صنعاء 19C امطار خفيفة

هل تنتصر الرياض للقانون .. والمحمدي؟

هل تنتصر الرياض للقانون .. والمحمدي؟

تفرّد الوافد اليمني عبدالصمد المحمدي (53 عامًا) في خدمات الضيافة بالسعودية، وبالرغم من بدايته ‏المتواضعة كعامل في أحد المطاعم الحضرمية، إلا أنه استطاع تحقيق حلمه بإنشاء أفضل مطاعم ‏‏"المندي" في مدينة صبيا وجيزان عمومًا. لم يكن ذلك هينًا، إذ اضطر للعمل نحو ست عشرة ساعة يوميًا، ‏وحرم نفسه من أبسط الأشياء لإنجاز مشروعه.‏


ولعقود مثّل المحمدي نموذجًا مثاليًا للعامل الملتزم بالأنظمة والقوانين النافذة بالمملكة، ومتكيفًا معها، بيد ‏أن نجاحه أثار حسد الطامعين، فقدموا لانتزاع أمواله وحياته معًا في جريمة بشعة، لم تقتصر على إثارة ‏استفزاز الرأي العام، بل كشفت عن احتقار هذه الأنظمة من قبل الجهات المسؤولة عن إنفاذها.‏

في 9 سبتمبر 2021، دهمت بيته ومطعمه فرقة أمنية مكونة من 25 عنصرًا، بقيادة الملازم حسين جعفري، ‏التابع لمكافحة المخدرات بجيزان، بحثًا عن المال. حيث زعمت تلقيها بلاغًا مجهولًا بإخفائه "مبلغ 17 ‏مليون ريال سعودي من تجارة المخدرات".

رجل الأعمال اليمني عبدالصمد المحمدي رجل الأعمال اليمني عبدالصمد المحمدي (النداء)

لم تعثر الفرقة على هذا المبلغ، مع ذلك لم تتوقف عن ضرب ‏عبدالصمد واحتجازه، فضلًا عن احتجاز العاملين معه في المطعم، وتهديد زوجته وبنتيه وولده المعاق ‏بالسجن، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وفقًا لزوجته أسمهان. مضيفة: "تم الاستيلاء على مبلغ مليون ‏وستين ألف ريال، و556 جرامًا من الذهب حقي وحق بنتيَّ اللتين كان مقررًا عرسهما نهاية العام، كما تمت ‏مصادرة كل الأشياء الثمينة والموبايلات الخاصة بنا".‏

بعد ثلاثة أيام من احتجازه، أبلغها المداهمون أنه مات. وكما تقول أسمهان لـ"النداء": "اتصل بي بعد يومين، ‏وأكد لي أن الفريق أخذه لمكان مجهول، وواصلوا تعذيبه حتى فقد الوعي. كانت مكالمة قصيرة ومؤلمة، ‏وكانت أنفاسه تخنق كلماته، ولم أستطع عمل شيء لإنقاذه".‏


وتضيف: "بعدها بيوم، اتصل بي واحد من المخدرات يقول لي إنه توفي، وأنهم وضعوا جثته في ثلاجة ‏المستشفى حتى نحضر لاستلامها".‏
 أثبت تقرير الطبيب الشرعي، الصادر بعد شهر من الجريمة، تعرضه للتعذيب ‏الوحشي، بإشارته لوجود "كسور في 9 أضلاع"، و"كدمات وعلامات زرقاء" في أنحاء جسده،

أثبتت التحقيقات الأولية والتقارير -حصلت "النداء" على نسخة منها- ارتكاب هؤلاء جريمة قتل عمد ‏مكتملة الأركان. فبينما أثبت تقرير الطبيب الشرعي، الصادر بعد شهر من الجريمة، تعرضه للتعذيب ‏الوحشي، بإشارته لوجود "كسور في 9 أضلاع"، و"كدمات وعلامات زرقاء" في أنحاء جسده، والتي أدت إلى ‏تخثر الدم والوفاة، فقد أكد تقرير البحث والتحريات براءته من الشبهة التي زعمت الفرقة مداهمته ‏بموجبها، بل أشار إلى نظافة سجله الأمني من أية مخالفات أو أعمال مشبوهة أو قضايا على مدى 25 عامًا ‏قضاها في المملكة. فضلًا عن تأكيده على سلامة مصدر المبلغ المقبوض عليه، وعدم ارتباطه بأي تعاملات ‏أو تحويلات مشبوهة.‏

ترك عبدالصمد خلفه زوجته أسمهان وثمانية أبناء بينهم فتاتان وابن معاق، كما ترك والدته المسنّة، وعددًا ‏من الأسر الفقيرة التي كانت تتلقى مساعدات شهرية لإبقائهم أحياء.‏

 

عدالة مغيبة


رغم متابعتها المستمرة من خلال محامي الأسرة بالمملكة، حتى اليوم، ماتزال وزارة الداخلية محتجزة لملف ‏القضية، ولم تسمح بإجراء تحقيقات مع المتهمين بتعذيبه وقتله، دون أي مسوغ، وبمخالفة واضحة ‏لنصوص الأنظمة السعودية. حيث يحظر التعذيب بموجب المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية، كما ‏أن النظام يفيد بأن النيابة هي الجهة المختصة والوحيدة في الفصل في الجرائم الجنائية والتحقيق والبت ‏فيها.‏


في نهاية أكتوبر 2021، وبموجب تقرير الطبيب الشرعي، تقدمت الأسرة بشكوى إلى دائرة النيابة العامة ‏بمحافظة صبيا، للمطالبة بالتوجيه بضبط الجناة والتحقيق معهم، في واقعة القتل موضوع الشكوى، كونها ‏صاحبة الاختصاص نوعيًا ومكانيًا. كما طالبتها بإحالتهم إلى المحكمة المختصة بتهمة القتل العمد، لافتة إلى ‏الاحتفاظ بحقهم في طلب القصاص الشرعي لدى المحكمة، فضلًا عن التعويضات المكفولة نظامًا. وقد ‏أسس ورثة وأولياء دم المجني عليه شكواهم بناء على نصوص المواد (2، 13، 15، 25، 26/1، 113، ‏‏126) من نظام الإجراءات الجزائية النافذ.‏

ظلّت النيابة تتذرع بعدم إحالة ملف القضية والجناة من قبل وزارة الداخلية إليها، بدعوى أنها "مازالت ‏تجري تحرياتها". لكن أسمهان تشكك في هذا، خصوصًا بعد مرور أزيد من عشرين شهرًا، وبالرغم من صدور ‏تقرير البحث والتحريات الذي أكد براءة عبدالصمد مما نسب إليه، وتأكيده ضرب المجني عليه من قبل ‏الفرقة القابضة، ما يعني وضوح الجريمة وعدم وجود أي ملابسات. لكن الوزارة استمرت في احتجاز الملف ‏دون أي مسوغ، في الوقت الذي لم تتخذ أي إجراءات بحق الجناة الذين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي حتى ‏اليوم، وفقًا للزوجة.‏

رجل الأعمال اليمني عبدالصمد إسماعيل المحمدي رجل الأعمال اليمني عبدالصمد إسماعيل المحمدي (شبكات تواصل)

وبالرغم من التلكؤ ومحاولة اختطاف الملف من قبل جهات عليا في وزارة الداخلية السعودية، كما تقول ‏أسمهان ثابت لـ"النداء"، إلّا أن الحكومة اليمنية ممثلة بالسفارة اليمنية بالرياض والمسؤولين ‏الدبلوماسيين، لم يحركوا أي ساكن، ولم يقوموا بواجبهم الأصيل في متابعة القضية والوقوف مع الأسرة ‏لضمان إيصال الملف والجناة إلى النيابة، كونها المخولة قضائيًا وشرعيًا في النظر والتحقيق في الجريمة.‏

 

دبلوماسية المصالح السعودية


في الأشهر التي سبقت ولحقت مقتل عبدالصمد، نظمت السفارة اليمنية والقنصلية أكثر من فعالية ‏لتشجيع المستثمرين اليمنيين على تصحيح أوضاع مشاريعهم مع قوانين العمل التجاري والاستثماري في ‏المملكة، كجزء من واجبها في رعاية مصالح اليمنيين وحماية حقوقهم. لكن الجريمة التي ارتكبت بحق ‏المواطن اليمني تفضح زيف هذا الادعاء، كما تفيد أسمهان، بعد مقتل المحمدي، وقفت سفارتنا وقنصليتنا، ‏بل الحكومة اليمنية التي تزعم تمثيل اليمنيين، في "حالة صمت وإهمال فاضح لا تنسجم مع واجبها ‏الأخلاقي والإنساني والوظيفي"، ولا مع ثرثرة مسؤوليها في الفعاليات وورش العمل.‏


عبدالباري طاهر: "هذه جريمة ‏بشعة، ولا يعقل أن تلطّخ السعودية نفسها بدماء الأبرياء والعاملين فيها".‏

قبل أشهر، أطلق مجموعة من الناشطين والحقوقيين والصحفيين لجنة مناصرة وطنية للمطالبة بتحقيق ‏العدالة والإنصاف لعبدالصمد المحمدي وأسرته، وكما يقول عبدالباري طاهر، نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، وهو عضو اللجنة: "سنبذل كل ما بوسعنا للتواصل مع الجهات الرسمية المعنية اليمنية ‏والسعودية، والضغط والمتابعة حتى يتم تحقيق مطالب الأسرة وتحقيق العدالة". ويضيف: "هذه جريمة ‏بشعة، ولا يعقل أن تلطّخ السعودية نفسها بدماء الأبرياء والعاملين فيها".‏

وتقول أسمهان: "لا أعرف ما سرّ هذا التراخي وانعدام المسؤولية لدى السفارة والحكومة"، وتضيف: "قضية ‏عبدالصمد مشرفة ولا تدعو للخجل، بل الفخر، ويفترض وقوف الحكومة بأكملها لتدافع وتتابع قضيته، لقد ‏قتل وهو يكافح ويشقى داخل مطعمه، بشرف ونزاهة، وملفه نظيف، وليس فيه ما يعيب!".‏

لم يكن من المفاجئ نجاحه المحمدي كمستثمر في السعودية. لقد نشأ في عائلة تنتمي إلى مجتمع تجاري ‏راسخ. فهو من مواليد الحجرية بمحافظة تعز، حيث الكتلة السكانية الأكبر في اليمن المعروفة بالعمل ‏والكفاح، كما تضم النسبة الأعلى من التجار والمغتربين، وتُعدّ المركز الاقتصادي والقاعدة الصناعية الكبرى ‏في البلاد.‏

في النهاية، إحالة قضية عبدالصمد المحمدي مع المتهمين بقتله إلى النيابة العامة كجهة اختصاص وحيدة للفصل فيها، ليس مجرد مطلب لإرضاء أسرته وانتصاراً لهم، لكنه علاوة على ذلك شرطاً أساسياً لإنفاذ الأنظمة السعودية السارية وتحقيقاً للعدالة، بل وفرصة لتعزيز مصداقية الانفتاح الاقتصادي الذي يتزعمه ولي العهد محمد بن سلمان.

اقرأ أيضاً على النداء:

https://www.alndaa.net/42885

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً