واقع مأساوي لايزال يلاحق الصحافة والصحفيين في اليمن مُنذ ثماني سنوات من الحرب والصراع، وكغيره من الأعوام يحل هذا العام بالتزامن مع استمرار الأوضاع الصعبة التي أصبحت كالبحر ألقت ببعض الصحفيين على شاطئ البؤس والحرمان من أبسط الحقوق.
ويأتي يوم الصحافة اليمنية الذي يوافق 9 يونيو، وحال الصحافة والصحفيين من سيئ إلى أسوأ، مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وحجب المواقع الإلكترونية، وقمع الحريات، والاستهداف الممنهج لهم، بالإضافة إلى الاستمرار في إبقاء بعض الصحفيين في المعتقلات التي تسيطر عليها أطراف الصراع في اليمن، ناهليكم عن المعاناة التي يعاني منها الصحفيون، ومنها صعوبة الوصول إلى المعلومات، وتغطية الأحداث، وتضرر البنية التحتية، وانعدام الأمن الذي يعوق قدرتهم على القيام بعملهم بشكل فعال وآمن.
وتعد الأعوام السابقة، وتحديدًا بعد اندلاع الحرب في 2015، هي الأسوأ في تاريخ الصحافة اليمنية، إذ تم اقتحام مقرات الصحف من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، كما تعرض الكثير من الصحفيين للاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب وللقتل والتصفية، ووضعهم كدروع بشرية.
انتهاكات مستمرة
وعلى الرغم من قيام جماعة الحوثي بإطلاق سراح كل من الصحفي عبد الخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، وأكرم الوليدي، الذين سبق أن حُكم عليهم بالإعدام، في عملية لتبادل للأسرى تمت مع الحكومة الشرعية (المعترف بها دوليًا)، وبعد اعتقال دام ثماني سنوات، إلا أنه لايزال هناك من هم في غياهب السجن لدى الأطراف المتصارعة، ورصدت نقابة الصحفيين اليمنيين، وفقًا لتقريرها الصادر الشهر قبل الماضي، 20 حالة انتهاك طالت الحريات الصحفية، ابتداء من يناير وحتى 30 مارس 2023م.
وذكرت النقابة أن الحكومة الشرعية (المعترف بها دوليًا) بكافة التشكيلات التابعة لها، ارتكبت 12 حالة انتهاك من إجمالي الانتهاكات، بنسبة 60%، تليها جماعة الحوثي بثماني حالات، بنسبة 40%، رغم توقف النشاط الصحافي المعارض والمستقل في مناطق سيطرتها بفعل القيود والقمع.
الصحافي وحيد الصوفي
ورصدت النقابة سبع حالات تعامل قاسٍ على المعتقلين، ارتكب منها الحوثيون ست حالات، فيما ارتكبت الحكومة حالة واحدة، كما رصدت ست حالات حجز حرية تنوعت بين ثلاث حالات ملاحقة، وحالتي اعتقال، وحالة واحدة احتجاز، سجلت منها 5 حالات ارتكبتها الحكومة، وحالة واحدة ارتكبها الحوثيون.
وذكرت النقابة أنه لايزال هناك ستة صحفيين معتقلين لدى جماعة الحوثي، هم: وحيد الصوفي (مختفٍ قسرًا)، ومحمد عبده الصلاحي، ومحمد علي الجنيد، ونبيل السيدوي، والصحافي أحمد ماهر المعتقل لدى قوات الحزام الأمني بعدن التابع للمجلس الانتقالي الشريك في الحكومة الشرعية، والصحافي قائد المقري المعتقل لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ 2015، والصحافي علي أبو لحوم المعتقل لدى السلطات السعودية.
كما وثقت النقابة حالة مصادرة مقتنيات صحفي من قبل سلطات الحكومة في مأرب، وحالة محاكمة واحدة لصحافي في حضرموت، بالإضافة إلى الاعتداء على مقر نقابة الصحفيين اليمنيين، وحالة تهديد لرئيس فرع النقابة محمود ثابت، من قبل عناصر أمنية تتبع المجلس الانتقالي.
وعلى نفس الصعيد، دانت نقابة الصحفيين اليمنيين احتجاز الصحفي عبد الله علي بامنيف لمدة أربع ساعات في مركز شرطة منطقة صيف بمديرية دوعن دون وجه حق، كما دانت محاولة تصفية ونهب سيارة رئيس تحرير صحيفة اللواء وليد السادة على خلفية كتاباته حول الفساد في محافظة اب.
و استنكرت النقابة صدور أمر قبض قهري بحق رئيس تحرير موقع المصدر اونلاين علي الفقيه، و رئيس تحرير موقع مارب برس أحمد يحيى عايض، ورئيس تحرير صحيفة مارب برس محمد مسعد الصالحي على خلفية قضايا نشر حول فساد السلطة القضائية.
وتسببت الحرب في تدهور الأوضاع الأمنية التي بدورها انعكست على حرية التعبير والصحافة، وهو ما قالته رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، المحامية هدى الصراري، إذ أكدت أن الحرب والصراع المستمرين في اليمن أديا إلى تدهور الأوضاع الأمنية، وتراجع حرية التعبير والصحافة.
الصحافي علي ابو لحوم معتقل لدى السلطات السعودية
وقالت الصراري، في حديثها لـ"النداء": "يتعرض الصحفيون والإعلاميون في اليمن أكان في مناطق سيطرة الحوثيين أو مناطق سيطرة الشرعية، لتهديدات متواصلة وعنف من قبل الأطراف المتحاربة والجماعات المسلحة، ويتم اعتقالهم، ومنعهم من ممارسة عملهم بحرية".
وأشارت إلى أن العديد من الصحفيين يتم اعتقالهم بتهمة ترويج أخبار كاذبة أو تأييد أحد الأطراف المتحاربة، ويتعرضون للتعذيب والإخفاء، كما يعانون من ظروف سجن غير إنسانية.
إيقاف المرتبات
وعلى الرغم من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للصحفيين اليمنيين، وتوقف عدد من الصحف الحزبية والأهلية، وضعف سوق الإعلانات في اليمن، فقد أوقف الحوثيون، بحسب تقرير نقابة الصحفيين اليمنيين، رواتب عدد من الصحفيين من منتسبي المؤسسات الإعلامية، من قبل الخدمة المدنية في صنعاء، بحجة أنهم خارج البلاد، بينما ارتكبت الحكومة حالة أخرى بإيقاف رواتب العاملين في المؤسسات الحكومية من أكثر من ستة شهور.
ويرى الصحفي عيسى الراجحي أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة أسهمت في تدهور الأوضاع المعيشية للصحفيين، وانقطاع رواتبهم، وتوقف عدد كبير من الصحف، دفعت عددًا كبيرًا منهم لترك الصحافة، والاتجاه إلى مهن أخرى لكسب قوتهم.
وأردف الراجحي بالقول: "بعض الصحفيين هرب لمحافظات يمنية أخرى مستقرة نسبيًا، وقادرة على توفير الحماية لهم، أو هاجروا طلبًا للحماية الإنسانية والسياسية خارج اليمن، وممارسة عملهم بحرية أكبر".
الحرب وتأثيراتها
وكشفت دراسة مسحية جديدة نفذتها نقابة الصحفيين اليمنيين، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين، عن التأثير السلبي للحرب على وسائل الإعلام اليمنية، والتي استهدفت 365 وسيلة إعلامية متنوعة بين قنوات تلفزيونية وإذاعات وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية.
وأشارت الدراسة إلى وجود أربع قنوات متوقفة من بين 26، وتعمل 54 إذاعة محلية، فيما توجد 6 إذاعات متوقفة، كما توجد 13 صحفية لاتزال في الساحة، بينما توقفت 119 صحيفة ومجلة، كما يعمل -بحسب الدراسة- 114 موقعًا، فيما توقف 33 موقعًا بسبب الحرب، ناهيك عن حجب غالبية المواقع عن متابعيها داخل اليمن، من قبل سلطات الحوثيين.
وكان للحرب منذ اندلاعها في 2015، الأثر السلبي على عمل الصحفيين بسبب القيود المفروضة من قبل أطراف الحرب، وهذا ما أكده الصحفي عيسى الراجحي، إذ قال: "بعد ثماني سنوات من الحرب مازال الصحفيون اليمنيون يعانون من القيود المفروضة عليهم من أطراف الحرب، مما حد من قدرة الصحافة والإعلام على ممارسة دورها الرقابي، إذ إن جميع أطراف الحرب تنظر إلى الصحفيين نظرة عدائية".
وأضاف في حديثه لـ"النداء": "أصبح الصحفي مستهدفًا من جميع الأطراف، بسبب نقله للحقيقة، أو كونه محسوبًا على ذلك الطرف السياسي أو تلك الجماعة الدينية أو المنطقة الجغرافية".
ويعتبر الصحفيون في اليمن الحلقة الأضعف وهذا ما أكده المراسل التلفزيوني فيصل الذبحاني حيث قال: "يعتبر الصحفي اليمني الحلقة الأضعف والأكثر استهدافًا للعنف بأشكاله المختلفة، ومن مختلف الأطراف المحلية المتقاتلة في اليمن".
وأضاف الذبحاني، في حديثه لـ"النداء": "كما يعتبر الطرف الأضعف في معادلة العمل، سواء كان طرف المعادلة وكالة أو صحيفة أو إذاعة أو قناة محلية أو دولية، لأن القانون اليمني لا يحمي أي صحافي من أية عملية تعسف قد يحصل له في عمله، ولا يحصل على أدنى حقوقه".
حماية حرية الصحافة
ويعد افتقار اليمن إلى إطار قانوني قوي ومستقل لحماية حرية الصحافة وحق الوصول إلى المعلومات، من التحديات التي تواجه الصحفيين في اليمن، وهو ما أشارت إليه المحامية هدى الصراري، وأكدت أن قوانين الإعلام والصحافة غير واضحة، وتفتقر إلى التنفيذ الفعال.
واضافت: "على الرغم من هذه التحديات، مازالت هناك بعض الصحف والصحفيين الذين يعملون بشجاعة، ويحاولون نقل الأحداث والقضايا في اليمن، كما يعتبرون مصدرًا هامًا للمعلومات للمجتمع الدولي ولليمنيين أنفسهم".
وتستمر معاناة الصحفيين في اليمن، في ظل الانتهاكات المستمرة والظروف المأساوية، والافتقار لأبسط الحقوق التي تحول بينهم وبين ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي أسوة بزملائهم في الدول الأخرى، الذين يحظون بأبسط الحقوق المكفولة لهم.