هذا سؤال أعتقد أنه مهم جدًا، موجه للذين يتحدثون ويتسابقون لطلب التفاوض والحوار مع الحوثي، بغية تحقيق السلام في اليمن، وإعادة تقاسم السلطة، والأصل وكما هو معروف أن يكون لدى أطراف التفاوض نقاط وأوراق قوة يتم توظيفها على طاولة التفاوض والحوار لفرض شروط أو تحقيق مكاسب ونتائج ملموسة ومهمة، لذا نحن نتساءل: ما هي نقاط وأوراق قوة الشرعية بكل مكوناتها، بما فيها المجلس الانتقالي، الذي أصبح ملحاحًا في تشكيل الوفد التفاوضي المشترك، وذلك في مقابل أوراق ونقاط قوة الحوثيين؟
الإجابة على هذا السؤال هي أن الشرعية لا تمتلك أوراق ونقاط قوة بالإمكان أن تفرضها كمتفاوض ندي يستطيع أن يحقق مكاسب للدولة اليمنية المنشودة القائمة على الشراكة والعدالة والمواطنة والحرية، أو مكاسب للشعب اليمني، فالتفوق كما نراه ونلمسه من خلال السياسة ومسار الأحداث، يصب في مصلحة الحوثيين، وبالتالي فإن القوي في هذه الحالة سيفرض شروطه، وسوف يحقق مكاسب لصالح رؤيته ومشروعه الذي يريده لليمن خلال مرحلة ما بعد انتهاء المفاوضات.
فالحوثي كما هو واضح مايزال في موقع القوي عسكريًا، فهو الذي يهاجم ويسيطر على مناطق عديدة شمالًا وجنوبًا، بينما الشرعية في موقف الدفاع فقط خلال السنوات الأخيرة، لا سيما منذ تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022، بالإضافة إلى أن الحوثي استطاع منع الشرعية من تصدير النفط عبر موانئ شبوة وحضرموت، منذ عام ونيف تقريبًا..
في حين اكتفت الحكومة الشرعية والانتقالي بالتنديد والشجب، في الوقت الذي يهدد فيه بإيقاف نشاط ميناء عدن أيضًا، وهذا ما صدر عن قيادات في جماعة الحوثي مؤخرًا، ولم يلقَ ذلك ردًا مناسبًا أو قويًا من الشرعية، التي بدت في موقف أشبه بالاستسلام..
الحوثي أيضًا يستطيع أن يقصف ويضرب بالصواريخ والمسيرات إلى عمق مدن الشرعية، كما حدث في عدن للحكومة وغيرها، بينما لا تستطيع قوات الشرعية المبادرة أو الرد بالمثل، الشيء الآخر الحوثي له قيادة واحدة وموقف ومشروع واحد، بينما الشرعية متعددة الزعامات والمشاريع والمواقف، أيضًا الشمال الذي بيد الحوثي موحد ويأتمر بأمر قيادة واحدة، بينما المناطق المحررة الخاصة بالشرعية تحولت إلى كانتونات بأيدي جماعات ومكونات وزعامات مختلفة وعديدة، لكن بالنسبة للجبهة الداخلية للطرفين فهي ضعيفة ومتذمرة بسبب الفساد والممارسات المغلوطة التي تمارس ضد الشعب من قطع المرتبات والخدمات وغيرها، لكن الشرعية تبدو أضعف في هذه الجبهة أكثر من الحوثي.
إذن، على أي أساس سيكون التفاوض؟ وإلى ماذا سيفضي تحقيق السلام؟
كثيرون يتوقعون أن تكون الشرعية، بما فيها الانتقالي، لقمة سائغة على طاولة المفاوضات بالنسبة للحوثي، فالحوثي سيفاوض من موقع المنتصر، أما الطرف الآخر الواقع تحت رحمة مسيرات وصواريخ الحوثي، فسيفاوض من موقع المهزوم، الذي لا يملك شيئًا.
الإخوة في الانتقالي الذين يطالبون بإلحاح بإشراكهم في المفاوضات ضمن وفد الشرعية، عليهم أن يتأكدوا أن ما سيحصلون عليه هي مكاسب سلطوية، يعني مجموعة وزارات ومناصب هنا وهناك، لن يكون هناك حل عادل للقضية الجنوبية بما هي قضية سياسية بامتياز، ولن تكون هناك دولة اتحادية من إقليمين على الأقل، لأن القوى الشمالية في الشرعية والحوثي ترفض ذلك، وأنت حينما تتخلى عن أوراق ونقاط قوتك، وتهرع لاستجداء إشراكك في المفاوضات ضمن وفد الشرعية دون مشروع واضح وضمانات سياسية محددة، فعليك أن تقبل بشروط الآخرين، والتخلي عن شروطك.
المصيبة الأكبر في هذه الحالة أنه حتى الشرعية لن تستطيع أن تفرض شروطها للخروج بدولة يمنية اتحادية قائمة على العدالة والمواطنة والمساواة والديمقراطية والحرية، وذلك لأن الحوثي سيرفض ذلك، فهو نقيض للدولة والجمهورية، ولديه مشروع آخر قائم على الولاية والطائفية وحكم البطنين وغيرها من المسميات لما قبل الدولة. إذن، كيف لنا أن نفهم ذهاب الشرعية والانتقالي للمفاوضات مع الحوثي ضمن وفد مشترك، وهما خاليا الوفاض من نقاط وأوراق قوة ومناورة، وفي حالة ضعف واضح وصريح في معادلة التفاوض، رغم أنهما على الواقع ليسا كذلك؟
من أوصل الشرعية لهذا الضعف؟ الدول التي فعلت ذلك، وتعاملت مع الشرعية ومكوناتها بأنهم مجموعة أدوات ينفذون التوجيهات والأوامر فقط، ويتم إدارتهم ولا يديرون، مقابل مناصب وامتيازات، يبدو أنها سوف تسلمهم الآن لقمة سائغة للحوثيين، ويتجلى ذلك في أمرين؛ الأمر الأول أن هذه الدولة أو الدول ذهبت للحوار مع الحوثي إلى صنعاء في صورة أرادت إظهاره في موقع القوة، والأمر الثاني أن هذه الدولة تتحاور مع الحوثي وتقرر نيابة عن الشرعية التي يراد لها أن تكون مبصمًا وشاهد ما شاف حاجة.
السؤال: لماذا تتخلى السعودية عن الكتلة السنية في تعز والجنوب لصالح الأقلية الشيعية في شمال الشمال؟ هل نحن أمام ما حدث في العراق ولبنان وسوريا؟ هل هو مشروع دولي خارجي تنفذه السعودية في اليمن، ام هو مشروع سعودي محض؟
شخصيًا، لا مشكلة لدي مع اليمنيين سواء كانوا سنة أو شيعة، ماداموا سيسلمون ببناء دولة العدالة والمواطنة تكفل حقوق وحريات الجميع أمام القانون، لكن نحن وكما هو ملاحظ أمام مشروع خطير يجري هندسته لإيجاد يمن هش ومفكك وضعيف سليب القرار والإرادة، مشحون بالطائفية والمناطقية، غير مستقر ولا آمن.
إذن، كيف لنا أن نرفض ذلك ونتصدى له، ونحن نرى القوى الوطنية والحية سواء أكانت جماعات أو أفرادًا، صحفيين أو مفكرين، محاربة من تلك الدول التي لا تريد دولة في اليمن، بشتى الوسائل. لقد جيشت السعودية الخونة والعملاء لتنفيذ مشروعها في اليمن، وحاربت كل الوطنيين والقوى الحية شمالًا وجنوبًا، ونكلت بها، وحاولت التشكيك فيها وإحراقها بمختلف الوسائل، لكن لن تنجح هذه الممارسات، ولها مدى محدد، لأن الثابت أن يذهب المستبدون والظالمون، وتبقى الأوطان والشعوب. المطلوب هو المزيد من الصبر، والاستمرار في العمل والتآزر والتكاتف، والإيمان بأن العاقبة للمؤمنين.
وتأسيسًا على بدء، فإن الواضح أن الشرعية بمكوناتها سوف تتخلى عن عدن والجنوب كورقة قوة ومناورة، عدن باعتبارها العاصمة، والجنوب باعتباره القضية العادلة، وسيتم العودة إلى باب اليمن في صنعاء تحت هيمنة وبنادق الحوثي الحاكم بأمر الله، إن لم تحدث هناك متغيرات وأحداث جديدة تفشل هذا المخطط الخطير على مستقبل اليمن واليمنيين.