ما قبل رحيل آخر اليهود اليمنيين محمد الحكيمي
كان العيلوم يحي يوسف يتحدث بمرارة في حلقة نقاش نظمتها منظمة التغيير صباح أول أمس الاثنين في صنعاء، عن تزايد التهديدات التي يتعرض لها أبناء الطائفة اليهودية في البلاد، وكان عشرات اليهود الذين قدموا من محافظة عمران يومها، يحملون جوازات سفرهم وهم يودعون أسرهم استعداداً للسفر. وربما كان هذا المشهد كافياً لاستنتاج ما سيتعين على العيلوم يوسف أن يقوم به: حماية باقي أبناء أولى الديانات السماوية في اليمن. ويبدو أنه قد قام بكل ما يمكنه القيام به لحماية طائفتة، ولم يبق أمامه عير خيار التهجير، من خلال ترحيل البقية الباقية من اليهود المقيمين في اليمن، صوناً لأعراضهم التي يستبيحها أشقاؤهم المسلمون، فالسلطة غير مكترثة لمشاكلهم، ورجال
الدين لا يحبذون الحديث عن التسامح الديني في المساجد على الإطلاق!
يقول العيلوم -وهذه رتبة دينية تحل ثانيا بعد الحاخام- يحي يوسف إن اليهود يفكرون الآن بحدية بالسفر إلى إسرائيل، خوفاً على بناتهم من التعرض لما تعرضت له " ليه" الشابة العروس التي اختطفت بعد أسبوع من زواجها، وتم تزويجها من أبناء أحد المسلمين من قبيلة خارف إحدى قبائل حاشد في عمران.
أخر ما يمكن أن نتخيله،هو خوف الأقلية المسالمة من بطش المسلمين في هذا البلد، ولعل سعيد الناعطي وهو والد الفتاة (ليه) كان أخر الذين تعرضوا لذلك البطش. كانت عبارة الناعطي ترن في آذان المنصتين لها في حلقة النقاش وهو يصرخ بقهر: "أعراضنا مصانة مثل أعراض المسلمين، ولا يجوز لا في دين موسى ولا دين محمد أن تتزوج المرأة أكثر من رجلـ". وبالرغم من كل تلك الادعاءات الحضارية التي ورثتها اليمن عن الطيبة والحكمة إلا أن حلقة النقاش تلك كفيلة بعرض ما ستؤول إليه الأمور تجاه طائفة اليهود اليمنيين.
لننسى الآن حادثة ليه فهي تحتاج لتدخل مباشر من المحكمة بحسب مختصين، ولنتحدث عن نهاية هذا التسامح الديني الذي ورثناه، والذي ترسم ملامحه حوادث تضييق الخناق على اليهود اليوم.
حتى الآن لا تحتفظ الحكومة بسجلات خاصة بهوية الكيانات الدينية الأخرى في اليمن، و لا يوجد هناك قانون يفرض على الجماعات الدينية تسجيل نفسها لدى الدولة طبقاً لتقرير الحرية الدينية (الاميركي) في اليمن لعام 2007، بيد أن الماضي الذي كرهناه كان لديه سجل غير متوقع.
تقول " كاميليا أبو جبل " مؤلفة كتاب "يهود اليمن"، وهو كتاب تاريخي هام يوثق تاريخ مفصلي لتعامل اليمن مع الطائفة اليهودية: " من خلال سجل السكان الخاص بيهود صنعاء في العام 1935م، تبين أن هناك 21 حارة كان يسكن فيها اليهود اليمنيين بصنعاء، وان حوالي 1068 شخصا كانوا يدفعون الجزية، وفي عام 1940م تمكن التجار اليهود من الحصول على أمر من الأمام موجه لجميع المسلمين اليمنيين بدفع ما عليهم من ديون للتجار اليهود وفق السندات والكمبيالات التي يبرزها هؤلاء التجار. " ولعل ذلك الأمر يشير إلى مسألة إصدار قرار رسمي لمجرد أن شعر تجار اليهود بضياع حق من حقوقهم التي كانت مكفولة بشكل يستدعي التوقف لقرأتها باهتمام.
وتذكر الدكتورة كاميليا في الكتاب ذاته انه في الثلاثينات من القرن الماضي وصلت زعامة الطائفة اليهودية في اليمن إلى مواقع مؤثرة، وكان من أكبر الأدلة على ذلك صدور عدد من القوانين لصالح اليهود، بيد أن أقوى تلك القوانين على الإطلاق هو: قانون حول تجارة الخمر وأصول بيعه (بين اليهود) في البلد المسلم والوحيد آنذاك أي في عام 1932.
ماذا لو قلنا أن ثمة ميزة، لكون اليهود يشكلون الأقلية الدينية الأصلية الوحيدة في البلاد. فربما سنجد أن تواجدهم لقرون ساعد اليمن الاحتفاظ بصفة التسامح والتعددية الدينية رغم عدم وجود تنوع ثقافي يحمي ذلك بحسب حديث الزميل ماجد المذحجي في حلقة النقاش تلك، وبحسب الحقوقي باسم الحاج فإن القوانين اليمنية تتعامل مع اليهود كمواطنين من الدرجة الثانية، وهو أمر مؤلم.
ما هو أكثر إيلاما أن اليهود باتوا الآن أكثر قناعة مما مضى بأن ما من حيز يتسع لهم اليوم في البلد الذي وجدوا فيه لأكثر من 2000 عام تقريباً. وهم يؤمنون بأن تحريضاً قوياً يجري العمل به لطردهم من وطنهم الذي عشقوه، كما قال الحاخام يوسف لدرجة أن أعداداً كبيرة من الذين هاجروا إلى إسرائيل بحسب يوسف، يتمنون زيارة بلدهم الأول، اليمن، ويتغنون به ويعتبرون هجرتهم "غربة" للبحث عن لقمة العيش، غير أنهم يواجهون تهديدات عدة، مما اضطرهم إلى إغلاق بعض بيوتهم ومحالهم خوفاً من تكرار حادثة قتل معلم اللغة العبرية في ريدة "ماشا النهاري".
فالاعتداءات المتقطعة التي شنها متطرفون مناهضون لليهود في السنوات الأخيرة أماطت اللثام عن نشوء بيئة طرد مركزي تجاه اليهود لم يعرفها اليمنيون من قبل، ودفعت معظم يهود البلاد لإعادة التوطين في مدينة (ريدة) لتوخي الأمان وكذا الحفاظ على طائفتهم. نزحت الطائفة اليهودية إلى صنعاء بسبب الاقتتال الدائر في صعده بعد تلقيهم تهديداً من قبل أحد مؤيدي الحوثي والذي أمرهم بمغادرة المحافظة كما أفادت التقارير. ونتيجة العنف بين القوات الحكومية والحوثيين استمر النزوح الداخلي لليهود في صعده ومن ثم نقلهم إلى صنعاء في نهاية المطاف. ومنذ فرارهم من منازلهم، ظل اليهود البالغ عددهم 45 تحت حماية ورعاية الحكومة.
ومنذ صفقات الوكالة اليهودية في النصف الأول من القرن العشرين هاجر تقريباً كل السكان اليهود الذين وجدوا في البلد من خلال عملية الترحيل إلى فلسطين وحملت أضخم عملية تهجير اسم " بساط الريح "، واستمرت 3 أعوام بدءا من 1948. وهاجر خلالها قرابة 50 ألفا من اليهود اليمنيين. وطبقاً لمصادر رسمية لم يبق سوى380 يهودي فقط فى الجزء الشمالى من البلد، وبشكل أساسي بالقرب من منطقتي ريدة وصعده. وفي يناير 2007 تم نقل 45 يهودي من صعده إلى صنعاء. وغادر منذ مطلع العام الجاري 27فردا تم تهريبهم عن طريق الوكالة اليهودية.
ويوم أمس بث موقع "التغيير نت" خبر سفر عشر أسر يهودية في الساعات الأولى من صباح أمس (الثلاثاء) إلى إسرائيل بعد ترتيبات لبيع منازلهم وممتلكاتهم في مديريتي خارف و ريدة، وتلقيهم ضمانات بترتيب أوضاعهم في إسرائيل من حيث السكن والمعيشة وتعليم أولادهم، وأشار موقع " نيوز يمن" الاخباري إلى توقعات بمغادرة يهود ريدة و خارف خلال أسابيع بعد تزايد التهديدات طبقاُ لتصريح حاخام الطائفة اليهودية بعمران يحيي يعيش.
بعد مقتل ماشا في ريدة و اختطاف ليه في صنعاء يحزم اليهود أمتعتهم للمغادرة، ويتم تجاهل الأسباب الحقيقية لخروجهم، فيما الإعلام اليمني يواصل الحديث عن مؤامرات صهيونية لتوطين اليهود، وبينهم اليهود اليمنيين الذين لا يستمزجون الفكرة الصهيونية، في فلسطين
ما قبل رحيل آخر اليهود اليمنيين محمد الحكيمي
2009-08-12