تشهد محافظة حضرموت، شرقي اليمن، توترًا ملحوظًا، بين قيادة السلطة المحلية، وحلف قبائل حضرموت، الأمر الذي يشكل تحديًا حقيقيًا لاستقرار المحافظة، ويهدد نسيجها الاجتماعي.
ويحتدم الصراع في المحافظة الأكبر في البلاد، بين السلطة المحلية برئاسة المحافظ مبخوت بن ماضي، وقيادة حلف قبائل حضرموت برئاسة الشيخ عمرو بن حبريش، الوكيل الأول للمحافظة.
وترجع أسباب هذا التوتر إلى عدة خلافات وتباينات في الرؤى والمصالح بين الجانبين، بخاصة في ما يتعلق بالملف الأمني والعسكري والتدخلات الخارجية في شؤون المحافظة. وقد اشتعلت الأزمة بعد أن أصدر الشيخ بن حبريش بيانًا ندد فيه بالانتهاكات السيادية التي تمارسها دولة الإمارات، بالتنسيق مع السلطة المحلية، على حساب مصالح وحقوق أبناء حضرموت.
وبالرغم من تدخل وسطاء قبليين لحل الخلاف وتهدئة الوضع، إلا أن الشيخ بن حبريش أصر على مواقفه الحازمة، وحث أنصاره على الدفاع عن حضرموت ومشروعها التصحيحي، الذي يهدف إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمحافظة، التي ضحى من أجلها الكثير من أبنائها.
ويعتبر الشيخ بن حبريش من أبرز الشخصيات السياسية والقبلية في حضرموت، حيث يرأس حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، وهما تشكيلتان تلقتا دعمًا من السعودية، لتعزيز نفوذهما في المحافظة، ومنع سقوطها في أيدي القوى الجنوبية الأخرى، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحظى بدعم إماراتي، ويسعى لجر المحافظة وراء مطالبه بالانفصال، والقفز على الخصوصية الحضرمية.
مذكرة محافظ حضرموت حول عمرو بن حبريش (وثيقة النداء)
وتصاعد التوتر بين السلطة المحلية والحلف القبلي، إلى حد الاشتباك القانوني، بعد أن استدعت نيابة حضرموت الشيخ بن حبريش، واتهمته باستغلال منصبه لزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظة. ورفض بن حبريش هذا الاستدعاء، واعتبره غير شرعي، ووجه الاتهامات نفسها لخصومه، مؤكدًا أنه لا يمكن لنيابة حضرموت استدعاء قيادات عليا في السلطة المحلية، وأن هذا الأمر من صلاحية النائب العام فقط.
وشكا الشيخ بن حبريش للجنة الوساطة القبلية ما تعرض له من حملة تشويه وتلفيق، ومن ممارسات السلطة المحلية القمعية ضد المتظاهرين والنشطاء الشباب، ومن حملة الاعتقالات التعسفية التي طالت بعض أنصاره.
وزاد الخلاف بين الطرفين حدة بسبب الفساد والإهمال في إدارة الموارد الاقتصادية في المحافظة. واتهم الشيخ بن حبريش السلطة المحلية بإضاعة المال العام والتلاعب بالثروات النفطية، وبحرمان أبناء حضرموت من حقوقهم ومطالبهم. وكذلك اتهم دولة الإمارات باستغلال الوضع الذي تعيشه اليمن لنهب ثروات حضرموت، بمساعدة وتسهيل من السلطة المحلية.
مذكرة وكيل نيابة غرب المكلا (وثيقة)
ووفقًا لمصادر محلية، فقد وضع الشيخ بن جريش عدة شروط أمام السلطة المحلية، لتنفيذها كدليل على حسن النوايا، ولمنع تفاقم الأزمة واندلاع الفوضى في المحافظة. من بين الشروط، طلب بن حبريش من محافظ المحافظة توضيح حول مصير الأراضي التي صرفها لمستثمرين إماراتيين ومنها ارض مصفاة لتكرير النفط في منطقة الضبة والأرض المحجوزة غرب الضبة المقدرة مساحتها 4 مليون متر مربع والتي تم صرفها لمستثمر إماراتي مقابل ٥٠ مليون دولار .
وشملت المطالب وقف التجنيد من خارج حضرموت، وتشكيل لجنة من مراجع قبائل حضرموت والمجتمع الحضرمي للوقوف على أوضاع الجنود في النخبة الحضرمية والمنطقة العسكرية الثانية. طلب أيضًا إطلاق سراح المعتقل المشجري، وعدم التدخل في الفعاليات والاجتماعات التي ينظمها الحلف. وطالب بتشكيل لجان تحقيق مستقلة في قضايا الانتهاكات التي تعرض لها سكان حافة باسويد، وجنود كتيبة الحماية الرئاسية أمام معسكر ربوة، إلى جانب الكشف عن الجهة التي وقفت وراء مذكرة الاتهام الموجهة ضد الشيخ عمرو بن حبريش، وإلغاء المذكرة كتابيًا.
واختتم بن حبريش مطالبه بتعهد السلطة المحلية بعدم دعم الجماعات التي تسعي لتخريب حلف قبائل حضرموت، ووقف تمويل أنشطتها وأعمالها التي تسعى لشق وتفريق الصف والكلمة.
وفي ظل هذه الشروط والمطالب، تبدو فرص التوصل إلى حل سلمي وتفاهم بين السلطة المحلية والحلف القبلي في حضرموت، ضعيفة، بخاصة في ظل الانقسامات والتحالفات الإقليمية والدولية التي تؤثر على الوضع السياسي والأمني في اليمن. ويحتاج الطرفان إلى تجاوز الخلافات والمصالح الضيقة، والتركيز على المصلحة العامة لحضرموت وأبنائها، والعمل على تعزيز الحوار والتعاون والتنسيق، لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد استقرار وتنمية المحافظة. ويحتاج المجتمع الحضرمي إلى الوحدة والتضامن والتكاتف، للحفاظ على هويته وخصوصيته وثرواته، وللمساهمة في بناء اليمن الجديد الذي يحلم به الجميع.