة" و"داعش"، في موقفها من المرأة، وفي محاولاتهم أسلمة الدولة، ومذهبة المجتمع، بقدر ما أجدني مقاومًا للرؤية الاستعمارية/ الرأسمالية لتحويل المرأة إلى سلعة دعائية، إعلانية، "بضاعة" تعرض جسدها للبيع في سوق العرض والطلب (النخاسة المعاصرة).
إن الكثيرين يخلطون اليوم بين الدين المقدس، وبين الفكر الديني، بمثل ما يخلطون بين المذهب وبين الدين، بعد أن تحول النص الديني، في السلوك الممارس، إلى تراث ثقافي اجتماعي ديني، بل إلى عادات وتقاليد أو إلى "طاغوت"، حسب التعبير الأيديولوجي الإمامي، وهي في معظمها تقاليد قبلية عشائرية وبدوية، اتخذت في سياق التطور الاقتصادي الاجتماعي والثقافي التاريخي صيغة النص الديني والقانوني "تدين اجتماعي"، ولعبت فترة أو مرحلة الانحطاط والتخلف التاريخي التي سادت المنطقة العربية بدرجات متفاوتة دورًا في إلباس العادات والتقاليد ثوب النص الديني، وهو عمليًا ما يعمق حضور واستمرار الرؤى السياسية الدينية المتخلفة، في الموقف من المرأة، والواقع، والعقل، والحضارة، والعصر، إننا نقف اليوم أمام تراث أيديولوجي، ثقافي، وسياسي سلطوي أبوي، ذكوري استبدادي يحاول أن يلبس كل سلبيات تخلفنا الاجتماعي الثقافي التاريخي للمرأة باسم الدين، في صورة مفاهيم وأفكار لا علاقة لها بالنص الديني، مثل: أن المرأة خلقت من الضلع الأعوج للرجل، ومن أنها ناقصة عقل ودين، وهي مفاهيم توراتية، وكذلك القول إن المرأة مثل البغلة لا تصلح إلا للركوب، والسرير، وأن "المرأة إذا أحبَّتكَ آذتك وإذا أبغضتك خانتك"، وأن لا مكان للمرأة، سوى المطبخ، وبيت زوجها أو القبر، وعشرات الأمثلة التي تصب في نفس السياق، وتقود إلى احتقار المرأة والحط من شأنها، وما سبق إنما يعكس تاريخ ثقافة استبدادية سلطوية ذكورية، هي موروث التخلف الثقافي الاجتماعي السياسي الاستبدادي البطريركي.
إن الجماعات الإسلاموية (سُنة، شيعة)، إنما يشوهون صورة الدين الإسلامي أمام العالم حين يقولون إن تطبيق الشريعة الاسلامية يقتضي وضع المرأة في هذا الوضع المعادي للعلم والتقدم والحياة، ومن أن المرأة لا تصلح إلا للسرير، أو للمطبخ، أو تربية الأفراخ الزغب، حسب تعبير ابن تيمية.. إنهم لا يرون المرأة تحكم في كل العالم المتقدم: أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وتحصل على أرفع الجوائز والأوسمة، في كل الميادين، وفي جميع العلوم والفنون.
إن الكرامة الإنسانية والحرية، بما فيها حق المرأة في التعليم، والمشاركة في الحياة العامة، لا تعني الإباحية "المثلية"، كما تروج لذلك بعض التيارات السياسية والفكرية الرأسمالية المعاصرة، فالإسلام "ينهى عن الفحشاء والمنكر"، ولكنه لم يحرم عمل المرأة ولا مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية، وحقها في العمل، ولم يأمر بجلوسها في البيت، ولم يحدد مسبقًا أشكال وطرائق عملها في المجتمع، كما أنه ليس هناك "ملابس إسلامية" يتحدد من خلالها معنى وواقع المرأة المسلمة، فالفضيلة في الإسلام ليست برقعًا ولا حجابًا، بل هي احترام للذات الإنسانية، وهو ما أكد عليه النص الديني الإسلامي، ورموز النهضة العربية الإسلامية، فقد كانت المرأة "تؤدي الصلاة في المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتؤدي فريضة الحج سافرة غير مقنعة، ولا مبرقعة، وعذبت بسبب إسلامها كما عذب الرجل، وكانت سمية (آل ياسر)، التي قتلت تحت السياط، أول شهيدة في الإسلام، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم كما بايعه الرجال، فقد شهد بيعة العقبة ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان"(6)، واليوم نشهد مناطق قبلية وغير قبلية لا يتم فيها توريث النساء وفق نص المواريث، فكيف بحقوقهن الأخرى. مع أن الدين الإسلامي جاء محققًا ثورة إنسانية شاملة، ولذلك جوبه بالرفض وعدم القبول من رموز "الجاهلية الأولى"، بمثل ما يتم تشويهه ومصادرته اليوم من قبل رموز الجاهلية المعاصرة باسم الدين. وهو نفس سلوك الإمامة في تجلياتها التاريخية من خلال توظيف الدين لخدمة الإمامة وحكمها طيلة حقب تاريخية طويلة، وكما تعلمون أن تغيير ذهنية الناس وأنماط تفكيرهم وسلوكهم وعقولهم ووجداناتهم يحتاج إلى مدى زمني طويل، المهم توافر الإرادة السياسية، والرؤى الاستراتيجية الشاملة للإصلاح والتنوير والتغيير.
أؤكد على ذلك، لأن ما يحصل في الشمال والجنوب تحديدًا، بل في قلب المدينة عدن خصوصًا، إنما هو ردة ثقافية واجتماعية وسياسية، بدأ تشكلها مع الحرب على الجنوب، وتكفيره تمهيدًا لغزوه ونهبه وغنيمته كدولة وثروة ومجتمع، وكان من أبشع وأخطر جرائم حرب 1994م، آثارها الكارثية على المستوى الاجتماعي والثقافي، إنك اليوم لن تجد في جامعة عدن وغيرها من جامعات جنوب اليمن، سوى عدد محدود جدًا ممن يلبسن الحجاب الشرعي الإسلامي، قياسًا بالغالبية العظمى، منهن المبرقعات والمنقبات بصورة ملفتة للنظر، لا ترى منهن سوى شيء من بقايا العيون.
إن رفض جريمة حرب 1994م وإدانتها في تقديري تبدأ من هنا، من رفض ثقافة المنتصر التكفيري، من مقاومة الآثار السلبية، لجماعة التكفير السياسي والديني، التي انتقلت بحذافيرها -مع الأسف- للممارسة على صعيد المجتمع في جنوب البلاد، أي أن رفض ومقاومة نتائج حرب 1994م، على المستوى الاجتماعي والثقافي، والسياسي، يجب أن تبدأ من هنا، المراجعة والنقد والتغيير للمعنى السياسي والمعنى الاجتماعي والثقافي الذي أسس ومهّد لتعميم حضور ثقافة المنتصر المتخلفة والبليدة، وهو ما نراه سائدًا اليوم على صعيد الثقافة السياسية والاجتماعية.
صفوة القول:
من المهم التأكيد في ختام هذه الفقرة/ الحلقة، أن الحركة السياسية الوطنية والديمقراطية التحررية في جنوب اليمن، هي أول من فتحت باب المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية الواسعة للمرأة في المجال العام، وتحديدًا في المجال السياسي، حيث كانت المرأة اليمنية في جنوب البلاد حاضرة وفاعلة في كل المقدمات التي مهدت لقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، حضورها الفاعل والمنتج في داخل وقلب العملية السياسية والاجتماعية والثورية، وكانت ثورة 26 سبتمبر 1962م، هي أول اختراق سياسي واجتماعي معاصر لإعلان دور جديد للمرأة فتح أمامها لأول مرة في تاريخ شمال اليمن، باب المشاركة في السياسة والاجتماع، وفي السلطة، وإن كل ما يحصل اليوم على صعيد دور المرأة والموقف منها، إنما هو "ثورة مضادة" ردة سياسية واجتماعية وثقافية، بل حتى ردة وطنية، عن منجزات ومكاسب الثورة اليمنية، وتضحيات الآلاف من الشهداء، وهي واحدة من أزمات الفعل السياسي الوطني والديمقراطي المعاصر، الذي تعيشه كل اليمن -بدرجات متفاوتة- بصرف النظر عن الأهداف والبرامج السياسية لهذه الجماعة أو تلك، تجاه قضية الحرية، والديمقراطية، وبناء الدولة ومستقبل البلاد.
الهوامش:
1. د. زينب الخضيري: من مقدمتها لكتاب قاسم أمين "المرأة الجديدة"، ص15، إعادة طباعة الكتاب القديم نفسه الذي طبعته مطبعة المعارف بأول شارع الفجالة، مصر، سنة 1900م.
2. من مقدمة د. زينب الخضيري لكتاب قاسم أمين: "المرأة الجديدة"، نفس المصدر، ص21.
3. انظر الإمام محمد عبده: الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، ص106-109، جمعها وحققها: محمد عمارة، ط أولى، سبتمبر 1972م، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
4. بوعلي ياسين: كتاب: الثالوث المحرم (دراسة في الدين، والجنس والصراع الطبقي)، ص135، ط جديدة، 1985.
5. قاسم أمين: كتاب "تحرير المرأة"، ص37، دار إفريقيا والشرق، 1999م.
6. خديجة صبار: "الإسلام والمرأة"، دار إفريقيا والشرق، ط١٩٩٠م، ص٣٧.