العالم يخترع ونحن نبترع! فاجأني صديقي العزيز إلى ديوان بيت عمي في القرية ذات عيد، قميص أبيض فضفاض، وعلى رأسه عمامة خضراء، وتكسوخديه ودقنه لحية مهيبة..
جلس بعد السلام.. لحقه أحدهم، لاحظت أنه يحمل شيئًا ما ثقيلًا، تبين أنها مسبحة، لأول مرة أرى مسبحة بذلك الحجم.
همست في أذنه:
ما هذا؟
رد هامسًا:
المسبحة الشرعية.
ابتسمت، ولأنه صديق حميم، عدت أهمس:
يبدو أن الذنوب زادت عن اللازم!
ضحك..
مسبحة جدتي أتذكرها، عندما توفيت، كان الدهر قد أكل وشرب..
مسبحة الفقيه علي نعمان كانت مثار حديثنا ونحن في المعلامة.
في شارع علي عبدالمغني، وسط صنعاء، يتذكر من ذاكرته حية أن ثمة بائعة كانت تفترش الرصيف، وجه الاستغراب أنها صينية!
تعوَّد المارة عليها، ولم يستغرب أحد من وجود بائعة صينية، وفي شارع مدينة يمنية! اختفت في ما بعد.
في سوق قات بيت بوس، جنوب العاصمة، ثمة بائعة صينية أخرى تعوَّد المترددون على السوق رؤيتها تحمل ما تبيع على رأسها، لم يشغل وجودها بال أحد!
ليس لأنني الذكي، بل لأنني شاهدت ذات لحظة بعد مغرب ذات يوم، أمام الحوانيت التي كانت تبيع "الأحزمة" المخصصة للرصاص، وأدوات أخرى كغلاف المسدس! وقفنا تلك الليلة مشدودين ومشدوهين نتابع تحركات رجال قصيري القامة حمر الوجوه، اشتروا ما أرادوا وذهبوا.
بعد أسابيع كانت أحزمة الرصاص وخلافه معلقة على واجهة الحوانيت!
وفي صنعاء امتلأت حوانيت بيع "الجنابي" بالنصال الصينية!
أدركت أن الصينيتين، كانتا تراقبان الأسواق ومايستخدمه الناس في حياتهم اليومية، يدرسن السوق وعادات وتقاليد اليمنيين.
بعد فترة ليست بالطويلة، شاهدنا آلة صغيرة صينية تطحن القات! وفي الحديدة قلت لصهيري وكنا في سوق الخضار:
البيعة عندكم خضراء راوية، وكذا الثوم الأخضر، ضحك:
إنتاج الصين..
وفي دكاكين البهارات، تجد الثوم الذكر ينافس اليمني، ويسجل حضورًا طاغيًا عليه!
وإن لم تخني ذاكرتي، قات معلب!
ينتجون في البيوت، قال صاحبي التاجر الذي يذهب عشرات غيره لشراء البضائع الصينية الرخيصة:
تجدهم يشتغلون في البيوت..
لم يعد أحدهم يومًا وقد استفاد على صعيد اختراع أو إنتاج جديد، بل نذهب ونعود كما ذهبنا!
لا يوجد فقير واحد في الصين!
أكثر من مليار و600 مليون صيني، كل منهم ينتج.
****
لاحظتها في يد جوان حفيدتي، فسألت أمها:
هل هي لعبة؟
قالت:
مسبحة.
مسبحة!
خذها لك.
شاشة صغيرة تظهر عليها أرقام المرات التي رددت فيها:
سبحان الله
الحمد لله
الله أكبر
إذن، مسبحة صينية للمسلمين، شكلها جميل من خشب مصقول، وتتدلى من نهايتها خيوط حمراء جميلة، تمنح من يحملها بعضًا من الوقار..
ابتسمت وقد حملتها بيدي، محدثًا نفسي:
هم يعبدون بطريقتهم، ونحن نصلي بطريقتنا! وبين هذا وذاك مسافة هائلة من التطور.
......
خلفية تاريخية قصيرة للمسبحة عند المسلمين:
تاريخها وأحكامها، فإنه منذ بداية الإسلام وحتى بداية القرن الثاني الهجري، لم يكن المسلمون قد عرفوا استخدام السبحة، ثم انتشر استخدامها في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، بينما تعالت بعض الأصوات لإنكارها في القرن الخامس عشر الميلادي، إلا أن بعض العلماء أفتوا بجواز التسبيح بها بدلًا من الأنامل طالما ظلت وسيلة للذكر.
31 يناير 2024
عبدالرحمن بجاش