صنعاء 19C امطار خفيفة

القائمون على السلطة.. الافتراءات على التاريخ

2009-10-19
القائمون على السلطة.. الافتراءات على التاريخ
القائمون على السلطة.. الافتراءات على التاريخ
>عبدالجليل عبدالغني الخرساني
الهجوم على الأحزاب وعلى الوطنيين يستلزم الافتراءات على التاريخ بالضرورة، لأن القوى التي تعادي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وخاصة العمل الحزبي الوطني، تحتاج في حملتها على الأحزاب إلى تحوير وتزوير التاريخ وإعادة صياغته على نحو يلبي الرغبة في شطب دور الأحزاب السياسية في النضال من أجل التحرر من الإمامة والاستعمار، وفي الأحداث التاريخية، وإلغاء بصماتها من الحياة العامة والسياسية والاجتماعية والحضارية، ومن ثم دفنها تحت ركام من التشويه والتشكيك.
فتجربة عشرات السنين من الأحكام الفردية وسيطرة العقلية القبلية والعرفية والرأي الواحد والتخويف من الأحزاب والتعبئة ضدها تحت شعار الحزبية "تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة"، و"الأفكار المستوردة"... وغير ذلك، واستخدمت لأجل ذلك كل إمكانات المجتمع لتصب في خدمة أهداف قوى سياسية واجتماعية فردية وعصبوية قبلية، استغلت غياب الوعي السياسي والحضاري لدى المجتمع.
وإذا كانت هذه الظاهرة قد انفلتت من عقالها بعد انقلاب نوفمبر 67 كواحد من معالم الصراع بين قوى التقدم والديمقراطية من جهة وقوى التخلف القبلية والمناطقية والسياسية من جهة أخرى، ووجدت لها مكاناً ومناخاً خصباً في حقب القمع التي فاحت على البلاد في السبعينيات وما بعدها، فإن هذه الظاهرة قد تجذرت وتأدلجت بعد حرب الشرعية التي أفضت إلى إعادة هيكلة البنى الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية للمجتمع والدولة ونظامها السياسي بمؤسساته المختلفة، وتركيز السلطة والنفوذ وما يعودان به من امتيازات وثروة، وبما أدت إليه أيضاً من ضمور الطبقة الوسطى خاصة الفكر الليبرالي، وأزهقت قدرتها على إنتاج العلم والمعرفة، وقتلت أفكار التغيير والتطوير، وأوصلت إلى قمة الهرم الاجتماعي قوى العصبية القبلية، تحالف قوى الفساد والتزييف والبيروقراطية العسكرية والمدنية والبرجوازية الطفيلية الذي أحكم قبضته الحديدية على النظام السياسي ومؤسساته وسلطاتها، وفرض هيمنته على المجتمع، وأبقى مفاتيح السلطة بين يديه، وجند إمكانات البلاد المختلفة لمحاربة تحويل الديمقراطية إلى نهج ثابت في الدولة والمجتمع، وجهد لإلباس مقاومته هذه ثوباً شرعياً وقانونياً، رغم أنه لم يتردد في انتهاج سلوك عرفي سافر في حالات غير قليلة.
إن رموز هذا التحالف الطبقي ومراكز قواه الأساسية التي استمرت حتى مرحلة ما بعد حرب الشرعية، حيث أضفت عليه خطاباً ديمقراطياً تسرت به لضرب الديمقراطية والتراجع عن مبادئها واستحقاقاتها ومكتسباتها، واستعادة أقصى ما يمكن من ملامح وأنماط الحقب العرفية، فقد أهالت التراب على الدستور الذي أكد على الديمقراطية والمجتمع المدني والفصل بين السلطات والتوازن بينها، واعتمدت خطاباً دعائياً يستند على "الكربلائية" في معاركها الأخيرة الذي يندب حظ الوطن من جراء المؤامرات المستمرة عليه، وإشاعة الفساد ومأسسته، وتكريس روحية التصفيق والنفاق والوصولية، وشطب هوامش الحرية والديمقراطية، وهو ما قاد البلاد إلى أزمات هوية ووطنية واقتصادية واجتماعية وسياسية.
إن القائمين على السلطة ومعهم أنصارهم من مراكز القوى في المجتمع تقود حملة منظمة معادية للديمقراطية هدفها تفنينها وضبط إيقاعها وفق تصوراتها ومصالحها، وهي تتصرف بحدود سلطاتها وحجمها الذي يقرره الدستور المفصل على مقاسها باعتبارها السلطة العليا والمهيمنة، وهي التي تفسر مفهوم الديمقراطية وترسم حدودها، وهي التي تحدد ما يصح وما لا يصح للأحزاب وبقية مؤسسات المجتمع المدني أن تفعله.
والقوى القائمة على السلطة في حملتها المنظمة لضبط الديمقراطية تنطلق من 4 محاور: احتواء مجلس النواب، واستخدام المؤسسة الأمنية والعسكرية، واستخدام القضاء، وتدجين النقابات والأحزاب.
فالخطاب الجديد في الهجوم على الأحزاب هو وجه جديد لعملة قديمة، فإذا كان الهجوم على الأحزاب في الماضي استند على مقولات أيديولوجية كما قلنا، فإن الهجوم الراهن على الأحزاب وحرية التعبير يستند إلى مقولة "الحرية المسقولة"، وضبط إيقاعات الديمقراطية، والأداة الناجعة في ذلك قانون الأحزاب ولجنة الأحزاب، وقانون الصحافة،... وفي كل الحالات يبقى القائمون على السلطة بعقليتهم ونمط تفكيرهم العرفي، وبقوانين حقبة الأحكام العرفية، هم المعيار والحكم لحدود الحرية والديمقراطية، والتعددية السياسية.
وإذا كان نهج العداء للحرية وللديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وحقوق الإنسان في الماضي قبل الوحدة وبعدها، قد قاد البلاد إلى الانفجارات والحروب والتخلف، فإن العودة للوراء لن تقود إلا إلى الأسوأ.
وما دام صحيحاً أن العصبية القبلية، والجهوية، والفساد والإرهاب السياسي والفكري وغيرها قائمة فعلاً في بلادنا، لكن الخطر والخطأ الفادح يكمن في تحويل هذه الروابط من أنماط مبررة تاريخياً في الواقع وفي العلاقات السياسية والاجتماعية، إلى نمط من أشكال التنظيم الحزبي، وتسييسها الطارد للقيم والاعتبارات الوطنية.

إقرأ أيضاً