نعلم وندرك أن اليمن تُعرف بسرمديات الفناء وأخفها: الظلام، الحرب، المجاعات، الجهل، المليشيات، القات والمخدرات، السلاح، الانقلابات، القبيلة وثاراتها، والمليون: عقيد، جنرال وشيخ وفقيه وداعية، ومليشياوي، وشهيد، وحافظ للقرآن. وتعرف بالرؤساء المؤبدين وأحزاب الجراد، والنساء المصفدات بالسواد القاتل "الشرشف"، وزواج الطفلات. تُمهر بالدين والتدين والمذاهب الديناميت، معامل تجريب للخراب، وقائمته الأولى، ألا يكون هناك إنسان يمني: مواطن، وألا تكون اليمن دولة بقانون يسوسها، وكرامة إنسانية تليق بالإنسانية الجديدة 2023.
ويشهد الله والعالم أجمع أن الوهابيين هم أكثر من عاث في اليمن خرابًا وفسادًا ودمارًا بفكرهم المتطرف والإرهابي، وما نتج عنهم من القاعدة وداعش، وكانت الشقيقة والجارة: السعودية، هي المصدر الأكبر لهذه المنتجات، و"ارحبي يا جنازة فوق الأموات"!
وفيما عملت المملكة على التخلص من الفكر الوهابي ومنتجاته، فقد حرصت على تسليمه لأيدٍ أمينة ومخلصة في اليمن لتنفيذه بحذافيره، نطقًا وكتابة ومرجعية، لمجابهة الأعداء، خصوصًا، التنويريين والشيوعيين.
تلك التركة الوهابية -صندوق بندورا- مازالت حية ومتأججة في يمن الجحيم حتى اليوم، برغم موتها السريري في السعودية، والسبب أولئك الأمناء والحماة الذين عملوا على توريثها للأجيال والأحفاد، إنهم مخلصون، جامحون، مجاهدون، مقاتلون، بالنقد وبالمجان. وللأمانة الشقيقة/ الجارة، لم تجد مثل أهل اليمن أحرص على تنمية وتسمين الفكر الوهابي ونشره قرآنًا ناطقًا، يفتك بكل من ينتقده، حتى بعد خفوت الوهابية في موطنها الأصلي، عقب صعود محمد بن سلمان إلى الحكم في 2015، ودخول المملكة عتبة الحياة العصرية، وتنفيذ خطط التمدن والانفتاح على ثقافات العالم، لتكون سنة 2030، خلق الإنسان السعودي المواطن، الآمن، المتحضر، المتعلم، المثقف، والفنان، والفيلسوف... الخ.
تحاول السعودية الجديدة/ ابن سلمان، أن تجفف منابع الوهابية فكرًا وحياة، وتحاول جاهدة عبر شبابها أن تكون سعودية جديدة، ونحن سعداء لأجلكم، فقد آن الأوان للتغيير وكبح جماح الوهابية الشرسة التي اغتالت الحياة لأكثر من قرنين.
لكن، ماذا عن اليمن -الخرافة (السعيد، والأصل) الذي مازال مغموسًا بتعاويذ الفناء: "يمن الإيمان والحكمة اليمانية"، و"مقبرة الغزاة"، و"الفتوحات الإلهية" والمليون شهيد، و30 مليون جائع، في سبيل ألا تنطفئ جمرة الوهابية.
نحن سعداء بالسعودية الجديدة، والسلمانية الحديثة، نبارك مسيرة بناء الحياة العصرية بالجامعات والأكاديميات الحديثة، المسارح، دور السينما والفنون، والمتاحف، والمقاهي المدنية المختلطة... الخ. بل وغلق هيئة الإرهاب الفاشية: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وتأسيس الهيئة العامة للترفيه، كمؤسسة دولة تابعة لوزارة الثقافة.
لقد تابعنا بانبهار، مهرجانات الفنون والموسيقى والأوبرا على أرض الحرمين ومكة المشرفة، ودعوة أساطين الفن من كل أنحاء العالم، كالموسيقار العالمي ياني، والنجم العالمي سويز بيتس، ومئات الفنانين العرب الذين يحيون التظاهرات الفنية على خشبات المسارح، في جدة والرياض والجديدة، والعلا، وخيبر، وغيرها من المدن السعودية. بجانب ثورة النساء علمًا وثقافة، وبوجه مفتوح للحياة والحرية، بعد كتمه لقرون.
ما أثلج صدورنا أكثر هو تغييركم للمناهج التعليمية الخرافية الجهادية والإرهابية التي ولدت وخصبت في بيئتكم، وصدرتموها لليمن أولًا وللعالم ثانيًا، وأنفقتم مئات المليارات لتصديرها كثورة، وكنتم الأسبق من الخمينية في تصدير ثورتهم مع 1979.
لقد تابعنا ثورة التعليم: إجراء أكثر من 120 تعديلًا في كتب المناهج، طالت 89 كتابًا، بل وإضافة 34 كتابًا ومنهجًا، تصب في تنمية المهارات والتقدم والتقنية، والتفكير الفلسفي والنقدي، وتقليص مواد التربية الإسلامية التي كانت تصنع ألغامًا وهابية مسافرة تقتل وتدمر أي مخالف في اليمن والدول العربية الإسلامية، والعالم، ثم إضافة مقررات: الفن والفلسفة، والمنطق والسينما... الخ. بل يتم الابتعاث إلى جامعات الغرب لدراسة الفنون والموسيقى والسينما.
ورأينا كلية الفلسفة، والمؤتمر الدولي للفلسفة الذي أنهى أعماله في ديسمبر 2022، وتابعنا مقررات الفلسفة والأديان من الهندية، والبوذية، واليهودية... الخ، ومقررات من أساطير المهابهارتا والراماينا الهندي (التي درسناها في منتصف الثمانينيات في جامعة صنعاء، على يد الفيلسوف أبو بكر السقاف، الذي كاد أن يُقتل أكثر من مرة بواسطة دعاة الفكر الوهابي، ومات غريبًا في روسيا قبل أيام).
أما أن يتغير خطاب وفتاوى اللحوم المسمومة الوهابية (ابن عثيمين، وابن باز، و... حتى الآن مصعوقون، أن تتغير من التحريم إلى التحليل، ومن نفس أفواه أساطين الفتاوى، نعم، بعد أن حرمت وجرمت، وأصدرت أحكام القتل بذريعة التكفير والردة وازدراء الأديان والشذوذ، وغيرها من تهم الإبادة.. رأيناهم يتراجعون عن فتاواهم، رأينا من كان يفتي بالموت في سبيل الله باسم: الجهاد، أصبح يدعو إلى الحوار والسلم والشراكة والحوار والانفتاح.
كان أولئك الفقهاء السميون هم من ألزم النساء بالنقاب ومنع قيادة السيارة قبل قليل، ثم أصبحوا يجيزون ذلك بالقول "ولا ضير في ذلك".. لقد أصبحوا تحرريين، ويطالبون بتحكيم العقل، ويحضرون الحفلات الموسيقية والاستعراضات الفنية، ومحاضرات الفلسفة.. يالله اعطني أكثر من عقل لأستوعب المعجزات السلمانية!
مرة أخرى، نبارك، وسعداء بثورتكم الناعمة يا ابن سلمان، ومساعيكم لتجفيف ومحاربة الفتاوى السمية الوهابية الإرهابية، التي مازالت حتى اللحظة تقتات من أرواحنا المقتولة، بمليون عشرية سوداء، لكن يا ابن سلمان، ماذا عن اليمن، "مكب النفايات السامة" التابع لكم -الشقيق والجار الحنون- بحسب الناطقين بلسان "الشرعية": "اليمن أكبر وأجل من أن تكون حديقة خلفية لأي دولة مهما عظم شأنها"، وأن علاقتنا بالشقيقة ندية، وأخوية، والمصالح المشتركة، والاحترام المتبادل"! ماذا عنا؟
مبروووك عليكم دخول 2023، بحلة عصرية سالمة وآمنة، وغانمة، ولا مبروك على مقلب القمامة التابع لكم ولكل من يدفع لنخب هوامير الفساد والخراب، في يمن الإيمان الوهابي، مع إضافة السمية المضاعفة لحكم الملالي الحوثي التابع لـ"قم والنجف الأشرف".
صعدة 2014 بعدسة أروى عثمان
ففي 2023، مازالت الحرب والمجاعة وافتراس الإخوة الأعداء في البيت الواحد، ومازلنا نجمع توقيعات مليونية لـ"لا صوت يعلو فوق" صوت الشريعة ولا مرجعية سواها، وحملة "يمانيون من أجل الشريعة والقيم والشرف والوحدة والعرض"، ومازلنا نصفي بعضنا بعضًا بسيف التعصب الوهابي وسيف الملالي، أي بين عيال عائشة وفاطمة، أمهات المؤمنين!
مبروك عليكم، وأنتم تصنعون من مدينة خيبر "واحة العجائب"، وتقيمون على أرضها فعاليات التزلج على إيقاعات الموسيقى والطبيعة، ونحن صامدون، نخبز المليونيات وبصوت واحد: "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود"، بالرغم من أنه لم يبقَ يهودي في مكب النفايات والعدم: يمن الإيمان والمسيرة القرآنية.
2023، لا صوت موسيقى، لا مسرح، ولا سينما، ولا مكتبة، ولا صحيفة ومجلة وكتاب، ولا احتفال ومهرجان، فقد دُمرت البلاد بفتاوى الوهابية، وبالصرخة الخمينية.
فمنذ عقود، وحتى اليوم، مازالت تلك الكتل الصماء من القادة الشرعيين وغير الشرعيين، ومعهم النسخة اليمنية للملالي، ومعهم كتائبهم من الدعاة، يغردون بتعويذة الفرقة الناجية والفرقة الباغية، دار الحرب ودار الإسلام، والإعجاز العلمي في القرآن، ولا شرقية ولا غربية... الخ.
كل هذا الخراب المعمم في التعليم والحياة، مازال يتغذى من بركة التعصب "الوهابية"، ومن مدد المراكز الجهادية، من المعاهد العلمية ودور تحفيظ القرآن، ودماج، والمساجد، والجامعات، كجامعة الإيمان، وغير ذلك من مستوطنات التطرف الوهابي، ومعاهد معبر، وتعز، والسلفية الجهادية، و... بل حتى "الجيش الوطني" المفخخ بالعقيدة الوهابية..
دماج فبراير 2014 بعدسة (اروى عثمان)
نعم، فلن تجدوا مثل سيوف المقلب النفاياتي المسلولة والمسمومة، والتي تقاتل بأبنائها في سبيل الحفاظ على الموروث الوهابي، وتقتسم التركة اليوم مع أنصار الله، ولا ندري حتى اللحظة لماذا تتقاتل المليشيات، أكانت مقاومة وغيرها، وهم كلهم أحفاد مناهج محمد عبدالوهاب ومقبل الوادعي وعبدالمجيد الزنداني وعائلته، وعبدالله العديني ومريديه، وقطيع مشايخ القبيلة والدين، القديمين والجدد، وقادة المسيرة القرآنية، وسلالة العرق الإلهي، الذين تشربوا مناهج الوهابية المنثورة في صعدة والجوف وعمران، وكل أرجاء اليمن حضرًا وريفًا.
نعم:
لم يتغير الوضع إلا بالمزيد من شحذ أسنّة الحرب الفتاكة، ودخول تكنولوجيا الطيران والقصف، وانتشار بقع الموت والدم والأشلاء في كل الأرجاء.
رازح صعدة 1998 (بعدسة أروى عثمان)
هو نفس السؤال الذي رأيته عندما زرت صعدة في 1998، وفي فبراير 2014، وأنا أقف على قمة في جبل "رازح" أو قمة قلعة "حُرم"، أو "كتاف"، أو "منبه"، وغيرها من المناطق، حيث يسود الظلام الدامس، والمجاعة والسلاح والقات والمخدرات والبردقان، والجفاف، وإن وجد الماء فهو ملوث، بلاد اللاطرقات، وإن وجدت فهي طرق للموت والسلب والنهب، وتهريب القات والمخدرات والسلاح، ونساء السواد، وأطفال الجبهات، ومكبات أطفال الجهاد، إنهم يفتكون ببعضهم البعض في أقل من "ساعة سليمانية" مخدرة بالقات والأفيون. كل ذلك وأنت ترى لألأة الكهرباء وأضواء مدن الجوار السعودي التي لا يفصلها عن مدن وقرى السواد اليمني سوى بضعة أمتار وجدران.
ما قبل الأخير:
في 2023، هل تعتقدون أن بمقدوركم النأي ببلاد الحرمين، عن مكب النفايات الضخم والمتفجر في بلادنا؟ إن الجوار المظلم والمسوس سوف يرتد حتمًا، ويزحف ويخترق كل الأسوار والتحصينات، حتى لو أديرت بالريموت كنترول.
يا ابن سلمان، ويا ملوك وأمراء دول الخليج: جواركم -اللغم: اليمن، يمتلك كل مؤهلات الانفجار الكبير القادر على إغراقكم معنا، إذا لم تسارعوا إلى دفن النفايات وإغلاق مصانعها وتدويرها، وصناعة الحروب، وتكفوا عن تغذية المليشيات والمليشيات المضادة باسم التحرير والمقاومة، فاليمن أحوج ما يكون إلى الالتزام بحق القانون الدولي "العدالة الانتقالية": بناء مدارس، جامعات، وادي الفنون، تعزيز نهج الانفتاح والحوار والسلام والاختلاف، إلى المشفى، والطرقات الآمنة، المكتبة، المسرح، والسينما، ومنح التعليم.
وجه من منبه 1998 (بعدسة أروى عثمان)
ألا يحق لنساء اليمن أن يكنَّ بوجوه مفتوحة في 2023، بعد كل هذا الانكتام الوهابي -الخميني؟
ألا يحق لليمن أن تستضيف فرق الأوركسترا العالمية، وتستمع للمايسترو ياني، والياباني، هيروفومي يوشيدا، وأديل، وكاظم الساهر، ونانسي عجرم، وفرق الروك، وراشد الماجد، ووعد، وأسيل عمران، ومحمد عبده، ونجوم السينما العالمية؟
أخيرًا:
هكذا يكون الجوار آمنًا يا محمد بن سلمان، لنستطيع القول:
شكرًا سلمان!
فارس في مشيته!
فارس في نظرته!
فارس وهو في الأصل فارس!