أود أن أقدم قراءتي حول موضوع اجتماعي في مسار التاريخ اليماني، بعنوان "المشيخة في اليمن".
بناء على حديث ضم لمة من الشباب اليمني المغترب ذهبوا مودعين صديقهم في إحدى الشقق المطلة على نهر النيل، قبل بضع ساعات من سفرهم إلى بلدان المهجر في أوروبا والأمريكيتين، شاءت الصدف أن أكون متواجدًا هناك.
وفي هذا السياق، احتدم الجدل بين الشباب حول مسألة "المشايخ" و"المشيخة" في اليمن، وقال أحدهم هل يستحق أن نتناول مثل هذا الموضوع، ونهدر وقتنا الثمين قبل ساعات من سفرنا؟ رد أحد الحاضرين قائلًا نتشرف أن نتحدث حول هذا الموضوع المجدي ليستفيد الجميع، وذهب آخرون مؤكدين أن اليمن تعج بالمشايخ الذين تجدهم في كل حيد، وقرية، ومدينة، فنمهم مشايخ متسلطون على رقاب العباد، ومنهم من تمكن من اقتحام العمل السياسي وفرض نفسه بعاملي: العسكرة والقبْيلة (بسكون حرف الـ"باء")، ومنهم من يعيث فسادًا في البلاد دون رادع. وقال بعض زملائهم، بل إنهم أيضًا مشايخ منقسمون على مستوى طبقي، فمنهم من يملك المال، والجاه من هنا وهناك، ويديرون شؤون ضيعاتهم، وإقطاعياتهم بطريقة العمل القسري والسخرة، وآخرون من يمتهنون العسكرة الصرفة لأذية الناس، فكل ما يقال عنهم إنهم مشايخ لا يلتزمون بالنظام والقانون.
وانبرى بعض الشباب بالقول: "إن مثل هؤلاء المشايخ لا يمتون بصلة إلى "المشيخة الأصيلة" التي أسهمت في المسار التاريخي الإنساني منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد حتى الوقت الراهن.
وفي هذا السياق، كنت قرأت مقالًا للكاتب فيصل منصور، وضعته أيضًا للنقاش، بعنوان "الشيخ الناقص، والجزار النبيل"، ليتم تداوله في معرض الرأي، والرأي الآخر.
ومن هذا المنطلق، وجدت أنه لا محيص من جانبي سوى أن أسهم في هذا الموضوع بقدر الممكن، وهو الأمر الذي كان يهمني في تسليط الضوء على مشيختين في اليمن: "المشيخة الأصيلة"، و"المشيخة الدخيلة"، وهو التفريق الذي بنيت عليه ردي تأسيسًا على قول الشاعر دوقلة المنبجي ضـدان لما استجمعا حسنا والضد يجمع حسنه الضد
ومن سعادتي، إني قد أضفت عبارة قرأتها من أحد المحللين -تعليقًا على مقال الكاتب فيصل منصور- "كم من شيخ أخلاقه وضيعة، وسيرته بذيئة"، "وكم من شيخ شهم، وكريم، وذو مروءة".
وعليه، فتح الحوار على مصراعيه، وأدلى كل من الحاضرين بدلوه، وتوصلوا إلى قاسم مشرك مفاده أنه بالنسبة للفقرة الأولى "كم من شيخ أخلاقه وضيعة، وسيرته بذيئة"، فهم ليسوا بخافين على أحد، وقد ابتلي بهم الشعب اليمني، بخاصة منذ التواجد العثماني، مرورًا بالإمامة بعد الحرب العالمية الأولى، التي تمكنت من التصرف معهم بحيث لا يعصون لها أمرًا، حتى قيام الجمهورية العربية اليمنية في 26 سبتمبر 1962م، ثم حدث ولا حرج، أما بالنسبة للفقرة الثانية "وكم من شيخ شهم، وكريم، وذو مروءة"، فهم مشايخ ينتسبون إلى المشيخة الأصيلة الضاربة أطنابها في أعماق التاريخ اليمني حسبًا ونسبًا.
وبناء عليه، تم الاتفاق على الحديث حول "المشيخة الأصيلة" التي سادت زمنًا طويلًا، ثم ظلت متوارثة في الأنجال والأحفاد حتى يومنا هذا، ومن فضائلها أنها انتشرت أيضًا في الحواضر العربية والإسلامية، وكانت وماتزال مثالًا للشجاعة والكرم والحكمة.
وبالتالي، دار النقاش حول هاتين النقطتين: ماذا تعني المشيخة؟ ومن هم المشايخ حسب المفهوم التاريخي؟ وبإجماع الآراء، تم الاتفاق على أن "المشيخة الأصيلة" جذورها راسخة، تنحدر من شجرة نسب أصيلة تعود إلى عشرات القرون، وتتسم بالفروسية، والنبالة، ورفعة القدر، والشهامة، والعلم، والمعرفة، والثقافة، والإصلاح الاجتماعي، أما "المشيخة الدخيلة" فتعتبر دخيلة في تصرفاتها على المجتمع اليمني، وتفتقر إلى الصفات الواردة في "المشيخة الأصيلة" جملة وتفصيلًا.
ولكي يستثمر المجتمعون الوقت بالمفيد، تم الاتفاق على تقديم أسماء مشايخ على سبيل المثال لا الحصر، أمواتًا منهم وأحياء، كأنموذج للمشيخة الأصيلة، على النحو الآتي:
- الشيخ الجليل أحمد بن علوان -رحمه الله- من مدينة "يفرس" بمديرية جبل حبشي، عاش أيام الرسوليين في القرن الرابع عشر الميلادي، ذو شأن كبير، واطلاع واسع، في مجالات معرفية مختلفة على مستوى العالم العربي الإسلامي. كما كان عالمًا، وكاتبًا، وشاعرًا، وفيلسوفًا، ومثالًا يحتذى به في مجال الإصلاح الاجتماعي... الخ.
- الشيخ الجليل عبدالحق محمد عبدالله الأغبري -رحمه الله- من منطقة الأغابرة -حيفان، ذو سعة علمية، ومعرفية، وتربوية، ترك بصماته جليًا في مجال الإصلاح المجتمعي، وتميز بفن الدبلوماسية التفاوضية والسلوك المراسيمي (الإتيكيت)، وهو من قابل الإمبراطور هيلا سيلاسي، في ظروف حرجة بعد الحرب العالمية الثانية، قبل أن تفتح سفارة لليمن في إثيوبيا، بهدف تصحيح أوضاع الجالية اليمنية بعد مضايقة بعض التجار اليمنيين، فكان له ما أراد.. ويعتبر أيقونة المشايخ في العلم والثقافة، وقد ذاع صيته في اليمن وبلدان المهجر.. ومن شغفه بالعلم، نصح أبناء المنطقة بالسفر لطلب العلم ثم العودة لخدمة وطنهم تيمنًا بما أورده الإمام الشافعي -طيب الله ذكره- في محاسن الأسفار:
ما في المقام لذي عقل وذي أدبِ
من راحة فدعِ الأوطان واغتربِ
سافر تجد عوضًا عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصبِ
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
والعود في أرضه نوع من الحطبِ
توفاه الله بواسع رحمته في الثالث من شوال 1399 هجرية، الموافق 25 مايو 1979 ميلادية.
كان متفائلًا ومطمئنًا بمن سيقوم بمهام المشيخة من بعده، لا سيما أن له أنجالًا وأحفادًا على قدر كبير من المسؤولية، لن يضلوا الطريق بعده. وقد خلفه:
- الشيخ النبيل علي عبدالحق الأغبري -رحمه الله- الذي تميز بحكمته وجدارته وسعة اطلاعه، وأناقته، وكان مرتبطًا بالأرض والزراعة يأكل مما يزرع، مكبًا في عمله لخدمة المجتمع، في جميع المجالات، والارتقاء بالتربية والتعليم والعدل، وأصبحت "حيفان" عاصمة المديرية قبلة الدارسين لجميع أبناء المناطق المجاورة.
انتقل إلى رحمة الله مودعًا محبيه من جميع أنحاء اليمن، يوم 25 أغسطس 2005م، ومخلفًا من يقوم في المهمة، واستقر الاختيار على الشيخ الفاضل عبدالغفور علي عبدالحق، الذي يقوم حاليًا بواجبه المشيخي بكل اقتدار على منوال السلف الصالح، وبدعم من أشقائه متى ما كان الأمر يقتضي ذلك.
وفقه الله لخدمة المجتمع.
- الشيخ الجليل عبدالسلام شمسان، من منطقة دبع بمديرية الشمايتين، كان -رحمه الله- نهمًا في الاطلاع، قرأ مراجع يمنية تاريخية، وتعمق في الجوانب الفضلى للسلف الكرام، واستفاد منهم في ميادين عديدة، منها القيادة المثلى والتعامل والشهامة، والإصلاح المجتمعي، والعدالة، والفقه، والأعمال الإنسانية، لا يخشى في الحق لومة لائم، وكان يتميز أيضًا بالفراسة، وسعة الصدر، والفطنة، وحل الامور المستعصية بين الناس، كما كان دمث الأخلاق، لطيف المعشر، حلو الحديث.. وله مجلس واسع يقبل عليه كثير من الكتاب، والأدباء، والمثقفين أسبوعيًا، وفي الإجازات الرسمية، كفرصة ثمينة للمعارف والمعرفة، وكما قال العرب: "المنهل العذب كثير الزحام". وقد ذاع صيته في اليمن وبلدان المهجر. وأوصى أنجاله، وأحفاده بالسير قدمًا على نفس النهج القويم الذي رسمه لهم.
- ولم تكن تلك الصفات الرفيعة مقصورة على الشيخ الفاضل عبدالسلام شمسان -طيب الذكر- وإنما امتدت إلى خلفه، الشيخ النبيل شوقي عبدالسلام شمسان، النائب في مجلس النواب، ذي المكانة الرفيعة علمًا، وثقافة، وسعة اطلاع، وقد سألته يومًا عن الحزب الذي يمثله، قال بكل صراحة إني أمثل اليمن، وحزبي اسمه الوطن من "صعدة" إلى "المهرة" ومن "أرخبيل سقطرى" إلى "جزيرة الطواق" في ميدي -حجة.
يتميز بشعبية واسعة وشهرة حسنة في أوساط المجتمع اليمني والجاليات اليمنية في بلدان المهجر، الأمر الذي يؤهله لأن يكون له دور طيب، بخاصة في تقريب المغترب لبلده الأصل في المجالين الاقتصادي والثقافي.
كتب الله له الصحة والعافية لمواصلة المسار صوب يمن أفضل.
- الشيخ الجليل سنان أبو لحوم، شيخ مشايخ قبائل بكيل -رحمه الله- ينتسب إلى مذحج بن همدان، له بصمات جليلة على منهج أسلافه في التاريخ كرجل سياسي، ووطني محنك، ومصلح اجتماعي، وكاتب، له اهتمامات في ميادين التربية والعلوم، والثقافة، خبر الحياة، وقارع الخطوب، وعرف عنه في الأوساط السياسية محليًا وإقليميًا ودوليًا، بأنه رجل الاعتدال والتوازنات... وفي آخر حياته انصرف إلى التأليف، لا يكل ولا يمل، حتى وافته المنية عن عمر يناهز المائة عام.
قاد المسيرة أنجاله، وأحفاده، وكانوا وما انفكوا جاهدين وعلى قدر كبير من المسؤولية، بخاصة في الشؤون التربوية، والعلمية، والثقافية، والاجتماعية، وأثبتوا أنهم خير خلف لخير سلف.
- الشيخ الجليل أحمد علي المطري -رحمه الله- (بني مطر -صنعاء)، فاقت شهرته الأوساط اليمنية في دفاعه عن الحق ضد الباطل، كان نصيرًا لمن يلجأ إليه في مظلمة، كما كان له مواقف نبيلة ومشرفة مع جميع فئات أبناء الشعب، ولم ولن ينسى له التاريخ مواقفه الشهمة، بخاصة بعد القتل الغادر لبطل فك حصار صنعاء في ملحمة السبعين يومًا (27 نوفمبر 1967م حتى 8 فبراير 1968م) الشهيد النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب أحمد قاسم -رحمه الله- عندما وقف الشيخ بكل ما أوتي من شجاعة أمام الرعاع الذين قاموا بسحب جثة الشهيد في الشوارع. حيث قام بدوره بكسر جهازه (غمد الجنبية -عادة قبلية أصيلة) يدعوهم باسم القبيلة لإكرام جثة البطل، ولم يبارح المكان حتى وصول أهل الشهيد لنقل جثمانه إلى مثواه الأخير.
كان الشيخ أحمد علي المطري وطنيًا، ولم يكن طائفيًا ولا مذهبيًا، أو عصبويًا، بل كان شيخًا وقورًا ومصلحًا اجتماعيًا، وفقيهًا في علم الشريعة: صفات أسهمت في صقل وتوسيع مداركه، وكان لها مفعولها في تفنيده للباطل بالمنطق والحجة، أكسبته مكانة متميزة في أوساط المجتمع اليمني.
- وفي السياق نفسه، يسعدني أيضًا أن أنتقل إلى مشايخ حضرموت الأجلاء الذين ورد ذكرهم، بإجماع الآراء، وهم: آل باعباد، وآل بازرعة، وآل العمودي، وآل باحبيشي، وآل باوزير، وآل عقيل، وآل الكاف، وآل العطاس، وآل السقاف، وآل حسان، وآل إسحاق، وآل بأفضل... الخ.
غرس مشايخ حضرموت في المجتمعات التي حلوا فيها بصمات واضحة في مضامير العلوم، والفقه، والإصلاحات والتجارة… الخ، وقد تواجدوا في بلدان المهجر منذ أكثر من ستة قرون، بخاصة في جنوب شرق آسيا، والهند، وجزر المحيط الهندي، وفي الدول العربية الخليجية، وإفريقيا: في القرن الإفريقي، وشمال، ووسط، وجنوب إفريقيا، ولهم أيضًا مآثر طيبة في مجال العلم، والثقافة، والتنمية والإصلاحات في تلك البلدان. وقد تبوؤوا مناصب عليا في بلدان المهجر حتى رئيس دولة، ووزير، وحاكم، ورجل أعمال، وعالم، وفقيه. رحم الله موتاهم وأطال في أعمار أحيائهم.
وبالمناسبة، يحضرني بيت من الشعر للكاتب الروائي والمسرحي والشاعر علي أحمد باكثير، الذي درس في مصر، وعاش فيها حتى مماته -رحمه الله- وقد ترجم بعض أعمال شيكسبير، وألف عدة روايات مشهورة، منها: وا إسلاماه، وهاروت وماروت، والثائر الأحمر... الخ. كما نال جوائز دولة مصر التقديرية بالمشاركة مع الكاتب الروائي نجيب محفوظ.
ويحضرني له بيت من الشعر أصبح مثلًا يردده الكثير من أبناء اليمن:إذا ثقفت يومًا حضرميًا لجاءك آية في النابغينا
وأخيرًا، ننتقل إلى تسجيل أسماء مشايخ أحياء وأمواتًا من القرن العشرين، وقع عليهم الاختيار لينضموا إلى المشيخة الصالحة، وهم ذوو تجارب أصيلة ومواقف نبيلة وفضل وإيثار وشهامة ووطنية، على النحو الآتي:
- الشيخ محمد علي عثمان (تعز)
- الشيخ عبد ربه العواضي (البيضاء)
- الشيخ محمد حسين عشال (أبين)
- الشيخ علي ناصر طريق المرادي (مأرب)
- سماحة الشيخ محمد سالم البيحاني (بيحان -شبوة)
- سماحة الشيخ محمد العمراني (صنعاء)
- سماحة الشيخ أحمد الهادي (صعدة)
- الشيخ مجاهد أبو شوارب (صعدة)
- الشيخ علي سالم الحريزي (المهرة)
- الشيخ غالب الأجدع المرادي (مأرب)
- الشيخ عبدالعزيز بن عبدالحميد المفلحي (يافع)
- الشيخ هبة الله شريم (الحديدة)
- الشيخ ناجي القوسي (ذمار)
- الشيخ راجح بن غالب لبوزة (ردفان -لحج)
- الشيخ صلاح بن حسين الأعجم (صعدة)
- الشيخ حسن فضل العولقي (أبين)
- الشيخ حسين أحمد القردعي (مأرب)
- الشيخ محمد ناصر البخيتي (ذمار)
- الشيخ أحمد محمد الكباب (التربة -تعز)
- الشيخ وليد ناصر الفضلي (أبين)
- الشيخ عيسى بن ياقوت (المهرة)
- الشيخ محمد منصور (الجعاشن -إب)
- الشيخ أحمد سعيد الشرجبي (الحجرية -تعز)
- الشيخ خالد بن صالح بن سبعة (يافع)
- الشيخ أحمد العجي المرادي (مأرب)
- الشيخ سالم بن محسن السعدي (يافع)
- الشيخ أحمد محمد سرور (الحواشب)
- الشيخ عبدالله بن إبراهيم الضحوي (الحديدة)
- الشيخ صالح بن ناجي القوسي (ذمار)
- الشيخ عبدالرحمن قاسم (الأعروق -تعز)
- الشيخ مفتاح دهشوش (حجة)
- الشيخ محمد محمد منصور (الجعاشن -إب)
- الشيخ عبدالكريم عبد ربه العواضي (البيضاء)
- الشيخ عبدالله إبراهيم الضحوي (الحديدة)
- الشيخ ناشر عبدالرحمن (الأعروق -تعز)
- الشيخ إسماعيل عبدالباري (الحديدة)
- الشيخ سعيد عثمان صبيرة (الضالع)
- الشيخ علي عبدالجليل (الأعبوس -تعز)
وفي سياق آخر، أجمع الحاضرون أن من وردت أسماؤهم من المشايخ أحياء وأمواتًا، يعتبرون أيضًا ورثة الأسلاف من سبأ، وقتبان، ومعين، وحمير، ويمنة... الخ، حيث تبوؤوا وورثوا منزلة رفيعة في "المشيخة"، وأن ورثتهم أيضًا من الأنجال والأحفاد لن يضلوا الطريق بعدهم أبدًا.
يقينًا، إن "المشيخة الأصيلة" التي سبق التعريف عنها هي المشيخة التي رسمت طريقها شموخًا وسموًا عبر التاريخ المجيد، فهم: يبنون ولا يهدمون، ينصفون ولا يظلمون، يتقدمون في إنماء مجتمعاتهم ولا يتخلفون، مناضلون عبر التاريخ، منافحون في سبيل قضايا الأمة العربية -الإسلامية ولا يتوانون، نهجوا حذو أسلافهم الأماجد، يدافعون عن الحق أمام سلطان جائر ولا يهابون، إنهم بحق وحقيقة يبنون بيد ويدافعون عن تراب وطنهم باليد الأخرى. وتركوا للأنجال والأحفاد إرثًا طيبًا في جميع الميادين.
الجدير بالذكر، أن قبورهم في اليمن أو حيثما حلوا ودفنوا في سائر الأمصار منذ الفتوحات الإسلامية، أصبحت مزارات للترحم على أرواحهم الطاهرة.
وبالمناسبة، وقف الحاضرون على ذكراهم العطرة لقراءة الفاتحة على أرواحهم، فطوبى لهم وحسن مآب. وكذا الدعاء لمن هم أحياء من الأنجال والأحفاد بطول العمر ومزيد من العطاء على منوال السلف الصالح.
وقبل أن أختم الموضوع، وبكل أسف، كان لجميع الحاضرين مآخذ على "المشيخة الدخيلة" عمومًا، دون أن يذكروا أي اسم قط، بقولهم: إنها مشيخة عشنا معها يوميًا، حادت عن الطريق القويم، واعتمدت أسلوب البطش، والفساد في المجتمع، وتفننت سياسيًا، واستخدام السلاح و"الهنجمة" في اضطهاد الناس، وتضييق الخناق عليهم في المدن، والقرى كسلطة موازية لسلطة الدولة نظرًا لغياب القضاء، والعدالة، والأمن، والأمان والاستقرار، وهي الظاهرة المقيتة التي سادت في اليمن منذ ستة عقود، وأخذت تزداد تدريجيًا مع الوقت، فأصبحت جزءًا لا يتجزأ من تركيبة السلطة، حيث استشرى الفساد، ودبت الفوضى في عموم البلاد، وكان الشعب هو الضحية، واليمن هي المأساة.
وختامًا، لم يبقَ لنا كمودعين سوى أن نتصافح مع "الإخوة المسافرين"، قبل توجههم إلى المطار، على أمل أن نلتقي بهم مرة أخرى بمشيئة الله في الأعوام القادمة، وقد استقرت الأحوال في اليمن... مع تمنياتنا القلبية لهم بالخير وطيب الإقامة، ولأهاليهم (منا) عاطر التحايا، وأزكى السلام.