يا عمر يا صديقي العزيز.. أنتم من السادة آل السقاف، أليس كذلك؟ إذن لماذا لا تقول: عمر السقاف بدلًا من الرخم؟ قال: السقاقيف كثيرون جدًا جدًا.. ونحن نريد التميز بلا إثقال!
كانت سيارتي الفولكس واجن الحمراء تسير نازلة من عقبة عدن، وتجاوزتها سيارة فولكس واجن زرقاء يسوقها صديق من آل الحمزي اسمه حسن حسين، ومعه راكب آخر.. ودحشت مؤخرة سيارته بسيارتي.. وانقلبت سيارة حسن على الطريق،
"عمر الرخم" يظهر يسار الصورة
وخرج منها الاثنان سالمين بدون أدنى أذى.. كان ذلك زمن الفولكس ويجنات اواخر الستينيات.. ولم أكن وقتها من يسوق الحمراء.. كان يسوقها صديق عمري السيد عمر الرخم! لكن الشرطة استدعتني أنا.. وهي حكاية نكملها وإحنا ماشيين.. زرت عمر في بيته بقاهرة الشيخ عثمان.. قابلت والده.. الرخم الكبير.. كان يجلس على حصيرة القرفصاء، ويدخن الرشبة (النارجيلة) يرص الجمر فوق بوري التمباك، ويسألني: هذا دي يبا يسيه ابني عمر دي تقولوا عليه تمثيل.. هو حلال وإلا حرام؟
وطمأنته بأنه حلال بلال زلال.. وهدأت نفسه.. بنت امربيع، الأرملة وابن الشيخ، أبو الويل.. وغيرها.. وغيرها.. شاركت في تمثيل أغلبها لفرقة الجنوب للتمثيل التي
أسسها عمر الرخم، وكتب مسرحياتها كلها، ودخلت معه عضوًا في الفرقة.. انفرد الرخم بأنه رائد المسرح الريفي، أو البدوي إن شئتم.. كنا نمثل في التلفزيون الأول القديم على الهواء بلا تسجيل، ما كان التلفزيون وقتها يمتلك ماكينة الفيديو ليسجل عليها برامجه، وفي برنامج "مسرح التلفزيون" الذي كان يقدم أسبوعيًا، شاركنا بكل أعمال عمر الرخم الإبداعية باللهجة البدوية، باستثناء واحدة كتبها بلهجة عدن الدارجة.. كان عمر منخرطًا في صفوف المناضلين في جبهة تحرير الجنوب المحتل FLOOSY، دون أن يعلم بذلك أحد.. حتى أنا ما كنت أعرف إلى أن
وقعت حادثة سيارتي، وطلبت حضور عمر معي للتحقيق لأني كنت قد أعرته سيارتي في يوم الحادث، وعلمت في ما بعد أنه نقل بها قطعًا من السلاح لصالح جبهته.. تمسكت في التحقيق بالقول بأني صاحب السيارة وسائقها.. لكن ذلك لم يجد نفعًا.. الصديق حسن حسين الذي انقلب بسيارته الزرقاء لم يرَ من كان السائق.. وقد عوضه التأمين بسيارة جديدة لنج.. وبنفس اللون وفي نفس الشهر!
أخذ عمر الرخم ضابط التحقيق إلى الداخل، وشرح له الحقيقة.. وخرجا.. أخذني الضابط بيدي إلى سيارتي، وأشار إلى بقعة زرقاء على رفرف سيارتي،
وقال: الله يهديك يا رفيق.. على الأقل كنت باتمسح آثار صدام سيارتك! خلاص.. أغلقنا المحضر.. صلنا وجلنا يوم الإفراج، واحتفلنا بمعرفة تعويض حسن حسين بفولكس واجن زرقاء وجديدة..
يقع بيت نجمة مسرحنا "نور الهدى أحمد" في آخر طرف من أطراف مدينة دار سعد نحو لحج.. وعندها كان عمر يخبئ بعض سلاحه ولوازم قتاله.. وفي ديسمبر 1967م
نشب صراع بين FLOOSY.. وNLF قاد إلى حرب أهلية ضروس عمت كل البلاد.. وكان عمر الرخم يقود نقطة آخر الحدود المؤدية إلى الحوطة في السلطنة العبدلية... وامتد الصراع في تلك الحرب
اللعينة عدة أيام، حافظ خلالها عمر الرخم ورجاله على السيطرة على تلك النقطة الهامة التي كانت أيضًا نقطة تواصل بين الإمداد بالسلاح من تعز إلى عدن لطرفي النزاع.. لذلك اكتسبت أهميتها الكبرى.
في شهر ديسمبر كنت سافرت إلى أسمرة في بلاد الحبشة أيام حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي المجيدة، أسد يهوذا.. كنت كل ليلة أسهر في ملهى بيكاديللي الشهير، مع الصديق العزيز عبدالله شيخ، والصديقة مضيفة الطيران بدرية فروي، وفتاتين من أسمرة لزوم الونسة.. نستمتع بأغاني فرانك سيناترا بصوت المغني الأسمراوي جيوفاني.. وفي ليلة من ليالي
الشؤم التي مرت بنا، تلقيت نبأ استشهاد صديق عمري، السيد عمر الرخم..
كانت ليلة من أحلك ليالي الحزن مرت علينا هناك، قطعت زيارتي هناك وأقفلت راجعًا إلى مدينة تدثرت بأحزان من فقدت من الرجال الذين لا يعوضهم الدهر.. ولا تستبدلهم السنون.