هشام باشراحيل و«أما لهذا الليل من الآخر!»
*نجيب محمد يابلي
«سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل»
دخل علينا العام 2010 مكشراً عن نابه ومتشحاً بالسواد منذ يومه الأول، وذلك بوفاة الرجل الكبير العطر الذكر فيصل عثمان بن شملان. وفي اليوم الثالث من العام، انتقل إلى رحمته المحامي العلواني، وكان يوم 4 يناير موعد منظمات المجتمع المدني بمحافظة عدن مع اعتصام سلمي أمام دار «الأيام» تضامناً معها ومع ناشريها هشام وتمام باشراحيل، وتم الإعلان عنه بوقت كافٍ، ووزع بيان بذلك على كافة منتديات المحافظة والصحف المحلية والمواقع الالكترونية.
إن الحريات العامة أساس النظام الديمقراطي، ومن ضمن تلك الحريات حرية الصحافة، وهي أيضاً حقوق جسدها الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولة، لأن الديمقراطية ليست صناديق اقتراع، لأن الصناديق لها رب يحميها، وإلا فما معنى ازدياد وتائر الفقر والمرض والأمية والبطالة والظلم وإزهاق الأرواح وإراقة الدماء والجماعة الحاكمة تحصد في مفارقة صارخة أصوات الصناديق. افتني يا سقراط!
يقتضي المنطق أن يسمح النظام الحاكم لمنظمات المجتمع المدني بأن تعبر عن تضامنها مع «الأيام» لطالما وأن التعبير سلمي، وهو حق دستوري كان المعتصمون سيمارسونه لمدة ساعة واحدة بالجلوس في حلقات مقيل أمام مبنى الصحيفة، هذا إذا كانت النوايا سليمة، إلا أن النظام الحاكم الذي يضيف مع شروق كل صباح أزمة جديدة، لأنه بطبيعته منتج للأزمات لأنها المبرر الرئيسي لعجزه أمام المانحين بعدم تمكنه من إنجاز تعهداته في برنامج الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، ويتطلب ذلك مكافحة الفساد باعتباره الآفة الثانية إلى جانب الزيادة السكانية التي لا تتناسب مع التعثر في إنجاز خطوات متقدمة في الجوانب الإنتاجية: زراعياً وصناعياً ومعرفياً.
خطط النظام لتحويل الاعتصام السلمي إلى ملف جريمة القرن والفبركات معروفة ولا تنطلي على أحد، وأصبحت مثل هذه الفبركات تثير سخرية وسخط رجل الشارع. انطلقت رصاصات دخيلة على المعتصمين، وهناك شهود عيان على عدة مهازل منها مهزلة قتيل الأمن المركزي، وأصدرت السلطات المعنية بلاغاً حملت فيه هشام باشراحيل مسؤولية كل ما حدث.
اهتزت مدينة كريتر قبل وأثناء وبعد صلاة الفجر من يوم الثلاثاء 5 يناير لإطلاق آلاف الرصاصات من مختلف العيارات مصحوبة برعود قذائف «آر.بي.جي» أطلقت على الدور الأول من مبنى «الأيام» وسكن الناشرين هشام وتمام باشراحيل، واشتعل المسكن، وتلقيت مكالمة من ولدنا باشراحيل (باشا) وهو يستغيث: يا عم نجيب البيت يحترق، اتصل بأكبر عدد ممكن من الأصدقاء.
بوساطة ما وضع هشام في الصورة أنه بين أمرين: أن يسوى المبنى بمن فيه أو أن يسلم نفسه وولده هاني. وعبر نفس الوساطة تم تقديم 5 رهائن (ويرحم الله زيد مطيع دماج) من الأسرة لمزاعم بوجود قتلى. وتم تسليم: محمد هشام باشراحيل، ومازن جرجرة، وأرحب ياسين، وحامد جرجرة، ونبيل عبدالعزيز. سلم المعتصمون الموجودون أنفسهم، ومنهم الإخوة: علي منصر، وقاسم داود، ووعد باذيب، ومحمد عبدالله باشراحيل، وياسين مكاوي، وجسار مكاوي المحامي، وأودعوا مع آخرين في سجن المنصورة، ووعد الأخ المحافظ بإطلاق سراح المعتصمين.
طلبت السلطات تفتيش المبنى للتأكد من عدم وجود معتصمين، وتبين أن لا علاقة بالطلب، وإنما كان الهدف غير المعلن هو إلقاء القبض على الحراسات ومصادرة الأسلحة والذخائر والحيازة شرعية ومرخصة للزملاء هشام باشراحيل وأنجاله باشا وهاني ومحمد، وشقيقه تمام، إضافة إلى مبنى المؤسسة، لأن النظام لا يحمي أحداً، وهذا حال البلاد.
قبل منتصف نهار الأربعاء 6 يناير، يتسع نطاق الابتزاز والاستفزاز ليطال هشام باشراحيل ونجله هاني، ماذا وإلا ستستأنف القوات المعززة بالأطقم المنتشرة حول «الأيام»، وتحت تأثير التهديد المباشر، سلم هشام ونجله هاني نفسيهما للسلطات المختصة، وتجلى شموخ هشام عندما اقترب مصور إدارة أمن عدن ليلتقط صوراً له أثناء طلوعه السيارة، فوقف هشام كالطود وقال: أمثالي لا يصورون، والمطلوب تصوير الفاسدين، الذين ينهبون المال العام والأراضي، والقتلة. تم اقتياد هشام ونجله إلى صنعاء، وليفعلوا ما يشاؤون بهما، "ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر".
هشام باشراحيل و«أما لهذا الليل من الآخر!»
2010-01-12