مواجهة ضغوط لندن بـ«الجهاد»
تحاول الحكومة اليمنية دفع مسار التحضير لمؤتمر لندن في اتجاه واحد: الحصول على المزيد من المساعدات المالية. لكن المؤتمر الدولي الذي تبنته المملكة المتحدة ما يزال مثيراً لريبة صنعاء رغم محاولاتها المضنية لجعله نسخة ثانية من مؤتمر مماثل عقد نهاية 2006.
في 27، و28 يناير الجاري، ستفرد العاصمة البريطانية لندن طاولة واسعة لبلدين يشتركان في كونهما «مصدر تهديد للعالم»: أفغانستان واليمن. ويأتي المؤتمر استجابة لدعوة أطلقها رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون لشركائه الدوليين، عقب محاولة التفجير الفاشلة لطائرة الركاب الأمريكية فوق مدينة «ديترويت»، عشية الاحتفال بعيد الميلاد.
بحسب آخر تصريحات لوزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي، الخميس، فإن اليمن ستسعى للحصول على نحو 4 مليارات دولار كدعم دولي لمواجهة التحديات التنموية في البلد. لكن المسألة على ما تشير الرسائل القادمة من الغرب، ليست بهذا التبسيط الذي تفضله صنعاء.
فقد جاءت دعوة براون بعد أيام من المشاورات المستمرة مع أمريكا على ما ذكر بيان لـ«دواننج ستريت» (رئاسة الوزراء البريطانية)، وتزامنت مع مخاوف وحسابات دفعت براون لأن يخص اليمن بمقال صحفي كبلد بات «ملاذاً آمناً للقاعدة»، وتهديداً خطيراً للأمن العالمي».
ولم تنتظر هيلاري كلينتون كثيراً فعززت الموقف البريطاني بحديث مماثل عبر عن رغبة دولية بالتركيز على نحو خاص على اليمن كدولة على تماس مباشر بالفشل.
وإذ أطلقت الإشارات إلى معالجات عسكرية محدودة بدأتها على الأرض لمجابهة «خطر القاعدة» في اليمن، بدا أن أمريكا وحلفاءها تفضل الحفاظ على ما يشبه الفرصة الأخيرة للحكم بصنعاء من خلال مؤتمر لندن، هذه المرة سيكون حاملاً وعداً ووعيداً.
وسارعت الحكومة اليمنية للترحيب بـ«المبادرة» البريطانية وعينها مفتوحة على لندن كمصدر موعود لدعم قادم رغم إدراكها أن المانحين في طريقهم لاشتراطات قد تكون قاسية.
بعد أقل من يومين على الدعوة، ظهر رئيس الوزراء البريطاني على شاشة "بي بي سي"، ملمحاً إلى أن الحكومة اليمنية هذه المرة لن تكن بمعزل عن المساءلة.
شكك أولاً في جاهزية الحكومة اليمنية لتلقي دعم دولي في مواجهة الإرهاب، وشدد على ضرورة «الحذر والتمحيص عند تقديم الدعم كي لا يصب في صالح الإرهاب نفسه». مع ذلك واظبت صنعاء على مستوى من الترحيب بالمؤتمر، وإذ اندفعت صوب رغبتها المحمومة في الحصول على الوعد، شنت بطريقتها حرباً غير مباشرة على الوعيد الدولي، مطلقة رسائل في أكثر من اتجاه.
كررت صنعاء رفضها أي تدخل خارجي في الشأن اليمني، وأعلنت رفضها أي وجود عسكري أجنبي في البلاد.
بالتزامن مع ذلك، كانت جبهة أخرى تستيقظ من سباتها لمساندة صنعاء في مواجهة ضغوط لندن المرتقبة. فقد ظهر الشيخ عبدالمجيد الزنداني، القيادي المثير للجدل في حزب الإصلاح، ملوحاً بالجهاد معظم أيام الأسبوع الفائت.
في اقتحام مفاجئ لمسرح الأحداث الملتهب استهل الزنداني أول أيام الأسبوع «بتحذير من مخطط أمريكي بريطاني لاحتلال اليمن»، محذراً من مؤتمر لندن. وتصاعدت حماسة الرجل الذي كان حذراً في حركته منذ إدراجه على لائحة واشنطن «كداعم للإرهاب» عام 2004، فعقد تالياً مؤتمراً صحفياً لذات الغرض في مقر جامعة الإيمان التي يرأسها.
في المؤتمر رفض الزنداني أي تدخل أمريكي مباشر في اليمن لمكافحة القاعدة، واعتبره احتلالاً واستعماراً.
وجاء إلى النقطة التي يعتقد أنها وراء نشاطه الطارئ، فأعلن معارضته لانعقاد مؤتمر لندن دون أن ينسى التلويح بالجهاد إذا حدث تدخل أجنبي.
تذهب بعض القراءات إلى أن صنعاء ستواجه ضغوطاً كبيرة من المجتمع الدولي في لندن، وترجح وضع جميع مشاكل البلاد على الطاولة، خصوصاً تلك المرتبطة بحرب صعدة، والاحتجاجات المتنامية في الجنوب.
لكن حكومة صنعاء ليست على ثقة من أنها ستكون في وضع جيد في لندن، فبعد يوم واحد فقط على الرسائل التحذيرية التي أطلقها الزنداني، خرج د. أبو بكر القربي ليعلن رفض اليمن استخدام مؤتمر لندن للمساس بالسيادة اليمنية.
بشكل ينم عن هواجس أكثر من الثقة، قال وزير الخارجية في مؤتمر صحفي عقد الثلاثاء، إن القضايا اليمنية الداخلية مثل حرب صعدة والحراك الجنوبي، لن تطرح على طاولة مؤتمر لندن، «كونها قضايا داخلية وشأنها داخلي ستعالج في إطار اليمن». لكن ذلك لا يعني أن اليمن هي الطرف الذي سيتولى فرض أجندة المؤتمر.
يستغرب وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط إيفان لويس، الطريقة التي تناولت بها وسائل الإعلام التي توحي بأن بريطانيا وأمريكا تعتزمان التدخل في اليمن بشكل مشابه لما حدث في أفغانستان والعراق.
وفي مقالة نشرتها صحيفة «القدس العربي» الخميس، يشير إيفان إلى أن مؤتمر لندن لن يركز فقط على الإرهاب باعتباره التهديد الأكبر، بل سيمتد إلى مناقشة ما يمنع حصول القاعدة على موطئ قدم في اليمن.
يتحدث الوزير البريطاني عن مساعٍ لدعم وجود حكومة يمنية قوية وديمقراطية قادرة على معالجة أسباب المشاكل وعدم الاستقرار. وبصورة لا تخلو من إشارات ناقدة لصنعاء، يضيف: إننا ملزمون بالتعاون مع جميع المعنيين في المنطقة من أجل تعزيز قوة السلطات اليمنية لتوفير إرادة رشيدة فعالة وعادلة لضمان ألا يكون للقاعدة موطئ قدم.
بحسب دبلوماسيين غربيين فإن الغرب يريد أن تكون الحكومة اليمنية مسؤولة أمامه عن الإصلاحات الاقتصادية لكي يضمن إنفاق أموال المعونة بشكل ملائم في بلد يستشري فيه الفساد.
ضمن محاولات صنعاء الملحة للتخفيف من أي التزامات قاسية قد يفرضها المانحون في لندن، واصل الشيخ الزنداني مسلسل حضوره اللافت في مجابهة المؤتمر، وهذه المرة صحبة هيئة العلماء شبه الرسمية في أحد مساجد العاصمة الخميس.
وسط أصوات تكبيرات لما يزيد عن 1400 طالب في الجامعات الإسلامية ورجال دين، هدد بيان صادر عن هيئة علماء اليمن وقع عليه 150 منهم، بالدعوة للجهاد «ضد أي جهة خارجية تصر على العدوان وغزو البلاد أو التدخل العسكري والأمني».
وفي خطبة الجمعة دعا الزنداني إلى «الجهاد» دفاعاً عن اليمن في حال تعرضه لتدخل عسكري أجنبي. وأضاف أمام المئات من المصلين: «هذا أمر من الله لا يستطيع أحد أن يلغيه (...) لا ملك ولا رئيس ولا قائد ولا زعيم ولا عالم ولا أي أحد. هذا حكم إلهي، الله أمر به». وأردف: «نرفض التدخل في الشأن اليمني من أي جهة أجنبية كانت».
في مسار موازٍ تحاول الحكومة اللعب بورقة التوازنات الدولية في مجابهة الضغوط الغربية، استعادةً لزمن الحرب الباردة، فقد اقترحت اليمن إضافة الصين وروسيا إلى الدول المشاركة في أعمال المؤتمر.
في نوفمبر 2006 ذهب الرئيس علي عبدالله صالح إلى لندن للمشاركة في مؤتمر مماثل خُصص لدعم اليمن، وشاركت فيه دول الخليج.
وقتها حذر الرئيس من آثار تجاهل مساعدة اليمن على أمن المنطقة. وقد حصدت اليمن تعهدات بمنح وصلت إلى أكثر من 5 مليارات دولار، لكن ذلك لم يمنع من أن تعود اليمن إلى لندن بعد نحو 4 سنوات كمشكلة أكبر.
----------
مواجهة ضغوط لندن بـ«الجهاد»
2010-01-17