يوم تكلمت غزة كان يومًا آخر... كان فتحًا مبينًا صاغه عباقرة من جيل جديد... دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، فاجأوا من كان يحلم بأن ملفًا كان هنا دفنه النسيان... الأيام الليالي... صاغوا بفرادة معادلة لا تقهر رغم أن التضحيات جسام... لكن مع استمرار ضحيج المعارك والتضحيات، واحتدام المواقف الغامضة الملتبسة المصابة بعسر الهضم.. لغها بغموض أغلبه مقصود يزيده عربدة وغموضًا هستيريًا، انطلقت من بوتقة إعلامية غربية أمريكية فقدت وهي تدعم الكيان الغاصب ثلاث مرتكزات للمصداقية الاعلامية:
أولًا موضوعيتها.
تبعًا لذلك ثانيًا فرطت بعذريتها، لتفقد ثالثًا مصداقية شرف المهنة.
رابعًا تعمد دس السم الصهيوني في العسل الصهيوني المغذي للميديا الإعلامية الأوروبية اللعوب، مع غياب متعمد لموقف الحيادية الموضوعية، إلا من رحم ربي.. بعدها انفجر مع تصاعد القمع وحرب الإبادة صهيونيًا على الشعب الفلسطيني ذاك أنتج حراكًا جماهيريًا شعبيًا أوروبيًا أمريكيًا دوليًا ضاغطًا أعاد صحوة الفهم المغيب عمدًا عمدًا من قبل آلة الإعلام الغربي الأمريكي، إعلام جوهره تاريخيًا استعماري بكل سوءات التاريخ الاستعماري الذي تولد بداخله مشروع الكيان الصهيوني.
يوم غزة كان يومًا آخر، كان إعجازًا تحدى، بل فرض على الأرض حقائق باسم شعب فلسطين، صاحب الأرض الحقيقي، عندها أنصت العدو وعالمه الداعم لما بعد طمس الحقائق.
يوم تكلمت غزة ألغت كل تكتيك يهدف للإبادة مع مرتكزه القائم على الترانسفير النهائي، إغلاقًا لملف القضية الفلسطينية.
يوم تكلمت غزة كانت تعرف ماذا تريد..
... لا لطمس القضية
... حماس جزء من حركة تحرر وطني عربي فلسطيني، ويبنى على ذلك مبادئ...
... لا للتهجير
... صمود بوجه الإبادة
... لا للوطن البديل
إنه يوم آخر أفاق معه العالم بعد نهر الدماء، ليقف مطالبًا بالوقف الفوري للحرب، مرتكزًا على مشروع سياسي متكامل قابل للتحقق على الأرض، قد أصبح ذلك مطلبًا بعد سقوط هيبة الآلة العسكرية التي فقدت توازنها وصوابها، بل قدرتها على الإنجاز العسكري ما عدا قتل البشر أطفالًا ونساء وكبار سن. تلك كانت الحصيلة اليومية التي يقدمها شيلوك على مائدة الموت، للعالم الذي أفاق بعد غفوة.
هوس الإبادة الذي يلجأ إليه العاجز، قد أيقظ كل من لديه ضمير، ليتبنى بقوة مطلب وقف إطلاق النار، مع حماية المدنيين، كمطلب دولي إنساني زاد من مداه وقوته صمود غزة الأسطوري، ومقاومتها الباسلة، والتفاف شعب فلسطين حولها كلحمة وطنية ترفض كليًا لنهج الترحيل أو الترانسفير القصري، حيث قالت غزة كلمتها: البقاء يعني بقاء الوطن الفلسطيني المعزز بهذه اللحظة النادرة، المعزز بحل سياسي متكامل ينهي الصراع جذريًا، ويعيد الحقوق لشعب فلسطين كما ينبغي، بخاصة وأن الموقف المشرف لمصر والأردن من رفض أي مشاريع بطياتها حيلًا وقراءات مرفوضة كليًا، مما شكل موقفًا ضاغطًا لا يساوم، وبما يضمن حلًا شاملًا للقضية الفلسطينية على أسس ومرتكزات لا حيدة عنها مطلقًا.. محددة بما يلي:
أولًا: بعدم السماح لأية محاولات لإنهاء القضية الفلسطينية.
ثانيًا: الانتقال لمربع دعم صمود غزة مهما كان الثمن.
ثالثًا: رفض عربي مطلق لأية حيل سياسية تعيد ترسيم خطايا تاريخ مدمرة، منها، بدءًا من وعد بلفور إلى كافة القراءات الملتبسة التي تكمن بطي أي مقترح أمريكي غربي من شاكلة إدراة غزة اليوم التالي، عبر سيناريوهات تدور في فلك المصلحة الإسرائيلية على حساب فلسطين وشعبها، من ذلك مثلًا:
الدعوة لإرسال قوات تابعة للناتو معززة أمريكيًا.
قوات مشتركة أوروعربية بالذات مصرية.
عودة وتسلم السلطة الإدارية لغزة إخراجًا لحماس من المعادلة السياسية.
وأخيرًا، وبعيد سلسلة من الزيارات المكوكية التي دشنها بلينكن بعطره الصهيوني السيئ الفواح، وفشل محاولاته مع ما لاقاه من دعم أوروبي تحديدًا، وبإصرار بريطاني ألماني، لكن خاب ظنهم، فقد كان صمود وتضحيات غزة مدعاة للعالم كي يفيق.
أخيرًا، ها هو وليم بيرنز يقدم، خلال زيارته الطازجة للقاهرة، مقترحًا بقراءة سيئة الصيت والسمعة، إن لم تكن أكثر بذاءة، لأنه جاء يعرض بضاعة شيلوك الفاسدة، جاء يطلب أن تلعب مصر دورًا ليس فقط مشبوهًا بل هو مرفوض من أساسه، لتتولى إدارة شؤون غزة اليوم التالي لوقف إطلاق النار، لكن عاد من حيث أتى، خائبًا خالي الوفاض، إذ لا بديل عن وقف إطلاق النار والدخول للقضية من بوابتها الأساس: حل سياسي متكامل لمرتكزات القضية الفلسطينية.
هنا ينبري السؤال أمام متطلبات الدخول لليوم التالي فلسطينيُا وعربيًا من منظور يعزز التضحيات والصمود المبذولين من قبل الشعب الفلسطيني، والوقفة الجادة أمام ما تطرحه التحركات المشبوهة من مضامين خفية لإنهاء القضية الفلسطينية وما تحمله وتتضمنه من مخاطر على دول الجوار العربي، وأساسًا مصر، يليها الأردن، ثم المحيط العربي كله... وذلك بات معلنًا وصريحًا، ولا يحتاج إلى تأويل وشرح... وهنا نبادر بالقول بما يلي:
من حيث المبدأ طرح بديل المرحلة الانتقالية له مخاطر يدركها من طرحه، وقد جربناه نحن في حلحلة الأزمة اليمنية، ووجدناه وبالًا ليس إلا، ولا نريد لفلسطين الغرق بمياهه الآسنة.
الوقت ليس وقت مشاحنات فلسطينيًا، تعزيز اللحمة الفلسطينية أهم، وذلك عبر:
إعادة جوهرة عناصر التوافقات الوطنية التي توصل إليها الطيف السياسي الفلسطيني بجهود مصرية جزائرية.
عدم قبول السلطة لأي ضغوط ستفرض عليها، والتمسك بالموقف الكلي الفلسطيني.
استمرار الدعم العربي. وهنا يتطلب الأمر التأكيد على الدعم العربي المطلق اقتصاديًا.
ضرورة التوافق خلال القمة العربية على التمسك العملي بجوهر الصراع العربي الصهيوني، استبعادًا لأي تطبيع، مع دعم مبدأ مركزية القضية الفلسطينية دونما تفريط أو مساومات، مع ما يتطلبه ذلك سلفًا من ضرورة وحدة الصف والرؤية بشروطهما الموضوعية...
هنا لنا وقفة مع كل القراءات والتصريحات التي صدرت عما يسمى محور المقاومة، نقول إن ما قيل وما صدر قولًا عنها كان مجرد زعيق أكثر من الفعل، كان الفعل ركيكًا، وذلك يستدعي السؤال: متى ينتهي موقف البين بين؟ نريد فعلًا يعكس مفهوم جبهة حقيقية لمواجهة الشيطان الأكبر وحليفه شيلوك!
بقي أن نشير إلى أن عنوان المقال ليس ترجمة للفيلم الأمريكي البريطاني بدايات عام 2000، المسمى doomsday، قد كان صحيحًا فيلمًا خياليًا من أفلام الخيال العلمي الموظف بإمكانيات هوليوود وجهنمية اللعب الاحتيالية البريطانية الخيال حول يوم قيامة آخر... خلقوا مثيلًا له بالفعل بحرب الإبادة التي يشنونها بغزة عبر خطهم المتقدم إسرائيل، لشق وفصل وتمزيق خارطة الترابط العربي عبر زرع هذا الاخطبوط.
لا خيار أمام غزة والشعب الفلسطيني غير الصمود. وهذا الصمود هو الذي ينتج على الأرض هذا النوع من المقاربات التي يبدأ اللوبي الأمريكي بالترويج والتسويق لها، يصاحبها بداية رفض صهيوني مع تصاعد ضغط دولي بطابع شعبي بات يؤثر على مراكز القرار أوروبيُا.
إنها كوميديا دم صهيونية فجة دامية يكررها شيلوك، بدأ بريقها يخفت مع تصاعد الإنصات للصوت المحاصر، صوت شعب فلسطين، وحقه بدولة كاملة السيادة والحقوق غير المنتقصة.
ختامًا، نقول ها هي غزة مقاومة وشعبً، يقولان بأن غدًا لناظره قريب.
فلتنتظروا يا أولي الألباب بالسلطة وقمة العرب القادمة، وقمة المسلمين... ما عساكم تفعلون؟
غزة قد قالت، قد قدمت ما يجب، والباقي واقع على كاهلكم، وإن غدًا لناظره قريب.
وإنا مثل غزة لمنتظرون!