أتذكر الآن أن أول مادة كتبتها في "النداء"، كانت في العام 2006 تقريبًا، عن موظف اسمه حسن أحمد ثابت، تم فصله من وظيفته في مطابع جامعة عدن، وقد نشرت المادة في الصفحة الأخيرة من الصحيفة، وبعد أيام من نشر المادة اتصل بي مدير مطابع الجامعة الدكتور محمد عمر باسليم، معاتبًا، ومبشرًا في الوقت نفسه، بأن رئيس الجامعة، وكان يومها الدكتور عبدالوهاب راوح، قد وجه بإعادة الموظف إلى عمله، وإلغاء قرار الفصل.
كان ذلك اليوم مبهجًا بالنسبة لي، في أنني انتصرت لموظف بسيط يعول عائلة كبيرة، وأنني وجدت صحيفة محترمة ومؤثرة، بإمكاني العمل فيها للانتصار لقضايا الناس.
توطدت علاقتي في ما بعد بـ"النداء" ورئيس تحريرها الأستاذ سامي غالب، الذي تعرفت عليه للمرة الأولى في مقر نقابة الصحفيين اليمنيين بالعاصمة صنعاء، قبل ما يزيد على عقد ونصف، فكان هذا اللقاء الفاتحة الأولى للانضمام لأسرة "النداء" من كبار وأفضل الصحفيين في البلد.
كنت في الصباح أعمل محررًا صحفيًا في جريدة "السياسية" التابعة لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، التي تحصلت على وظيفة فيها عبر اختبار المفاضلة، وفي المساء أعمل في "النداء" كاتبًا للتقارير والمقالات الصحفية المهتمة بالحراك السلمي في الجنوب، أو ببعض القضايا الإنسانية والسياسية الأخرى.
الحقيقة أن "النداء" كانت مدرسة صحفية مختلفة ومتفردة تمامًا عن غيرها من الصحف، الكانت تصدر في البلاد يومها، تعلمنا منها الكثير في صياغة الأخبار، وكتابة التقارير والمقالات والتحليلات والحوارات، التي تجعل الصحفي المثابر يرتقي بأدائه وأسلوبه ليكون قادرًا على التميز والتفرد والتأثير.
خمس سنوات تقريبًا استمررنا في العمل مع "النداء"، وعندما انتقلت إلى عدن العام 2009، للعمل في صحيفة "أخبار عدن"، ظللت أكتب لـ"النداء" بصورة دائمة، وشاركت في أهم ملف صحفي عرضته، وكان لها السبق فيه، ألا وهو ملف المخفيين قسريًا، كما خضت تجربة إجراء حوار مطول لم يسبق لي من قبل، وهو الحوار الذي أجريناه مع الأستاذ عبدالحميد الشعبي، ووصل إلى 18 حلقة، وشارك في إعداده الأستاذ سامي غالب، رئيس التحرير، وأنا، واستمر العمل فيه لمدة عام ويزيد.
كانت وما زالت وستكون "النداء" صوت الناس البسطاء المعبرة عن آمالهم وتطلعاتهم، لا تفرق بين هذا وذاك، وإنما تعمل مع الجميع خدمةً للحقيقة والمهنية والرسالة التي تحملها.
وقفت "النداء" بقوة مع ثورة الحراك السلمي في الجنوب، منذ انطلاقتها في يوليو 2007، وفتحت صفحاتها للصحفيين والإعلاميين والسياسيين الجنوبيين للكتابة فيها، وأنا أحدهم، وأشهد بأنها كانت أكثر الصحف مهنية وموضوعية في التعامل مع الحراك في الجنوب، وكانت الأكثر مبيعًا ورواجًا في عدن والمدن الجنوبية الأخرى.
علاقتنا بـ"النداء" لم تكن علاقة عابرة، بل كانت كعلاقة تلميذ بمدرسته الكبيرة والملهمة، تعلم منها الكثير على صعيد المهنة، وعلى صعيد النضال من أجل قضايا الناس بكل تجرد وضمير واستقلالية.
لقد شعرت بالسعادة مؤخرًا، حينما علمت أن "النداء" عادت للعمل عبر موقعها الإلكتروني، وبحلة جديدة، فهرعت إلى شبكة الإنترنت للتأكد من هذا الخبر السار، فوجدته صحيحًا ومبشرًا بمرحلة جديدة من العمل الصحفي والإعلامي الحقيقي، الذي افتقده البلد منذ سنوات للأسف، بفعل الحرب، وبفعل الاستقطابات الحادة التي أضعفت دور الصحافة والإعلام، في أن يكونا صوت الشعب، والمعبر عن مصالحه وقضاياه بالدرجة الأولى.
خالص التحية لـ"النداء"، ولرئيس تحريرها الأستاذ سامي غالب، ولكل طاقمها وكتابها ومراسليها الكرام.
"النداء" التي تعلمنا منها الكثير
2022-11-04