سعاد عقلان العلس باحثة وأستاذة جليلة؛ فهي خريجة كلية التربية العليا بعدن، وحائزة دبلوم التربية من مدينة «دريسدن»، ألمانيا الشرقية سابقًا.
أصدرت الباحثة والمناضلة كتابها المهم «نساء عدن: تنوير وتحرير». يقع الكتاب في 299 صفحة، قدَّم له الباحث والمفكر اليساري الدكتور عبدالحسين شعبان.
عبدالحسين شعبان واحد من الرموز العربية والأممية التقدمية الداعية إلى الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهو مثقف واسع الاطلاع، وأديب من طراز رفيع، وصديق حميم لكل أدباء وشعراء العراق، وبالأخص الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وهو رفيق لفهد، الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي، وصديق حميم للمفكر الأممي عامر عبدالله الذي كتب عنه كتابًا.
يشتمل الكتاب على إهداء، ومقدمة، وتعريف تاريخي وجغرافي لمدينة عدن، ثم منهجية البحث، وستة فصول، وملحقات.
في مقدمته الضافية، يتحدث الدكتور عبدالحسين شعبان عن تدوين الباحثة مرحلة مهمة من التاريخ النضالي في جنوب اليمن، وسردًا عدد من النساء اللواتي أسهمن في الحركة الوطنية اليمنية.
يرصد الأستاذ شعبان، إلى جانب ذلك، عددًا من المزايا، فيرى في "ثانيًا" أنها تسلط الضوء على جزء غير ظاهر، أو غير معلوم، أو منسي عن دور المرأة وإسهامها.
أما ثالثًا، فالبحث عبارة عن جولة فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية في الإرهاصات التنويرية لتاريخ اليمن عمومًا، وعدن بشكل خاص لفترة الكفاح لنيل الاستقلال.
أضيف: وهو مبحث ضمن مباحث لتدوين كفاح المرأة اليمنية قبيل فجر الاستقلال، وإبان الكفاح الوطني.
المقدّمة قراءة مهمة لمبحث الأستاذة سعاد، ووقف طويلًا إزاء دستور دولة الاستقلال، وقانون الأسرة الجنوبي الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد قانون الأسرة التونسي، وهو ما تناولته الباحثة بتوسع واهتمام.
ويؤكد على دور المبحث في إظهار كفاح المرأة من أجل حقوقها، ومساواتها مع الرجل؛ باعتبارها نصف المجتمع، ويعقد ما يشبه المقارنة بين وضع المرأة في جنوب اليمن، وفي دولة الاستقلال، وبين دول الخليج العربي، والوظائف والمكاسب والمكانة التي وصلت إليها المرأة في عدن.
تقدم الباحثة تعريفًا تاريخيًا وجغرافيًا لمدينة عدن؛ مستندةً إلى مباحث ومراجع مهمة للمؤرخ والباحث عبدالله محيرز. أما منهجيتها البحثية، فتقرأ الأحداث والحروب، وتحديدًا منذ الحرب العالمية الثانية، ثم قيام الحركات الوطنية لمقاومة الاستعمار؛ مُدِينة لثقافة الصمت، وغياب الاهتمام بدور المرأة؛ منتقدة الأهواء المتحزبة والمناطقية.
والفصل الأول: تدرس مرهصات الحركة الوطنية والتحررية؛ متناولةً إعلان ميناء عدن ميناءً تجاريًا عاليًا، ومستعمرة للتاج البريطاني، وقاعدة عسكرية للقوات البريطانية في الشرق الأوسط.
تؤرخ لتأسيس المجلس التنفيذي لعدن بالعام 1938. والواقع أن الباحثة دقيقة في التوثيق، شديدة التتبع والرصد للتطور والتحديث في مدينتها عدن.
لقد قرأت بعضا مما كتب عن فترة ما قبل الاستقلال، وفترة الكفاح المسلح، ودور مدينة عدن وأبنائها البواسل في النهضة والاستقلال، فكان هذا الكتاب من أهم الوثائق لدور مدينة عدن ونسائها في التنوير والتثوير والتحرير.
تحدد الباحثة إنشاء المجلس التشريعي بالعام 1947، وتربط محقة بالحراك السياسي بتأسيس هذا المجلس، وبشائر التغيير صوب الديمقراطية؛ مشيرةً إلى العراقيل التي نصبتها الإدارة الاستعمارية؛ حيث استبعد أبناء عدن الأصليون من التمثيل في المجلس، واختص الأمر بأبناء المستوطنات من الجاليات الأجنبية.
اعتبرت الباحثة هذا الإنشاء بداية التصدي لسياسات التهميش؛ فنشأت التكوينات السياسية كـ«جمعية عدن للعدنيين»، التي أسسها داعية الحريات والحقوق أبو التنوير، ومؤسس الصحافة محمد علي لقمان.
وتشير إلى التأثير الكبير للاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني لفلسطين، ودور المرأة العاملة في الاحتجاجات، وجمع التبرعات لصالح فلسطين، كما تتناول ثورة 23 يوليو 1952، والمفاهيم القومية للثورة والتحرر.
تربط حدة المعارضة بإقرار بريطانيا دستور المجلس التشريعي عام 1955 الذي استثنى أبناء الشمال من حق المشاركة في الانتخابات، وأبناء المناطق المحيطة بعدن، والمرأة.
وفي مواجهة ذلك تأسست «الجبهة الوطنية المتحدة» الداعية إلى مقاطعة الانتخابات، وانخرطت المرأة في صفوف الجبهة؛ فقد حضرت رضية إحسان، وعدد من زوجات وأمهات بعض القادة النقابيين. وفي حين أهملت الجبهة قضية مشاركة المرأة، واهتمت فقط بقضية مشاركة أبناء الشمال، والمناطق المحيطة؛ فقد أعلنت رضية إحسان قضية المرأة.
تشير الباحثة إلى اتساع مشاركة المرأة في القضايا الوطنية والقومية، خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وشاركت المرأة في لجنة مقاطعة البضائع الإنجليزية والفرنسية المشاركة إلى جانب إسرائيل في العدوان.
شاركت في اللجنة: عديلة غالب علي، ونجيبة محمد عبدالله العلي، ونبيهة ناصر علي، وانضمت للجنة ثريا منقوش، وعائشة السقاف، وسميرة عبده عبدالله اللواتي. وكانت المهمة التوعية بأهمية المقاطعة.
تعيد الباحثة مواقف المرأة العدنية، ووعيها، وإدراكها إلى نتائج الحرب (تقصد حرب 1948) وما أعقب الحرب العالمية، وتذكر أنه عند زيارة زوجة وزير المستعمرات البريطانية لنادي سيدات عدن، اتشحت النساء العدنيات بالسواد؛ تعبيرًا عن الرفض للسياسة الاستعمارية البريطانية.
وتدون الباحثة: "لم تترك المرأة العدنية وسيلة تعبر بها عن موقفها الرافض للسياسة البريطانية إلا وسلكتها، وفي سابقة للمرأة -في مضمار نضالها الوطني- رَفع عددٌ من السيدات مذكرة احتجاج إلى الحاكم العام بعدن؛ استنكارًا منهن على سياسة التنكيل، والقمع التي تسلكها السلطة البريطانية ضد بعض القادة النقابيين".
اتخذت المرأة من يوم 30 أكتوبر 1958 يومًا مشهودًا، ظلت تقيم ذكراه لاحقًا.
المرأة ويوم الصحافة
تؤرخ الباحثة لصدور قانون الصحافة بالعام 1939، وبصدوره توالى صدور الصحف الأهلية، ودخلت النساء من خريجات التعليم ميدان العمل الصحفي. صحيفة «فتاة الجزيرة» كانت في الصدارة عام 1940، ومن ثم «الأيام» الصادرة عام 1958.
«الفتاة»، و«الأيام» دعمتا نشاط المرأة بتخصيص ركن خاص بها، وأبواب خاصة بنشاطها، وتدفقت الأقلام النسائية، وتولي تحرير أعمدة تخص المرأة، وتشرف على صفحات خاصة بها.
حضور المرأة في الصحافة الأهلية كان كبيرًا، وكان الخطاب النسوي تنويريًا وحداثيًا، وتشير إلى دور الرائد لقمان، و«فتاة الجزيرة» في تأسيس وعي ثقافي ينفتح على قضايا المرأة ومطلب تعليمها.
وتذكر قيادة رضية إحسان للحملة من أجل تأسيس وضع المرأة، وتربط بين قضيتين: التعليم، والحجاب.
تؤرخ لبروز قضية الحجاب بالخمسينيات في سياق الدعوة العامة لإصلاح المجتمع، وتصدت رضية إحسان لخوض المعركة في مواجهة «رجل الدين»، كما أثارت هانم جرجرة، محررة صفحة المرأة في صحيفة «اليقظة»، قضية خروج المرأة للعمل، وزواج الرجل العدني من أجنبيات، وتعليم المرأة، واهتمت صافيناز خليفة بموضوع الحجاب، وقادت لاحقًا مسيرة مع مجموعة من النساء.
وأسست ماهية نجيب أول مجلة باسم «فتاة شمسان»، اهتمت بقضايا التعليم، والأوضاع الاجتماعية، وتغطية أخبار إضراب طالبات كلية البنات، ومثلت جمعية المرأة العدنية التي ترأسها رقية لقمان، وسخرت ماهية نجيب مجلتها «فتاة شمسان» لهذه القضية.
اعتصام النساء في مسجد العسقلاني عام 1963، نال اهتمام الصحافة العدنية، وتؤكد على شجاعة كتابات المرأة، والتمرد ضد القيم والتقاليد البالية التي يفرضها المجتمع التقليدي، ويعبر عنها «رجل الدين»، وتحديدًا قضايا الحجاب، والحقوق السياسية، وتجاوزت في كتاباتها الهم المحلي، وواكبت -كما تشير الباحثة- التحولات العربية التي خاضتها مصر وسوريا، ودعت إلى تفعيل دور المرأة النسوي.
تضيف: "لقد كانت الكتابة الصحافية بالنسبة للمرأة آنذاك تعبيرًا يعرض فراغ وجود المكون الحزبي أو السياسي والثقافي؛ وبذلك أصبحت الصحافة منبرًا للتعبير عن الموقف الوطني والثقافي للمرأة".
وتحت عنوان «مكانة المرأة في المجتمع العدني»، تتناول كتابة ماهية نجيب، رئيسة تحرير مجلة «فتاة شمسان»، حيث يكرس مقالها لأوضاع العالم عقب الحرب العالمية العظمى والثانية، وتقرأ أوضاع المرأة عالميا وعربيا، وحالتها في عدن، والتغييرات التي أعقبت الحرب.
وتتناول فوزية ع. -عضوة جمعية المرأة العربية- حال المرأة في الماضي، والحرمان من التعليم، والحقوق، والحرية، وما تركه التعليم من آثار على حياتها. وتتناول «حواء» ظاهرة الحجاب في المجتمع العربي.
تقرأ الباحثة تأسيس الهيئات الجمعوية النسوية؛ فتتناول «نادي سيدات عدن» في 1943، و«جمعية المرأة العدنية» التي تأسست بسبب الصراع مع نادي سيدات عدن الذي أسسته الإدارة البريطانية.
وتؤرخ لتأسيس «الجمعية العدنية»، والعدنيات المشاركات: رقية محمد ناصر، وفاطمة فكري، ونبيهة حسن علي، ورضية إحسان، وصافيناز خليفة، وأخريات، وتتناول تفاصيل الصراع من حول الإدارة، وطموح الاستقلال.
في 1956 تأسست «جمعية المرأة العدنية» بعد الانسحاب من «نادي سيدات عدن» التابع للإدارة البريطانية. وكانت السيدة رقية محمد ناصر هي المؤسس للجمعية. وتشير إلى انخراط المرأة العدنية في الصليب الأحمر، والجمعيات الخيرية والإنسانية المختلفة، وتعلم اللغة الإنجليزية، والاهتمام بمرضى المستشفيات، ومساندة قريبتها سعيدة باشراحيل في إدارة الجمعية مع ماهية نجيب.
وتشيد بدور ماهية في ترؤس مجلة نسائية، ودورها في إضراب طالبات كلية البنات، ثم في اعتصام النساء في مسجد العسقلاني، ثم دورها في التمكين للمرأة من حق الترشح والانتخاب.
وتأتي بالتفصيل على دور الجمعية في العمل الخيري، وتعليم الخياطة والتطريز، ودعم الطالبة الفقيرة، وتوفير متطلبات الدراسة والملابس المدرسية، كما قامت بإنشاء أول روضة أطفال أهلية في كريتر استوعبت في العام الأول 87 طفلًا وطفلة.
في العام 1961، ومع زيادة عضوية الجمعية إلى 450، فُتح باب التبرع لبناء المركز في خليج كريتر، وقد انخرطت الجمعية في النشاط الوطني والسياسي العام.
جمعية المرأة العربية
تشير الباحثة إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي، حيث كانت الساحة العربية تموج بالحركات التحررية، وتسيد الفكر القومي الناصري الداعي للوحدة العربية.
أسست رضية إحسان «جمعية المرأة العربية»، عام 1961، وكانت تجسد الأنشطة والأهداف الاجتماعية والفنية، والبرامج الترفيهية، وعروض الأزياء؛ بغرض إسدال الشعار على العمل السياسي، والهم الوطني النسوي.
وتصف الباحثة مرحلة عمل جمعية المرأة العدنية بارتفاع مستوى المسؤولية والوعي، وتشير إلى انفساح الرؤية في الجمعية، وتعاقب مجموعات من المتمرسات على العمل في الجمعية؛ ساردة أبرزهن: رضية إحسان الله، ليلى جبلي، أم عبده خليل سليمان، وصافيناز خليفة، كما برزت نجوى مكاوي، ونجيبة محمد عبدالله، وشفيقة علي صالح، وقد فتحت عدة فروع في أحياء عدن، وكان لها تمثيل في مصر، والجزائر، وموسكو.
وتشير إلى الدور الإيجابي للجمعية في الزحف نحو المجلس التشريعي، كتعبير عن الرفض الشعبي للمشروع، وقيام نساء الجمعية بزيارة تعز، وصنعاء؛ للمباركة بقيام ثورة الـ26 من سبتمبر 1962.
الكتاب كنز من كنوز التوثيق لنشاط ودور المرأة العدنية في مختلف ميادين النشاط الثقافي والمطلبي والحقوقي والسياسي العام، كما أنه توثيق ورصد دقيق لدور الصحافة والصحف الأهلية في نشاط الحركة الوطنية والنقابية والأحزاب السياسية، وفي التنوير والتحرير.
الفصول الأخرى من الكتاب المهم تحتاج إلى قراءة أخرى.