هذه بنجلة سميث التي عرفناها مبكراً في بواكير العمر الجميل.. لطالما تمنيت أن تكون سكناً لنا بعد خروجنا من بيتنا في خور مكسر بمعسكر سيداسير لا ينس عام 1958م إلى الشيخ عثمان المجيدة وقتها.. البنجلة في الصورة هنا.. واسم البنجلة، ويقال أيضاً بنقلة، ماخوذ في الأصل من الاسم الإنجليزي: Bungalow.
ويقال أيضاً إن الإنجليز أخذوا الاسم من اللغة الهندية.. والمعني هو البيت المنفرد المكون من طابق واحد فوق الأرضي مع سطحه.. ويطلق قديماً على الكوخ، أو العشة، وغالباً مبني من الخشب.. ثم تطور إلى الطين والحجر وبقي الاسم ملازماً له، والمحليون من أهلينا يطلقون ذلك تعسفاً على المباني.. وجمعها بناجل.. ويطلقون كذلك على العمارات زمان اسم منظرة، ومناظر.. واشتهر مبنى الماسونية الذي كان مقراً للمحفل الماسوني في عدن باسم: "بنجلة الشيطان". وكان واقعاً حيث بناية التجارة والتموين، ومكتب محافظ عدن، بالمعلاً على الطريق المؤدي إلى الشارع الرئيسي الشهير.
تقع بنجلة سميث هذه وسط فناء واسع يلفه سور (الصورة) وتحيط به الأشجار من كل النواحي.. ويعد بموقعه وتصميم بنائه مكاناً مثالياً للسكن والاستجمام في ظروف بلادنا المناخية الصعبة، لهذا اختاره الضابط البريطاني سميث بيتاً لسكنه، ولقربه من معسكر ليك لاينس (عبدالقوي) حيث يقع مكتبه الأنيق المبني من الخشب والمحاط بالأشجار في شمال المعسكر.. كان من عادات الإنجليز الطيبة زرع الأشجار مواكبة مع القيام بأي بناء!! ومن عاداتنا البطالة قلع تلك الأشجار بعد رحيل الإنجليز نظراً لتكاليف رعايتها وسقيها بانتظام.
تقع بنجلة سميث في منتصف الطريق بين معسكر ليك لاينس والشيخ عثمان.. في الوسط تماماً.. وقدامها إلى الجنوب الشرقي تقع جولة الراوحي.. بهذا الاسم نعرفها نحن قدامى الأهالي.. ووسط تلك الجولة ينتصب نصب تذكاري تعلوه مسلة قصيرة من الرخام -ليت عندي صورة لها- وقد أطلق عليها قدامى الأهالي اسم "جولة الراوحي"
نسبة إلى الراوحي، أحد دراويش الشيخ عثمان المعروفين، وقيل أنه شحاذ، وكذلك قيل أنه مجنون.. وقيل وقيل.. المهم في الأمر أنه كان شخصية معروفة للأهالي، وكان يأوي إلى تلك الجولة التي اتخذ من سطحها مقراً لسكنه، واتخذت من اسمه اسماً عرفت به طوال ذلك الزمن الطيب الجميل.. والمهم كذلك أنه يكتفي بالنظر من على بعد إلى بنجلة سميث. !!
من جولة الراوحي تلك يأتي طريق من معسكر ليك ذهاباً إلى الشيخ عثمان.. ومن عندها يذهب طريق إلى منطقة "الدرين" الصناعية.. وطريق آخر يذهب إلى المنصورة وكالتكس ونواحيهما.. وطريق آخر معاكس يفصل بين بنجلة سميث وبين معسكر ليك لاينس، ويؤدي إلى الممدارة والشيخ الدويل..
كانت المياه وفيرة جداً وقتها.. والناس قليلون.. فترتوي الشجر والبقر.. وفوق ذلك تمطر مرة أو مرتين في السنة.. واحياناً تصل مياه السيول -الدفر- من الاعالي في وادي بنا.. وتبن.. ويصل اذا زاد إلى ساحل خور مكسر.. ومرات حتى يقطع الطريق بيننا وبين عدن الصغرى، البريقئ، حيث مصافي B. P. ولقد شهدت في عمري تلك السيول أكثر من ثلاث مرات.
أما بنجلة سميث فقد بقيت صامدة من سوء.. ولا تزال.. فياليتها كانت سكننا وسط كل المسكونة.. أو ليت لنا كماها.. مع علمي ان كلمة ياريت عمرها ما كانت تعمر بيت.