> هدى العطاس
اعتصمت في رأسي فكرة بعد أن تسلمت رسالة خبرية بالبريد الالكتروني مفادها أن مجموعة من الشباب والناشطين الحقوقيين السعوديين رفعوا بيانا يطالبون فيه بافتتاح دور عرض سينمائية في المملكة، وجاء البيان في إطار حملة حقوقية.
ما شد انتباهي في الخبر أن مصفوفة الأولويات التي تتبناها الحركة الحقوقية والنشطاء في المملكة تدلل على أنها حركة حقوقية درست الواقع وتنبثق أولويات مطالباتها من احتياجاته. سيقول البعض إن الهامش الديمقراطي معدوم وفقا لتركيبة نظام الحكم هناك؛ لذا بالنتيجة تنصرف الدعوات الحقوقية إلى الهوامش المواربة والتي يمكن أن تنفتح على استجابات ولو ضيقة.
تداعيات الموضوع تقفز بالصورة اليمنية إلى واجهة النقاش. ففي اليمن تبدو الحركة الحقوقية ناشطة وتتمتع بقدر كبير من العافية في ذاتها بعيدا عن تدابير السلطة وقمعها ومحاولاتها إجهاض نشاطها وتجييره، ولكن وفقا للقانون الذي يغيب غالبا عن التطبيق، رغم أنه يقر ممارسة النشاط الحقوقي والمدني، ويؤمِّن تكوين المؤسسات والمنظمات والأحزاب.
غير أن الحديث أعلاه عن الحالة السعودية يجرنا إلى الوقوف على مصفوفة أولويات هذه الحركة الحقوقية والمدنية اليمنية المحتشدة. سيجد المراقب من المسح الأول أن غالب هذه المنظمات تحشر أولويات نشاطها في زاوية الاحتدام السياسي، ما يعني أنها تجند برامجها وأجندتها تبعا للهوى السياسي في البلد والمطالب التي تطرأ على سطح السياسة. وفي مستوى آخر تبرمج أجندتها وفقا لهوى المانحين، وحضورهم يتمثل، غالبا، على خلفية سياسية، وبالتالي يدفعون بالقضايا ذات الارتباط الوثيق بالاختضام السياسي العام، مثل قضايا الانتخابات والفساد المسيّس والحقوق السياسية عامة، وبتهافت يشتغل غالب منظمات المجتمع المدني على ذلك، ومع أن اتفاقيات حقوق الإنسان ومواثيقها تضم أكثر من حق، منها الحقوق الثقافية والاقتصادية والتعليمية، على سبيل المثال، والتي تتواءم معها المطالب الحقوقية في السعودية، مما يدفع للسؤال: هل نحن في اليمن لا نحتاج إلى تفعيل هذه الحقوق وابتدار المطالبات بشأنها بل ووضعها على قائمة أولويات النشاط المدني والحقوقي؟
لن نغفل أن واقع الإجابة سيسبق السؤال. فعلى سبيل الدلالة تخلو اليمن من أي بنية تحتية للثقافة، أو مظاهر للتنمية الثقافية، فلا سينما ولا مسرح ولا متاحف ولا حضور فني، وهناك انحسار في دور النشر، ولا مراكز ثقافية وبحثية مفعلة وناشطة، ولا مكتبات بل وتحول كثير من القليل الموجود إلى محلات قرطاسية، ولا مهرجانات، ولا اهتمام بالمبدعين... إلى آخر مظاهر الفقر الثقافي المدقع، على ما للثقافة من دور لا يغمط في بناء الشعوب وتوجهات الأفراد والجماعات، بل إن الوعي بالحقوق وأهمية الحصول عليها مبناه ثقافي وليس سياسيا. وأثبتت التجارب أن الإجراءات السياسية الفوقية في بنية الوعي يجرفها المد الغوغائي الثقافي المضاد، وتجربة الاشتراكي في جنوب ما قبل الوحدة مثال قريب بسقوط منظومة الوعي القيمي الذي بناه مع سقوط منظومته السياسية، والتي دبر لإسقاطها عنوة وعي متخلف أتى ضدا على الوعي الذي حاول الاشتراكي بناءه بقرارات فوقية.
وعطفا على أعلاه، ألا يستحق افتقادنا للسينما والمسرح والفعاليات الثقافية اعتصاما حاشدا تنفذه منظمات المجتمع المدني التي تحتشد في ساحة الحرية وساحات أخرى على خلفية مطالبات سياسية وأخرى ملتبسة بالسياسة؟ ألا يستحق هذا الحق للمواطن التفاتا من الحركة المدنية والحقوقيين والناشطين؟ وهل سيهبّون للمشاركة إذا ارتفعت مطالبة من جهةٍ ما، كما يهبَّون في النكاف السياسي.
وفي الأخير، وحتى لا أبدو متنصلة، فأنا لا أنزه نفسي عن وسم الانخراط في الزفة الحقوقية السياسية، وإنْ حاولت الطموح خارج السرب... وحديثنا ممتد.
hudaalattasMail
دعوة اعتصام لصلاة الجنازة على السينما والمسرح
2009-07-16