الراشدي وجنازة الجمعة الحزينة
* محمد شمس الدين
8 أشهر فصلت بين انتفال روح الطبيب الشهيد درهم الراشدي الى جوار ربه وبين انتقال جثمانه الى جوار دار الرئاسة. لم تكن أسرة الشهيد تتوقع أن ضمائر القائمين على الحكم قد وضعت في ثلاجة تزيد درجة برودتها عن برودة الثلاجة التي حفظت جثمان قتيلهم طيلة الأشهر الثمانية الماضية.
تأخير الدفن لإجبار الدولة على القيام بواجبها كان وسيلة ضغط ناجعة لإجبار السلطة والعقلاء على تقديم القتلة للعدالة وتسريع إجراءات التقاضي في القضايا التي يكون فيها الطرف المدان نافذاً، وكذلك قضايا القتل البشعة التي تثير غضب العامة، غير أن هذه الوسيلة لم تعد مجدية في السنوات الاخيرة التي أظهرت السلطات عدم مبالاتها بغضب مواطنيها وحقهم في الحياة.
إن عدم قيام الدولة بواجباتها قد حتم على اليمنيين دون غيرهم أن تتأخر أجسادهم عن اللحاق بأرواحهم لعدة أشهر، وقد تتأخر لسنوات وتحديداً المسالمين منهم. ما الذي يمكن أن يقوم به الضعفاء والمتطلعون لتحقيق العدالة والمطالبة بحقوقهم التي شرعها الله بعد اليوم؟ وما هي الوسيلة الجديدة التي سيلجؤون اليها لتحريك ضمائر المسؤولين للقيام بواجباتها وحماية حقوقهم المهدورة في ظل سلطة تجاهلت الشرع والقانون والأعراف والقيم؟ وكيف عليهم اأن يطيعوا سلطهة تتحدث عن القانون صباح مساء في حين أنها هي من أجبرت الناس على الخروج عليه؟ ثم كيف لنا أن نفهم سلطة تفرط بسيادتها وتطلب من الضحايا حماية السيادة التي فرطت بها، هي من تزرع الفتن وتطالب الضحايا بإخمادها؟!
لم يخرج آلاف الجمعة قبل الماضية لتشييع جثمان الشهيد درهم القدسي الى جوار دار الرئاسة، بل شيعوا معهم القانون والنظام وهيبة الدولة الى مثواها الاخير، ولم يتقاطروا إلى المقبرة وسط الأمطار الغزيرة للبحث عن الأجر فقط، أو لعلاقتهم الشخصية مع الشهيد أو أسرته التي رفضت العزاء، ولكنهم ذهبوا للبحث عن العدالة والعزاء على القانون والتعبير عن أسفهم وسخطهم من تجاهل السلطة لمتابعة القتلة وتقديمهم للعدالة. هكذا كان تعبير غالبية الحضور.
جثمان الدكتور القدسي لن يكون بعيداً بعد اليوم من الخطابات الرئاسية التي تتحدث عن الأمن والأمان في كل المناسبات الوطنية، وسينعم الشهيد بسماعه عن دولة النظام والقانون وعن الأمن والأمان، وقد يستمع من ذات المصدر الى تهديد من الوصول الى الصوملة او العرقنة إن كان الموتى يسمعون. ومع أن تهديداً كهذا قد لا يعنيه بقدر ما يعني أسرته كون موته في ظل فوضى مثل الصومال والعراق أهون عليها من البحث عن عدالة قد لا تتحقق وجناة معروفين تتقاعس الأجهزة عن إحضارهم.
أعتقد أن الجريمة التي ارتكبت في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا بحق الدكتور القدسي، ومقتل الشهيد صلاح الرعوي داخل البحث الجنائي بمحافظة إب، وغيرهما من القضايا هو ما يثير غضب العامة من الناس وتذمرهم تجاه السلطة، كون الجريمة موجودة في كل بلدان العالم، وقد يرتكب الاشخاص الذين ساءتهم تلك الجرائم، ما هو أبشع من تلك الجريمة في لحظة غضب، لكن طريقة تعامل الاجهزة الامنية مع تلك الجرائم باستهتار هو الجريمة البشعة أساساً، فمقتل طبيب على يد غاضب قد يحدث في أي بلد، لكن الجريمة البشعة أن تقوم السلطة بهدم منزل القاتل دون مبرر، وتحويل القضية الى صراع مناطقي، والتستر على الحناة، وهنا يكمن الخطر وتظهر البشاعة كونها بذلك تهدد الجميع بمن فيهم المستندون على النفوذ القبلي او القيادات الامنية أو العسكرية، فانفراط العقد لن يكون ضحيته المسالمون والضعفاء وحدهم، فما يحدث في الصومل الذي اختفت فيه وجوه وظهور أخرى ويتلاشى نفوذ ويظهر نفوذ لآخرين لم يكن أحد يتوقعه، أن تحول زوجة مساعد الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري الى متسولة في شوارع عدن، والتعذيب والابتزاز الذي تعرض له زوجها، وكذلك مسلسل اختفاء الزعامات وظهور زعامات جديدة، والدمار الذي يشهده الصومال يتطلب منا في السلطة والمعارضة الوقوف عليه.
إن القرار الصائب الذي اتخذته أسرة الشهيد القدسي بدفن الضحية في أول جمعة من شهر رمضان المبارك، وعلى بعد أمتار من دار الرئاسة، يتطلب من المعنيين بحماية المواطنين اتخاذ قرار مماثل يعيد الاعتبار للدستور والقانون وفرض هيبة الدولة وتحقيق العدالة، حتى لا تشهد ذات المقبرة تشييع جنازة سنوية رمزية للشهيد القدسي والقانون في ذات الوقت، والمقبرة التي شيع إليها جثمانه.
mshamsaddinMail
الراشدي وجنازة الجمعة الحزينة
2009-09-10