البطولات... وعذابات البسطاء
> محمد الغباري
لا تستهويني بطولات بعض نواب البرلمان ولا أصحاب النفوذ القبلي والمالي لأن هذه البطولات تقوم في الغالب على صراع مصالح ويتم من خلالها استثمار معاناة البسطاء بالعنتريات الفارغة التي غالبا ما تنتهي بالحصول على النصيب المأمول من الكعكة وإن بطرق غير مشروعة.
الأكيد أن اتساع رقعة الفقر والبطالة وانتشار الفساد ومهادنة الحكم لقوى النفوذ جعل جماعة صغيرة من هؤلاء يستحكمون بالشان الاقتصادي، ويتصارعون فيما بينهم، وعند تضرر مصالح أحدهم يمتطي هؤلاء خيول الشجاعة لنقد الحكم والفساد وغياب الدولة مع أنهم يفاخرون في نهاية تلك البطولات بالولاء القبلي ويدوسون صباح مساء على القانون الذي يعد المقياس الحقيقي للمواطنة وللتمدن.
خلال الأيام القليلة الماضية تراجع نقد الأحزاب المعارضة لأداء الحكومة مع أن ذلك حق أصيل لها على اعتبار أنها تمتلك مشاريع مغايرة للمشروع الذي يحكم به، مجازا، حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، وبرزت بطولات فردية من أشخاص هم في الأصل جزء من تركيبة النظام أو هم من أكثر الأطراف استفادة منه.
هؤلاء يتحدثون بصوت عال عن التوريث فيما هم واخوانهم يرثون المناصب استنادا الى بطولات "الوالد "،حتى أصبح لدى هذه الاسرة نواباً في البرلمان ومواقع مسئولية أكثر مما لدى حزب من الأحزاب، وأصبح هؤلاء يحتكرون التوكيلات التجارية من وكالة الآيسكريم وحتى صناعة محطات الكهرباء وتجارة المشتقات النفطية.
ويتهرب "بطل من هذا الزمان" من دفع مليون دولار بقية استحقاقات عليه لمشتقات نفطية تم شراؤها من مصفاة عدن وقام ببيعها لسفن حين كان يملك شركة للملاحة، ولازال حتى اليوم يستولي على سفينة أبحاث حكومية وتستخدم للاصطياد وتهاجم الصيادين الضعفاء وتعبث بمناطق الاصطياد، ولا يقدر أحد على الاعتراض عليها أو إيقافها عند حدها!
نحن في حاجة لقيم ولسنا بحاجة لبطولات زائفة. فمن لا يحترم القانون ولايتشرف بالاحتماء بالقانون والدستور لايمتلك حق الادعاء بأنه ينطق باسم البسطاء لأنه يصبح واحدا من أعداء مشروعهم وتطلعهم إلى بناء دولة مدنية حديثة قائمة على المساواة والعدل.
ومن يرى أنه أحق بحقيبة وزارة النفط لمجرد كونه من العائلة التي ينتمي اليها الرئيس فان حديثه عن التوريث والفساد يصبح نوعا من التلذذ بعذابات المتضررين من سوء الإدارة ومن استحواذ قوى النفوذ على كل شيئ.
يخشى الرئيس علي عبد الله صالح من التغيير، ويتعامل بحذر شديد مع التجديد. ولهذا تكونت من حوله مراكز قوى ومصالح باتت تتحكم في معظم الشان العام إلى الدرجة التي أصبح فيها من المستحيل إقالة رئيس جامعة أو إبعاد شخص عن موقع ظل فيه لأكثر من عشرين سنة، وتحول بفعل ذلك إلى وكر للمصالح وأداة للإفساد.
ربما تكون اليمن واحدة من البلدان العجيبة في العالم فيما يخص المواقع والمسئوليات، فلا يوجد مسؤول يحال إلى التقاعد أو يترك الوظيفة، ولكن إذا ما تجرأ الرئيس على تغييره يصبح ملزما بأن يبحث له عن موقع اخر إما في مجلس الشورى وإما في سفارة من السفارات أو هيئة من الهيئات، حتى أننا قد نسينا أسماء الوزراء المتعاقبين على التشكيلة الحكومية في الولايات المتحدة فيما تعيش أجيال يمنية على تلك الوجوه حتى ملتها وكرهتها...
البطولات... وعذابات البسطاء
2009-08-19