استجمع ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا، شجاعته وأقال وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان، بعد انتقادات اتهمته بالضعف والافتقار إلى القوة لإقالتها. بريفرمان كتبت في جريدة "التايمز" مقالًا لم يطلع عليه سوناك قبل نشره، ينتهك مبدأ المسؤولية الجماعية الحكومية التي لا يعبر عنها فرد بعينه. حكوميًا، الرأي الخاص والحكومي لا ينفصلان، ولا مناص من موافقة رئيس الحكومة على أي موقف قد يثير خلافات، ليتمكن من الدفاع عنه في البرلمان أو في غيره.
السيدة بريفرمان وصفت في مقالها من يتظاهر لتأييد قضية فلسطين ب-"ناشري الكراهية"، وب-"الرعاع" و"أعداء السامية"، وهي الهندية الأصل التي لا علاقة لها بهذا اللغو، ولكن لا عجب، فهي اليمينية متزوجة من يهودي. قبل المقال حظرت بريفرمان بموافقة رئيس الوزراء، رفع علم فلسطين وترديد شعار "فلسطين من النهر إلى البحر" في المظاهرات، وبخاصة التي تقترب من سفارة دولة الاحتلال العنصرية، وكأنها لم ترَ مجرم الحرب نتنياهو وهو يتحدى العالم كله، ويرفع في الأمم المتحدة خريطة إسرائيل "من النهر إلى البحر"، ويعلن استعمار ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في المكان الذي لولاه لما وجدت دولة الغاصبين، ولما عانى الفلسطينيون والمنطقة والعالم من شرور خلقها الصناعي.
ما قالته الوزيرة المقالة غير مسبوق، خصوصًا أنها أحد مسؤولي أهم أربع وزارات في "ديمقراطية وستمنستر" المنافقة.
ويضاف إلى ما سبق، الجدل الذي أثارته باتهامها آمر شرطة لندن السير مارك راولي، بالتواطؤ مع "الرعاع"، لعدم مواجهتهم بحزم، كما يفعل مع اليمين الفاشي من حزبها. كلمة "الرعاع" جزء من ثقافة حزب المحافظين وقد قالها صحفي عربي معادٍ للعروبة، ينتمي إلى الحزب، في حديث تلفزيوني قبل سنوات.
راولي برأ ساحته، وأعلن أنه يطبق القانون وحده، وأنه إذا صدر تشريع يتيح له تلبية الرغبة الذاتية للوزيرة، فسينفذه، أما بدونه فلا، وقد أيده مع انتقاد قوي لبريفرمان، عمدة لندن السيد صادق خان، الذي يتبعه ويتبعها آمر شرطة لندن في كل ما يخص أمن المدينة.
السيدة بريفرمان كانت تتوقع إقالتها لكي تصبح شهيدة الولاء لأمريكا وللصهيونية، وتحل قريبًا محل سوناك في رئاسة الحكومة. من وجهة نظري، إن هذه السيدة الهندوسية الديانة، تحمل كسياسية يمينية، كراهية للعرب والمسلمين، وعداء سافرًا لقضية فلسطين، وأن انحيازها لإسرائيل ثمرة فاسدة لثقافة العداء اليميني المتطرف في الهند لحزب الشعب الهندوسي BJP الحاكم، الذي يقوض الدولة الديمقراطية الاتحادية العلمانية في الهند، على نار هادئة.
هذا ليس رجمًا بالغيب، هو حقيقة يغفل عن إيرادها إعلام وساسة بريطانيا، وبالأخص من يحرص منهم على إرضاء أسيادهم في واشنطن التي تضع الكلمات في أفواههم، ويحرصون إضافة إلى حرصهم على الكرسي والمال، على الولاء السياسي للوبي الصهيوني البريطاني المهيمن إلى حد كبير على سياسة بريطانيا، رغم أن أفراده لا يزيدون عن 12% من مسلمي وعرب بريطانيا. هذا اللوبي هو الذي أسقط الزعيم العمالي جيريمي كوربن في الانتخابات البرلمانية عام 2019، التي لو فاز فيها لأصبح أول رئيس وزراء بريطاني يصحح سياسة بريطانيا نحو فلسطين المحتلة منذ وعد بلفور المشين عام 1917. المستقبل السياسي للسيدة بريفرمان لم ينتهِ، لأنها لاتزال عضوة البرلمان، وطموحها لا حد له، وسيدعمها اللوبي الصهيوني البريطاني والأمريكي. ليس المهم هنا مستقبلها، بل تعديل سياسات الانحياز البريطانية لدولة الاحتلال التي ألحقت بمصالح وحقوق شعب فلسطين أفدح الأضرار منذ الانتداب وحتى اليوم. وهنا يلعب الضغط العربي والعقوبات على بريطانيا دورًا محوريًا ستمتد نتائجه إلى عواصم الإذعان الأخرى، باريس وبرلين وغيرهما.
لا جديد:
السيد سوناك لم يألُ جهدًا في التعبير عن اتباع نفس السياسة الموالية للعدو، وفي خطاب رئيس الوزراء السنوي في بلدية لندن، أكد ما نسب إلى وزير الخارجية الجديد ديفيد كاميرون، الذي سارع بالاتصال بنظيره، ولي الأمر، في واشنطن للتعبير عن كامل الولاء للسياسة الأمريكية، مساء الاثنين 13 نوفمبر، وكرر وصف جرائم إسرائيل ب-"حق الدفاع عن النفس"! ومعارضته لوقف النار، وتأييده ل-"هدن مؤقتة". كاميرون هو من صنف عام 2016، وهو رئيس للوزراء، منظمة BDS، المدنية الفلسطينية، قاطعوا، لا تستثمروا، وعاقبوا من ينتج ويصدر من مستوطنات الاحتلال غير المشروعة في الضفة الغربية، بأنها معادية للسامية، وحظر نشاطها، ولم يكن وحده، فقد حذت حذوه عدة عواصم غربية تعادي حقوق الشعب الفلسطيني. إن بريطانيا المستعمَرة أمريكيًا بحاجة إلى الحصول على استقلالها من هذا الاستعمار الذي بدأ مع هزيمتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ويؤطر في ما تسمى "العلاقات الخاصة"، ولا يقتصر على السياسة الرسمية، بل يتوغل في الأحزاب الثلاثة، المحافظون والعمال والأحرار الديمقراطيون، وزعمائها الذين يقفون ضد وقف إطلاق النار في غزة كصدى لسياسات واشنطن التي لا يحيدون عما تمليه وما لا تمليه عليهم. ولعل مظاهرة المليون بريطاني من "الرعاع"! في سبت الحادي عشر من نوفمبر، المؤيدة لفلسطين، توقظهم، ولا تصبح صرخة في وادٍ.
عربيًا:
كواجب وطني وقومي ومصلحي يجب التخلي عما تسمى العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا التي تقف على النقيض التام من المصالح العربية في فلسطين. إن استمرار الادعاء بوجود هذه العلاقة الاستراتيجية يضع علامات استفهام حول استقلال هذه الدول، فبداهة ليس من الأصدقاء من يصوت في 12 فبراير ضد قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإنهاء الاحتلال
الإسرائيلي لفلسطين، وبالنتيجة لا يليق بأية دولة عربية أن تصف العلاقات معها ب-"الاستراتيجية"، وهي العدو الذي يسند بدون قيد أو شرط عدونا الذي لا تقف سياساته التوسعية عند فلسطين، بل تمتد إلى مصر والأردن ولبنان والعراق والسعودية.