عبدالعزيز بن عقيل، الباحث المتخصص في مجال الانثروبولوجيا والآثار تحدث لـ"النداء" عن بافقيه أدواره والابعاد الثرية في شخصيته وهو يرى أن «ريادة بافقيه في مجال التربية والتعليم تم إغفالها»، منبهاً إلى أن تجربته الرائدة في مجال التعليم في حضرموت لم تدرس، وبالتالي فإن الرجل لم يُعطَ حقه في هذا البعد.
«كان صحفياً قديراً»، أضاف بن عقيل، لافتاً إلى براعة بافقيه في مجال الصحافة والكتابة الصحفية خصوصاً. ومعلوم أن بافقيه كتب باسم «سندباد على الورق» سلسلة مقالات شائقة في صحيفتي «الرائد»، و«الرأي العام» الحضرميتين في النصف الأول من الستينيات. وقد صدرت مقالاته في كتاب «صاروخ إلى القرن العشرين: كتاب صحفية من حضرموت 1960- 1965». وفيه يتجلى بافقيه نقاداً نافذاً للظواهر الاجتماعية، وساخراً لا يبارى، خصوصاً وهو يعرِّض بأنصاف المثقفين، والمحافظين الذين تذعرهم القيم العصرية ويقلقهم مجرد التفكير بإنشاء سينما أهلية.
«من الظلم أن يُحصر في مجال علمي ضيق»، تابع عبدالعزيز بن عقيل، مشيراً إلى قدرات بافقيه الادارية خلال مسيرته الحافلة بالانجازات.
وفي الستينيات أسس متحفاً في مدينة المكلا ضم نماذج من نقوش ومخربشات وفخار وأنصاب ومذابح وآنيات تعود إلى ما قبل الإسلام، وبعضها إلى مملكة حضرموت القديمة.
«معظم هذه اللقى إن لم يكن جلها سطحي، أي التقطت من السطح ولم تكن نتيجة حفر». ويوضح بن عقيل -الذي التقته «النداء» في منزله بمدينة المكلا- الجهد الذي بذله المؤرخ الاستثنائي من أجل إقامة أول متحف في حضرموت: «كان البدو يأتون بها من مناطق شبوة القديمة عاصمة حضرموت القديمة ومن الوادي والهضبة الجنوبية لقاء مكافآت رمزية كان يعطيهم إياها».
يستطرد: «كذلك نشأ المتحف بعد إضافة نماذج من مصنوعات شعبية. وفي غرفة تابعة للتربية والتعليم تم افتتاح المتحف الذي صار نواة وأساس متحف المكلا الحالي».
«كان قامة علمية عالمية في علم النقوش والآثار»، يقطع بن عقيل، قبل أن يردف: «بافقيه مرجعية لازمة لكل راغب في دراسة النقوش اليمنية القديمة وتاريخ اليمن قبل الإسلام». ويزيد قائلاً: «بما أن علم النقوش وآثار اليمن القديمة ذو مواضيع عويصة، فإن هذا الاختصاص يكاد يغيب عن معظم مثقفي اليمن، ولذلك فإنه (بافقيه) ليس بالعالم ذي الشعبية الواسعة في أوساط المثقفين بحكم تخصصه الدقيق».
وعن منهجية بافقيه العلمية في كتابة التاريخ يقول الدكتور عبدالعزيز بن عقيل: "ظل تاريخ اليمن القديم ردحاً من الزمن في إطار مدرستين: مدرسة أوروبية حديثة كانت تعد النقوش المصدر شبه الوحيد (باستثناء معطيات الآثار وما ذكره المؤلفون اليونان والرومان وكتاب التوراة) بالنسبة لدارسي النقوش الأوروبيين وكانوا يعتبرون المؤلفات العربية وكتب الأنساب التي تعود إلى المؤلفين العرب والمسلمين بأنها أسطورية وإخبارية وعديمة الفائدة، وبعضاً من هذا يعود سببه لجهلهم بالمؤلفات العربية نفسها.
أما المدرسة الثانية فهي مدرسة المؤرخين العرب التقليديين الذين كانوا يوردون ما كتب في المؤلفات العربية عن اليمن فيما قبل الإسلام وكأنها هي التاريخ دون أن يُعملوا النقد للجوانب الأسطورية والخرافية وغير المعقولة في هذه المعلومات.
أما الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه فقد استطاع، بمنهجيته العلمية الحديثة وتمكنه من قراءة النقوش اليمنية وتحليلها وتمكنه أيضاً من التراث اليمني والعربي والإسلامي، استكمال المعلومات التي لم تفصل فيها النقوش بالمعلومات التي ذكرتها المصادر آنفة الذكر بعد إخضاعها للنقد والتحليل أيضاً والنظر إليها من عدة زوايا لإخراج بذرة الحقيقة التاريخية منها. وهنا تتجلى المنهجية العلمية الخلاقة للدكتور محمد عبدالقادر بافقيه، التي ساهمت في جعل المختصين الأوروبيين في النقوش في القرن العشرين يخجلون من أنفسهم أن لم يجيدوا اللغة العربية ليقرؤوا بها المؤلفات الإسلامية كمؤلفات الهمداني وكتب الأنساب وغيرها للاستفادة منها إضافة إلى النقوش. وفي هذا المجال يقف العالم الأستاذ الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه رحمه الله علامة فارقة.
ويشير بن عقيل إلى أن الأستاذ الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه كان له دور كبير مع المرحوم الأستاذ عبدالله محيرز في ضم مدينة شبام حضرموت التاريخية إلى قائمة مدن التراث العالمي حيث بذل قصارى جهده في تحقيق الحلم الذي كان قد بدأه الأستاذ عبدالله محيرز في ضم مدينة شبام لقائمة مدن التراث وهو ما سعى إليه بافقيه.
ويذكر الدكتور عبدالعزيز بن عقيل أن الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه رحمه الله كان قد أوصى قبيل وفاته بأن تكون مكتبته الخاصة، بما تضمنته من أبحاث علمية ومذكرات خاصة، للقراءة العامة في مدينة المكلا، شريطة أن يخصص لها مكان في المدينة ويقوم على هذه المكتبة موظفون لتيسير الخدمات للباحثين.
وللأسف فإنه حتى الآن لم تنفذ هذه الوصية حسب رغبة المرحوم، وما زالت مكتبته في مدينة عدن رغم إلحاح أبنائه الغيورين على ذلك. فحتى الآن لم تخصص الدولة مكاناً مهيئاً لنقل المكتبة، ولا موظفين اثنين للعناية بها. وبهذا الصدد نطالب -تكريماً للعالم الراحل- أن تنفذ وصيته، وهي على كل حال وصية خيرة لمصلحة الثقافة والاهتمام بتاريخ البلد، وهو لا يطلب شيئاً، وإنما يعطي خبرات عمره وسني شبابه وكهولته، فهل من مجيب؟!
*نشر في العدد (187) الموافق 11مارس 2009